عندما يأتي الأول من ديسمبر من كل عام- وهو اليوم العالمي للإيدز أتذكر أن هذا الفيروس اللعين هو صاحب فضل علي, فقد تخرجت من كلية الطب عام1979 ولم يكن في الوجود اسما لهذا الفيروس, وبدأت الأخبار تأتي تباعا منذ صيف1981 بأن هناك مرضا يصيب الجهاز المناعي للإنسان ويدمره, وكنت أدرس لماجيستير الأطفال آنذاك, وعندما سافرت عام1983 إلي الولاياتالمتحدة, بدأت روح التحدي تتملكني, فأخذت أقرأ عما هو متوافر من معلومات عن علم المناعة الذي كان دمه متفرق بين التخصصات المختلفة, وأدركت أن معظم التحديات التي تواجه الطب خلال القرن القادم تكمن في أسرار هذا العلم القديم الحديث بدءا من العدوي بكافة أنواعها ومرورا بالوقاية والتطعيمات, والحساسية, وأمراض المناعة الذاتية مثل الروماتويد والذئبة الحمراء وغيرها, وتوافق الأنسجة من أجل عمليات زراعة الأعضاء, ووقف نمو الخلايا السرطانية, وتقوية المناعة وغيرها, وبدأت رحلتي مع علم المناعة والإيدز ومرضاه علي مدي أكثر من خمسة وعشرين عاما, فما هو الجديد الذي ينبغي أن نعرفه هذا العام عن وباء الإيدز في العالم بشكل عام, وفي مصر بشكل خاص ؟. لا شك أن التقرير السنوي الذي يصدره برنامج الإيدزUNAIDS التابع للأمم المتحدة يحمل الكثير من المعلومات المفيدة التي تصل إليها عبر القنوات الرسمية الصحية لمعظم الدول, وهذا العام يحمل لنا التقرير بعض الأخبار السعيدة, وغير السعيدة, إلا أن ما أعجبني ولفت نظري هو التقرير المقدم من البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز التابع لوزارة الصحة- لأول مرة هذا العام- محتويا علي تفاصيل الدراسات التي أجريت للوقوف علي وضع الإيدز في مصر, والجهود المبذولة لمكافحته, وهي خطوة جيدة نحومزيد من الشفافية تحسب للدكتور حاتم الجبلي وزير الصحة, ويقول التقرير: إن عدد الأحياء الذين يحملون عدوي فيروس الإيدز علي مستوي العالم حتي نهاية عام2009 يبلغ3 و33 مليون شخص, من بينهم30.8 مليونا من البالغين,15.9 مليون امرأة,2.5 مليون من الأطفال تحت سن15 عاما. أما عدد الذين التقطوا العدوي خلال عام2009 فقط فقد بلغ6,2 مليون شخص من بينهم2.2 مليون من البالغين,370 ألف طفل, وتبلغ نسبة الإصابة بالعدوي بين الإناث في العام الماضي حوالي51%, وهذا معناه أن هناك مايقرب من سبعة آلاف شخصا أصيبوا بعدوي الإيدز يوميا حول العالم خلال عام2009, أما عدد الوفيات بسبب الإيدز خلال عام2009 فقد بلغ عددهم1.8 مليون شخصا من بينهم260 ألف طفل. إذن أين هي الأخبار السارة في ما ذكرنا ؟. ربما كانت أولي هذه الأخبار هو توفير العلاج لأكثر من5 ملايين شخص من مرضي الإيدز علي مستوي العالم- من بينهم1.2 مليون بدأوا العلاج في عام2009 فقط, أي أن نسبة الذين يتلقون علاجا للإيدز زادت بنسبة30% في عام واحد, وزاد العدد الذي يستطيع الوصول إلي العلاج المضاد للفيروس في الدول المتوسطة والفقيرة13 مرة عن العدد الذي كان يستطيع الوصول إلي علاج في عام2004, ومن المنتظر أن يصل هذا العدد إلي عشرة ملايين خلال السنوات القادمة. كما أظهر التقرير أن هناك33 دولة انخفض فيها معدل انتشار عدوي الإيدز بنسبة25% مابين عامي2001 وحتي2009 بناء علي جهود التوعية والوقاية والفحص الاختياري وتوفير الأدوية, من بينها22 دولة في الصحراء الافريقية التي تعد أكثر مناطق العالم انتشارا للإيدز, وحتي الدول التي تحمل أعلي معدلات للأشخاص المصابين بالعدوي مثل جنوب أفريقيا التي تحتل المركز الأول لوجود5.6 مليون من الأحياء المصابين بالعدوي بها, انخفض فيها معدل انتشار العدوي في العام الماضي, وحملت الراية منها سوازيلاند التي احتلت المرتبة الأولي في انتشار عدوي الإيدز عام2009 بنسبة وصلت إلي25.9%, كما انخفضت نسبة إصابة الأطفال سنويا من نصف مليون عام2001 لتصل إلي370 ألفا عام2009. ولكن ماذا عن مصر بالتفصيل ؟ يشير تقرير البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز بمصر إلي أن نسبة انتشار الإيدز بين المصريين لا تتجاوز0.1%, وأن إجمالي عدد المصابين بالعدوي حتي نهاية عام2009 يبلغ3919 مصابا منهم2920 من المصريين والباقي من الأجانب, هذا في الوقت الذي يشير فيه التقرير إلي الرقم الذي ذكر في تقرير برنامج الإيدز التابع للأمم المتحدة عام2008, والذي يقدر بحوالي10400 مصاب بالعدوي, وبغض النظر عن الوقوف كثيرا أمام هذا الرقم أوذاك, فإن النقاط التي ذكرت في متن التقرير أظهرت بوضوح بعض النقاط التي أعدها إيجابية بواسطة المسئولين, حيث أنهم أشاروا بوضوح إلي أنه لا ينبغي أن نغتر بهذه النسبة القليلة حتي الآن, لأن هناك زيادة مطردة في نسبة الإصابة بالعدوي وصلت إلي268% منذ عام1990 وحتي نهاية2009, وقد زادت نسبة انتشار العدوي خلال السنوات العشر الماضية بنسبة120%, وربما كان ازدياد الوعي بالمرض, وتوفير وسائل الفحص الاختياري المجهل( دون ذكر الاسم), وأيضا توفير الأدوية والعلاج, هو الذي شجع الناس علي الإعلان عن إصابتهم. أما عن أسباب انتشار عدوي الإيدز في مصر فالنسبة تذكر بشكل تراكمي, فيأتي الاتصال والمعاشرة الجنسية في المقام الأول بنسبة71.4%(49.5% عن طريق الاتصال الجنسي بين رجل وامرأة,22.9% عن طريق المعاشرة الجنسية المثلية بين رجل وآخر) ثم يأتي بعد ذلك عن طريق نقل الدم ومشتقاته ومكوناته بنسبة5%( خلال الأعوام العشرين الماضية)8.9% عن طريق الغسيل الكلوي4.6% عن طريق المشاركة بالحقن بين مدمني المخدرات,1.8% من الأم الحامل إلي المولود- بالإضافة إلي النسبة الباقية للعدوي غير معلومة المصدر. ومعظم المصابين بالعدوي تتراوح أعمارهم ما بين4020 عاما, ونسبة إصابة الرجال إلي النساء1:3, وربما كان ارتفاع هذه النسبة نتيجة إحجام الإناث عن إجراء الفحص الاختياري الذي يسارع الرجال إلي إجرائه في حالة تعرضهم لأحد عوامل الخطورة التي يمكن أن تنقل إليهم العدوي, ويشير التقرير إلي أن الجهود المبذولة لاكتشاف الإصابة بالعدوي في السيدات الحوامل من أجل منع انتقالها إلي أطفالهن لا تغطي سوي21% من الأمهات الحوامل حتي نهاية2009. وفي دراسة استقصائية تم إجراؤها بواسطة وزارة الصحة بالتعاون مع بعض الهيئات الدولية عام2006 كان هناك تحذير من بعض الفئات التي قد تكون نواة لنشر عدوي الإيدز في المجتمع بشكل وبائي, خاصة فئة المثليين من الرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال, فقد أظهرت تلك الدراسة التي أجريت علي267 من الرجال المثليين في أن5.6% منهم مصابون بالعدوي, وأن42% منهم يمارس الجنس من أجل المال والدعارة, وأن9.2% من بينهم فقط هم الذين يستخدمون الواقي الذكري في علاقاتهم الجنسية, أما الكارثة فهي أن73% من هؤلاء المثليين متزوجون من نساء, أو يمارسون علاقات جنسية مع نساء, لذا يمكن أن يكونوا من خلالهن المعبر الذي ينشر العدوي بين النساء وأطفالهن بعد أن ينقلوها بين الرجال, في حالة عدم علمهن وأخذ العلاج المناسب. والحقيقة أنه في إحدي الدراسات التي أجريت علي مدمني المخدرات علي عينة من481 مدمن تبين أن55% منهم قد تناول المخدرات عن طريق الحقن, وبما أنهم في حالة من عدم الوعي نتيجة إدمانهم, فإن بعضهم أو بعضهن يمارس الجنس من أجل الحصول علي المال لشراء المخدر, وبالتالي لا يكون في حالة تسمح له بممارسة أي نوع من الجنس الآمن, وعلي الرغم من أن نسبة انتشار عدوي الإيدز عن طريق المشاركة في الحقن في مصر لا تتجاوز4.6%, إلا إننا في نفس الوقت نجد أن نسبة انتشار فيروس سي بين هذه الفئة تصل إلي63%, مما يثير القلق من إمكانية انتشار عدوي الإيدز بنفس الطريقة مع ازدياد أعداد المصابين بالعدوي, خاصة وأن المدمنين قد يخفون إدمانهم حتي علي أقرب الناس إليهم.