أكد الدكتور شوقي الفنجري أستاذ الاقتصاد الإسلامي أن تفاقم المشكلة الاقتصادية مما يكابده عالم اليوم غنية وفقيرة على السواء إنما يكمن أساسا في طبيعة النظام الاقتصادي العالمي وأسلوب أدائه حيث لا يعرف سوى الماديات والرغبة في التحكم والسيطرة فأهدر القيم وتناسي الله وحساب اليوم الآخر وأغفل حقيقة الإنسان وهو أنه عقل وروح قبل أن يكون شهوة ومادة. و تكمن المشكلة الاقتصادية بصفة خاصة في طبيعة العلاقة القائمة بين الدول المتقدمة والدول النامية وعلى وجه الخصوص في عدم تكافؤ شروط التبادل بينهما إذ الحاصل أن الدول الصناعية المتقدمة تبيع سلعها إلى دول العالم النامي بأسعار باهظة في حين أنها تحصل علي مواردها الخام بأسعار منخفضة للغاية مما حال دون تنمية العالم المتخلف بل اضطرره إلى الاستدانة والوقوع في المصيدة الجهنمية المفزعة ألا وهي مصيدة الديون. وقال في أحدث كتبه " الإسلام والمشكلة الاقتصادية" إن المشكلة الاقتصادية على المستوى العالمي ليست مشكلة ندرة كما يدعي الكثيرون ويكفي أن نشير إلي أن إنتاج الولاياتالمتحدة ودول السوق الأوربية المشتركة ودول الشرق الأقصى خاصة في مجال الغذاء يفوق احتياجات العالم الكلية حتي أصبح الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد الأوربي واقتصاد دول الباسفيك يعاني مشكلة تكدس السلع الغذائية واضطرت الولاياتالمتحدة إلى استخدام سفنها القديمة لتخزين القمح وأراقت السوق الأوربية المشتركة أطنان الزبدة التي فسدت من طول التخزين المشكلة إذن هي مشكلة سوء توزيع أو بالأحرى افتقاد الدول الغنية لمفهوم عادل لتوزيع الثروة، وهو الأمر الذي سبق الإسلام إلى إقراره منذ أربعة عشر قرنًا. وقال : كان يمكن للدول الصناعية المتقدمة بما لديها من وسائل التقنية الحديثة ومشاركة دول العالم الثالث في استغلال مواردها الطبيعية فتستفيد وتفيد إعمالا للأسلوب الإسلامي في التنمية بالمشاركة لا بالقروض الربوية ولكن افتقاد الثقة بين الطرفين إزاء حرص أكثر الدول الصناعية على فرض شروطها التعسفية وحرص أكثر دول العالم النامي علي إخضاع الاقتصاد للسياسة أضاع علي الطرفين ميزة الاستفادة بما عند كل طرف من إمكانيات وأنه بظلم الإنسان أصبحنا نعيش في عصر اقتصادي مضطرب الدول المتقدمة التي تملك الصناعة والإنتاج الكبير تعاني أزمة ركود في توزيعها والدول النامية التي تملك المواد الخام وتفتقر إلى المنتجات المصنعة تعاني أزمة الديون وأنها تستورد أكثر مما تصدره. ولقد تواترت الأحداث وكشفت التجارب الماضية عن عجز مختلف المذاهب والنظم الاقتصادية الوضعية أن تحقق للمجتمعات البشرية أمنها وسعادتها ورأينا اضطراب دول وشعوب عالمنا المعاصر بين المذهب الفردي ممثلا في الرأسمالية بمختلف درجاتها وبين المذهب الجماعي ممثلا في الاشتراكية بمختلف أنواعها وتوزعت بينهما العديد من النظم الاقتصادية إلي أن تبين فسادها وعجزها عن أن تحمل مسئولية التوجيه أو أمانة العطاء. وكان ذلك إعلانا واضحًا بأنه على البشرية أن تبحث عن مذهب أو منهج جديد. وقد اهتدى بعض علماء الغرب إلي ان منهج الله تبارك وتعالي ممثلا في الإسلام هو وحده القادر علي وضع الإنسانية في طريقها الصحيح، وأكد الكثيرون من قادة وعلماء الغرب والشرق على السواء أن الحضارات والمذاهب الاقتصادية الوضعية قد ضلت سبيلها حين تصورت أن الانسان مادة وحسب، فقامت علي أساس البعد الواحد وهو بعد المادة والإشباع الاستهلاكي ناسية أو متناسية أن الانسان أيضا روح، فأغفلت البعد النفسي أو الرباني مما أفقد الإنسان توازنه وسكينته ولقد عبرعن ذلك بعض العلماء الأجانب سواء منهم من أعلن إسلامه مثل "جارودي" و"موريس بوكاي" أو من لم يعلنه ك"جاك بييرك" و"اوستري" و"لويس جارديه" بإجماعهم علي أن الرجل الأبيض- في إشارة إلي الأوربي والأمريكي والروسي- قد انتهى لأنه فرغ من العلم والتقدم المادي وكذلك فرغ من الايمان والمثل. وعبروا عن ذلك أيضا بقولهم : إن حضارة الغرب رفعت الإنسان إلى القمر بينما هي غائصة إلي ركبتيها في الأوحال وأن البشرية اليوم في أشد الحاجة إلى المذهبية الإسلامية للخروج من أزمتها. مشكلة الفقر: يشخص الدكتور الفنجري مشكلة الفقر فيوضح أن الندرة في نظر مختلف المذاهب والنظم الوضعية مردها أساسا شح الطبيعة أو قلة الموارد الأمر الذي تنفيه كلية الإسلام بقوله تعالي : {وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها إن الإنسان لظلوم كفار}، فوقع الأمرعلى خلاف ما تفترضه المذاهب والنظم الوضعية، من أن نعم الله كثيرة والموارد الطبيعية في باطن الارض وفوقها وفي البحر وفي الجو متوفرة في هذا الكون الذي سخره للإنسان واستخلفه عليه وإن حقيقة الندرة هي ما عبرت عنه الآية الكريمة، والتي مردها ظلم الإنسان وكفرانه، فظلمه بسوء توزيع الثروة وكفرانه بعدم استغلاله ما هيأ له الله تعالي من موارد طبيعية لا تحصى ولا تنفذ. ولايفضل الدكتور الفنجري التسليم كلية باستخدام اصطلاح الفكر الاقتصادي الحديث او ربط المشكلة الاقتصادية في الاسلام بهدف الرخاء المادي وانما يفضل البقاء علي الصطلاح الدقيق الذي اخذ به الفقهاء القدامي وهو حد الكفاية ويوضح ان هذا ليس تعصبا منه او انحيازا مطلقا لمصطلحات الاقتصاد الاسلامي او لمجرد الرغبة في التميز او التمسك بالقديم ولكن هذا يرجع الي سببين اولهما : ان المال في الاسلام ليس غاية وانما وسيلة لراحة الانسان وسعادته ليكون بحق خليفة الله في ارضه وقد راينا كيف انه في المجتمعات الوضعية الحديثة حين جعلت الرخاء المادي هدفها الاساسي ان لم يكن مطلبها الوحيد قد انلقت الي عبادة المادة او علي الاقل طغت عليها الماديات وما استتبع ذلك من نشوء علاقات سياسية واخلاقية مادية اشقت الانسان واصبحت تهدد الوجود البشري ذاته اما السبب الثاني فان الاسلام يامر بالتزين المباح وينهي عن الترف وقد ارتبط هدف الرفاهية الاقتصادية في الغرب بالكماليات والترف المنهي عنه وزيادة في الايضاح يقول ان كلا من التزين المباح والترف المنهي عنه هو وصف للانفاق وليس وصفا للتملك وكلاهما وان اختلف تحديده بحسب ظروف الزمان والمكان الا ان التزين المباح يرتبط بالمظهر اللائق او الملائم كما انه يرتبط اصلا بحمد الله تعالي وشكره في حين ان الترف المنهي عنه يرتبط بالبذخ او المغالاة كما انه يرتبط عادة بالبطر او الاستعلاء والمباهاة ومن ذلك يتبين عظمة الاسلام حين ربط المشكلة الاقتصادية منذ البداية بهدف رفع مستوي المعيشة وتحسينه لامجرد توفير الضروريات الاساسية كما يتبين ايضا دقة وبعد نظر الفقهاء القدامي حين عبروا عن ذلك باصطلاح حد الكفاية بحيث يكون الهدف الاقتصادي لمجتمع الاسلامي هو توفير حد الكفاية او تمام الكفاية لكل مواطن مما يختلف بحسب امكانيات وظروف كل مجتمع لاهدف الرخاء المادي او الرفاهية الاقتصادية المصطلح عليه حديثا وما صاحبه من مساوؤ ومثالب ومن ث مكان الحل الاسلامي لمشكلة الفقر هو ضمان حد الكفاية لكل فرد يوفره لنفسه بجهده وعمله فان لم يستطع ذلك لسبب خارج عن ارادته كمرض او عجز او بطالة تكفلت له بذلك الدولة من مال الزكاة ويشير الدكتور الفنجري الي ان الاسلام ادرك منذ البداية اهمية العامل المادي وانه بدون الخبز لايحيا الانسان ولكنه ادرك ايضا وبنفس المستوي انه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ولقد سوي الله تعالي بين المجاهدين والساعين علي الرزق في قوله تعالي – وءاخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وءاخرون يقاتلون في سبيل الله – واكثر من ذلك فقد جعل الاسلام العامل المادي في القمة والصدارة ووضع المشكلة الاقتصادية حيث يجب ان توضع في الاساس وفي المقدمة وحتي قبل ان تتطورالاحداث وتفرض المشكلة نفسها
الحل الاسلامي ونصل مع الدكتور الفنجري الي الحلول التي يقدمها الاقتصاد الاسلامي فيقول ادرك الاسلام منذ البداية ان مشكلة الفقر لن يحلها الاحسان ولن تتداركها الاجراءات الاصلاحية التي تستهدف تسكين الالام او تخفيف الحرمان بل لابد من حل جذري ومن هنا كانت نقطة البداية في الاقتصاد الاسلامي بالاضافة الي الحث علي العمل واتقانه ورفعه الي مرتبة العبادة مما يزيد الانتاج ما قرره من ضمان حد الكفاية لكل مواطن وما قرره من تحقيق التوازن الاقتصادي بين افراد المجتمع ودول العالم ولم يكتف الاسلام من ظهوره بتقرير مبدا حد الكفاية وانما قرر في نفس الوقت وسيلة تطبيقه فانشا لذلك مؤسسة متخصصة الا وهي مؤسسة الزكاة التي هي بالاصطلاح الحديث مؤسسة الضمان الاجتماعي وقد حرص الاسلام علي ان تكون الزكاة مؤسسة مستقلة فلا يجوز للدولة ان تصرف من اموالها علي جهازها الاداري او علي تنميتها الاقتصادية ويري الاسلام ان اي نظام اقتصادي يجب ان يستهدف اساسا تحقيق التوازن الاقتصادي بين افراد المجتمع علي المستوي المحلي وتحقيق التوازن الاقتصادي بين دول العالم علي المستوي العالمي ولم يكن ذلك الا تعبيرا عن قوله تعالي – كي لايكون دولة بين الاغنياء منكم – بمعني الا يكون المال متداولا بين فئة قليلة تستاثر به دون غيرها سواء كان ذلك علي مستوي افراد المجتمع ام علي مستوي دول العالم ولايسمح الاسلام بالثروة والغني الا بعد القضاء علي الفقر والحاجة واذا كان الاسلام يصون الملكية الخاصة ويحميها الي حد قطع يد السارق كما يسمح بالاغتناء والاثراء بغي حدود فانه لايجيز ذلك الا بعد القضاء علي الفقر والحاجة ولم يقتصر الاسلام علي ان يكون دعوة الي المائدة والاقتصاد من حيث كفاية الانتاج وعدالة التوزيع وانما في نفس الوقت دعوة الي الاشراق الروحي من حيث مراقبة الله تعالي وابتغاء وجهه سبحانه في كل نشاط اقتصادي يباشره الفرد وان يقوم ذلك النشاط علي دعائم المحبة والتعاون لا السيطرة والصراع وان الحضارة المعاصرة بوجهيها الفردي – الراسمالي – والجماعي - الاشتراكي – رغم ما حققته من انجازات مادية فقد انتهت بالانسان ومجتمعات تلك الحضارات الي الصراع والتمزق والضياع واستبدت التكنولوجيا الحديثة بسلام الانسان وامنه والاسلام وحده هو طوق النجاة اذ يحفل بالعنصر المادي ولكنه يضعه حيث يجب ان يوضع في خدمة العامل الروحي اي في خدمة الانسان وابتغاء وجه الله ليتالف منهما النموذج الاسلامي ومن هنا كان الاسلام هو السبيل الوحيد لانقاذ البشرية من ازمتها علي الصعيدين المادي والنفسي ولتصحيح مسارها من حضارة الاشياء الي حضارة الانسان وفي نهاية كتابه يشير الدكتور الفنجري الي نقطتين هامتين الاولي ان تدخل الدولة المعيب في النشاط الاقتصادي كان سببا في فشل النموذج السوفيتي ومن تبعه وان احجام الدولة عن التدخل وترك الامور لاليات السوق هو سبب فشل النموذج الامريكي ومن يتبعه ويكفي للدلالة علي ذلك الازمة المالية العالمية الراهنة ولم يبق سوي الطريق الثالث ممثلا في النموذج الاسلامي الذي يجمع بين الحرية الاقتصادية وتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي كعنصر مراقبة ومكمل والامر الثاني ان جميع عناصر النتاج متوافرة لدي العلمين العربي والاسلامي فماذا ينقصنا لدينا موارد طبيعية غير محدودة وقوي بشرية هائلة ورءوس اموال وفيرة ولكنها موارد طبيعية بحاجة الي احصاء ودراسة وقوي بشرية في حاجة الي توعية وتدريب واموال في حاجة الي امان واستثمار في العالم العربي والاسلامي وهذاهو سبب الانفصام الذي هو لب المشكلة الاقتصادية ذلك الانفصام بين الامكانات الهائلة والواقع المر لقد ان الاوان ان نعلنها حربا مقدسة ضد الفساد والتخلف بحيث تصبح التنمية الحقيقية هي شغلنا الشاغل لنكون بحق خلفاء الله في ارضه