قالت فرحانة للصول: فشر ثم أكملت موجهة كلامها لمصري: أنا بنت ناس. أكملت: بس الزمان مال علينا. كانت ترغب في تصحيح كلام قديم.. ربما يكون الصول قد سمعه عنها من أيام النصبة والواغش والذي منه. قال لها الصول: إيش عرفك بالكعب الداير؟ قال مصري: ربك والحق أول مرة أسمعه. وراحت فرحانة تحكي وتقول إنها عرفته يوم شاهدت فيلما لسعاد حسني وعادل إمام.. توقفت وسألت مصري بعد أن عدلت هدومها بذمتك ودينك يا مصري أنا ما اشبهاشي؟ قال لها: إيش جاب لجاب يا بياعت الهباب. حلفت بالأيمانات والأولاد الذين يربطون بينهما أن فيها شيئا من سعاد حسني. قال الصول: لا يجوز عليها إلا الرحمة. فوجئت فرحانة.. عادت تخبط صدرها النافر: هي ماتت؟ 99 وقبل أن تبدأ موال البكاء والصوات.. قال الصول: ويرجع مرجوعنا لوضعكوا الغلط هنا. غلط ؟! قال منتشيا بما وصل إليه: والغلط مسيره يتصلح. شعر حضرة الصول بأول انتصار عندما تساءلت فرحانة: وحنروحوا فين؟ قال مصري: الحمل ثقيل. قال مصري للصول.. الدنيا أصبحت مثل خرم إبرة, والصول سأله: ألم يقل إنه جاء من قرية ما زالت موجودة؟.. قال لفرحانة: ألم تقل أن أباها الأيام وأمها الليالي بر مصر. قال لهما لا نهاية له.. يبدأ من آخر الدنيا فوق بحري ويمتد لآخرها تحت قبلي, ويصل من آخر الشرق حتي آخر الغرب. قال الصول: تاهت ولقياناها. سألاه: إزاي؟ تباطأ في الكلام: قول أصبحت الكلمات علي شفتيه أكثر تباطؤا: خلصونا. 001 توقع الإجابة من مصري, ولكن فرحانة هي التي تكلمت.. تصرفت كرجل البيت. طلبت مهلة من الوقت ليتدبروا أمرهم طرقع بأصابعه في الهوا: مفيش وقت.. تمشوا هالحين. قالت فرحانة له: دا ربنا خلق الدنيا في سبعة أيام وسبع ليال. انزاح حمل كبير عن قلبه استراح ضميره.. هما اللذان يعرضان المشي بعد تدبير أمورهما.. بدا كأنه يفكر ويفكر.. لا يعرف ما هو التفكير الذي يتكلمون عنه. قال لهما متصنعا الجدية والشر بره وبعيد إنه سيحضر غدا ليأخذ منهما المفاتيح.. تسلم فرحانة كل ما معها.. تقول للست الملكة أنهما يرغبان في المشي. قال لهما: بكره.. بكره أكمل: يا إما هما اللذان قالا له يا كعب داير. أشارت فرحة لما في الغرفة الثلاجة والبوتاجاز والغسالة والتليفزيون وطبق الدش الذي اشترته ملكة لهما, ولم يتم تركيبه.. قالت لها أفضل من الوصلة ومتاعبها.. ثم إن حارس الباشا الضابط الكبير لا يصح أن يتعامل مع دنيا الوصلات. ربك والحق.. لم تفهم فرحة الكلام, لكنها فرحت بطبق الدش الجديد مثلما تفرح بأي شيء يهدي لها بصرف النظر عن قيمته أو فائدته, سواء لها شخصيا أو لعائلتها. لمح حضرة الصول ما يدور في عقل بالها.. أشار للأشياء: تطلعوا من هنا زي ما ولدتكم أمكم. زاطت العيال وزمجر مصري واستغربت فرحة بدا للصول أن كلامه لم يفهم: سليطي مليطي. أعجبته الكلمات التي تشرح كلمات: يا مولاي كما خلقتني. سمح لهما بالخلجات التي تستر عريهم, وبقايا الطعام الذي حصلوا عليه من عند حضرة الضابط, ويتركوا الغرفة كما هي.. كانت موجودة قبلهما وستظل هكذا حتي يأتي لها الوارد الجديد. في لمحة خاطفة فكر مصري وفكرت فرحة.. كل بمفرده في الأماكن التي تركاها. إما برغبة كل منهما أو غصبا عنهما.. مصري بدأ تفكيره بقريته.. ليته ما هج منها وما ناداه مرض الترحال.. صدق من قال: من ترك داره انقل شرفه وانهد مقداره.. لم يشعر أن له دارا في الدنيا إلا قريته.. أما فرحة.. فقد غامت الذكريات في عقل بالها وبدأت من الحجز, واليوم الذي تعرفت فيه علي مصري وترقرقت دمعة في عينيها وهي تفكر أن تستأذن حضرة الصول: أخطف رجلي جوا السرايا أسلم علي ست الستات ملكة. قال لها محذرا بعد أن عبرعن التحذير بأصابع يديه العشر كله إلا ده. احتارت فرحانة ماذا تقول له.. جاشت المعاني في صدرها وصعدت أبخرة الحزن إلي قلبها الا تعرف هي الكلام الحلو حتي تقول له أن الست التي بالداخل بالنسبة لها أكتر من شقيقتها, حاولت أن تتذكر في هذه اللحظة إن كانت لها شقيقة أم لا., وإن كانت الشقيقة موجودة أين هي الآن؟.. فكرت فرحانة أن تقول للصول إن دخولها للسلام والأحضان والقبلات.. لا أحد يعرف متي تتقابل الوجوه مرة أخري؟.. والصول كان ميالا لتركها تدخل لولا خوفه من حضرة الضابط.. خاف حتي أن يستأذنه في ذلك, ووجد نفسه يصر علي عدم دخلوها للست ملكة. لو كانت في الحكاية دخول عند الست ملكة لدخل هو بدلا من فرحانة أو مصري, فلم يحدث أن رأته وتركها ويداه فارغتان.. دائما وابدا معها ما تعطيه, خشي أن تفسد المهمة بحكاية الدخول لملكة.. سواء دخول فرحانة أو مصري أو حتي دخوله هو شخصيا. طال الموقف واستطال, كان يريد أن ينتهي منه بسرعة سريعة قبل أن يتطور ربما يفسد عليه ما أتي من أجله.. أليس من المحتمل أن تأتي ملكة لهم الآن؟.. ألا يحدث أن تتمشي في حديقة الفيلا وتصل إليهم في بعض الأحيان؟ من عزم ما به شخط في فرحة: لمي خلجاتك وعيالك ودلوقت توروني عرض كتافكم. ركن جسمه المتعب علي سور الفيلا.. شعر أنه غير قادر علي الوقوف.. لا يدري كم من الوقت حتي سمع ضلفة باب الغرفة تغلق والقفل يوضع في مكانه والمفتاح يقدم له. رأي المفتاح تحت أنفه مباشرة, أخذه, غامت الرؤية أمامه. حزن لأن فرحة ومصري والأولاد تركوا المكان من غير أن يرموا عليه السلام. من بين دموع حضرة الصول ربما كانت الأولي في حياته كلها رأي فرحانة ومصري وبينهما الأطفال يذوبون في زحام بعيدا عن الفيلا, لم يستطع أن يقول لهم مع السلامة.