تطلق على نفسها لقب «محامية مرضى الإيدز»، وتطلق عليها وسائل الإعلام الأمريكية لقب «العبقرية»، كرموها بمنحها جائزة لأفضل 20 شخصية فى الولاياتالمتحدة بسبب تفوقها على مدار 20 سنة فى مكافحة المرض، وتتمنى أن يدعوها مسئول لنقل خبراتها إلى الدوائر الطبية فى مصر. تقول وفاء الصدر، مدير قسم الأمراض المعدية فى مستشفى هارلم، ل«الشروق»، فى أول حوار لها مع صحيفة مصرية إن سبب تميزها العلمى يرجع إلى دراستها بكلية الطب جامعة القاهرة، وتطرق حوارنا معها أيضا إلى دورها فى علاج المرض فى أمريكا وأفريقيا، وبالأخص علاج الفقراء، إلى جانب رؤيتها حول كيفية الاستفادة من برامج الايدز فى علاج فيروس الالتهاب الكبدى «سى» فى مصر. ● وسائل الإعلام الأمريكية تصفك ب«عبقرية» الإيدز.. فما السر؟ أولا أعتبر نفسى محظوظة جدا لأنى تلقيت تعليمى بكلية الطب بجامعة القاهرة، وبدأ اهتمامى بالإيدز عقب تخرجى وتخصصى فى الأمراض المعدية والصحة العامة لأهميتهما فى مصر، وهذا التخصص بالذات يحتاج من الطبيب أن يشرك معه فريق عمل يهتم بالجانب الاجتماعى للمريض للتأكد من قدرته على استكمال العلاج، وسبب تسميتى بهذا اللقب فى أمريكا يرجع إلى أبحاثى العديدة عن المرض، ومساهمتى فى تقليل نسب الإصابة وتوعية المريض بكيفية التعايش مع المرض. ● أنت تنتمين إلى عائلة طبية أليس كذلك؟ صحيح، فوالدى وأمى وشقيقى أطباء، ويعملون فى تخصصات مختلفة. ● فى فيديو على الإنترنت قلت لوسائل الإعلام الأمريكية إنك لست طبيبة لمرضى الإيدز فقط ولكنك أيضا محامية عنهم.. فماذا تقصدين؟ أعتقد أن هذه علاقة طبيعية بين الطبيب والمريض، يجب أن يكون الطبيب محامى المريض ويشترك معه فى حل أى صعوبات يتعرض لها، وبعض المرضى لا يجدون ثمن الدواء ويحتاجون دعما من المجتمع، والبعض الآخر يواجه عقبات من أسرته، مثل عدم تقبلها لمرضه، وهنا يأتى دور الطبيب فى محاولة التغلب على تلك المشكلات. ● كيف سافرت إلى أمريكا وما سبب اهتمامك بالإيدز تحديدا؟ كانت لدى رغبة أن استكمل دراساتى العليا فى مكان جديد بعيدا عن شهرة عائلتى الطبية، وكنت مهتمة بالأمراض المعدية، وبعد انتشار الايدز اهتممت بدراسته وكان وقتها مرضا وبائيا جديدا وغامضا، وظل فيروس HIV المسبب للإيدز لغزا حير العلماء لأكثر من 7 سنوات. معلومات عن المرض ● هناك من يعتقد أن المرض ينتقل فقط بالعلاقات الجنسية الخاطئة، وأن مريضه شخص سيئ فما ردك؟ للأسف هناك فهم خاطئ عند معظم الناس، فالبعض يعتقد أن العدوى يمكن أن تنتقل إليه لو جلس بجانب مريض الإيدز أو صافحه باليد أو بالقبلات، أو شرب من نفس الكوب، وأقول لهم هذا علميا مستحيل، فالطرق التى ينتقل خلالها المرض معروفة ومن بينها عمليات نقل الدم الملوث بالفيروس، واستخدام حقن وإبر ملوثة من شخص إلى آخر، فضلا عن أن طرق الوقاية معروفة. ● ما الفرق بين HIV وAIDS؟ HIV هو فيروس نقص المناعة، أما AIDS فهو المرحلة المتقدمة لهذا المرض، والإنسان قد يحمل هذا الفيروس لسنوات تصل إلى 15 أو 20 سنة، دون أن يعلم أنه مصاب، وذلك لعدم ظهور أى أعراض ملحوظة، إلا إذا أجرى التحليل الخاص بالايدز، وطوال هذا الوقت يتولى الفيروس إضعاف جهاز المناعة تدريجيا، حتى يتمكن فيروس الHIV من القضاء على جهاز مناعة الإنسان وفى هذه الحالة نطلق عليه إيدز، ويكون المريض وقتها عرضة لأمراض مختلفة، وإذا لم يتلق العلاج فسوف يتوفى متأثرا بالمرض، وميزة العلاج أنه يعمل على تقوية الجهاز المناعى مرة أخرى، ويفضل الحصول عليه مبكرا. ● ماذا يعنى «الأسر البديلة» .. وسائل الإعلام وصفته بأنه ثورة فى علاج الفقراء؟ شكلنا ما يسمى بالفريق المتعدد التخصصات أوMultidisciplinary team، يهدف إلى أن نكون نحن أسرة هذا المريض ومسئولين عنه، فإذا احتاج إلى فرصة عمل نساعده لإيجادها، وإذا كان لا يستطيع تحمل تكاليف دراسة أولاده نقدم له الدعم اللازم. ● يعنى أنه لا يتم معاملة المريض طبيا فقط؟ بالضبط، لأن مرض الايدز يتعايش مع المريض طوال الحياة، ويتطلب ذلك تأكد الطبيب أن مريضه سيستمر فى تلقى العلاج. ● هل تتيح جميع مستشفيات أمريكا علاج الايدز، أم يقتصر ذلك على المستشفيات الخاصة مثلما يحدث فى مصر؟ كافة المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة فى أمريكا تقدم علاج الإيدز. المرض فى أفريقيا ● كيف بدأت التفكير فى إنشاء المركز العالمى لرعاية مرضى الإيدز فى أفريقيا؟ بعد النجاح الذى حققناه فى نيويورك وحى هارلم، فكرنا أن يكون لنا دور تجاه مرضى الإيدز فى أفريقيا، وهم يمثلون ثلثى عدد المصابين بمرضى الإيدز فى العالم، ونقلنا خبراتنا إليهم بعد دراسة إمكانية تطبيق برامجنا الصحية على مجال أوسع بحيث يشمل ملايين المرضى. ● ما الجهات التى ساعدتك؟ الإعداد لهذا الأمر تطلب منى ومن فريق العمل جهدا كبيرا، ولم يكن نتاج يوم وليلة، واستطعنا الحصول على دعم من جهات حكومية وغير حكومية فى أمريكا، فضلا عن تعاون حكومات 14 دولة أفريقية، واستطعنا تكوين فرق عمل فيها ويتراوح أعضاء الفريق الواحد من 150 إلى 200 شخص. جائزة ماك أرثر ● هل تفاجئت عند حصولك فى 2008 على جائزة «ماك أرثر» وهى لا تمنح إلا ل24 شخصية خلاقة فى أمريكا؟ أبرز ما يميز هذه الجائزة أنها تكون مفاجأة، فلا أحد يعرف أنه مرشح لها، ومجلس إدارة الجائزة يجمع معلومات عن مرشحين محتملين عبر وضعهم تحت الملاحظة لسنوات، وبالتأكيد أسعدنى حصولى عليها. ● ركزت فى محاضرتك التذكارية بجامعة القاهرة على أن مشكلة المرض تكمن فى عدم استمرار تلقى العلاج، هل السبب ارتفاع ثمنه؟ بالطبع هناك أسباب أخرى بخلاف ارتفاع ثمن العلاج، جزء منها يتعلق بعدم معرفة المريض بأنه مصاب بالفيروس، وفى نيويورك وأفريقيا يتم إجراء تحاليل لكل الفئات والأعمار، فإذا كيف تحاولين إقناع الناس باستمرار العلاج، علما بأن معظمهم يجهل أنه مريض، إلى جانب ضرورة إقناعه بضرورة تلقى العلاج كل يوم لفترة طويلة جدا وأن يحرص على زيارة المستشفى على فترات متقاربة وإجراء التحاليل اللازمة. ● أحد المرضى قال إنه فى مصر كان يشعر بأن المجتمع استخرج له شهادة وفاة، وعندما سافر لأمريكا اكتشف أن الناس تتعامل مع المريض ببساطة.. فما تعليقك؟ منذ 10 سنوات كان يطلق على الايدز مرض الموت، ولكن مع تقدم العلاج تغير هذا المفهوم، فهناك مرضى أعرفهم منذ 20 سنة يعيشون حياة عادية ولديهم أسرة وأطفال ووظيفة، وبالطبع لا نتعامل فى أمريكا مع مرضى الايدز بهذه البساطة لأنه مرض خطير، فهناك مثلا 50 ألف حالة إيدز جديدة سنويا فى الولاياتالمتحدة، وهناك برامج للوعى فى وسائل الإعلام والمدارس والجامعات تهتم بتغيير وصمة العار التى تصاحب المرضى، إلى جانب تنظيم يوم عالمى للإيدز فى الأول من شهر ديسمبر. ● هل المجتمع الأمريكى مثل المصرى يخشى من مريض الإيدز؟ نعم وفى كل مكان فى العالم، لذلك فإن الأطباء يهتمون ببرامج التوعية وحل مشكلات المريض. ● هل الفقراء فى أمريكا يستطيعون تلقى العلاج؟ نعم، لأن هناك برامج مخصصة لهم فى معظم الولايات تساعدهم على تحمل التكاليف، وهذا مهم لان العلاج باهظ الثمن. النساء والإيدز ● قلت إن 18 مليون سيدة مريضة بالإيدز، مقابل 30 مليونا فى دول العالم.. فما سر ارتفاع النسبة بين السيدات؟ خلال تجربتى مع مرضى الإيدز لاحظت أن معظم السيدات المصابات متزوجات، وربما يكون الزوج هو من نقل العدوى إليهن دون أن يعلم، وغالبا النساء المترددات على المستشفيات لا يعلمن كيف انتقل إليهن المرض. ● قلت أيضا إن الأم الحامل تنقل المرض تلقائيا إلى المولود وهذا يضاعف من انتشار المرض.. أليس كذلك؟ صحيح لذلك تحليل الايدز بالنسبة للحوامل فى أمريكا إجراء روتينى، وجزء من سلسلة تحاليل أخرى يطلبها الطبيب للاطمئنان على صحة وسلامة الطفل، وبهذا يمكن للأم المريضة تلقى العلاج ومنع انتقال المرض للطفل. ثورة الدواء لعلاج الإيدز ● ما الطفرة التى حدثت فى علاج الإيدز؟ هناك تقدم رهيب فى العلاج، فمريض الإيدز كان منذ 15 سنة يضطر إلى تناول ما يزيد على 15 قرص دواء يوميا، أما الآن فقد اقتصر العلاج على قرص واحد فى اليوم، مما سهل تقديم العلاج للمريض واستمرار الحصول عليه. ● وما التحديات التى تقف فى وجه أدوية الإيدز؟ تحديات كثيرة، ومنها كيفية التقليل من الآثار الجانبية للدواء، والأبحاث تجرى الآن لتلافى هذه الآثار مستقبلا، وأقول لك إن المريض فى أفريقيا يتكلف 100 دولار فقط فى السنة، وهذا نتيجة تطور الدراسات، ولدينا أمل فى خفض تكلفة العلاج على نحو أكبر. ● بعض الأطباء المصريين ومنهم د.عبدالهادى مصباح صاحب لقب «أبو الإيدز» طالبوا بتصنيع العلاج محليا بدلا من استيراده لتقليل تكلفة العلاج.. هل هذا ممكن؟ طبعا، وهناك بلدان كثيرة أنتجت أدوية محلية لعلاج الايدز، مثل الهند والصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، فضلا عن دول افريقية، وبأسعار فى متناول الجميع، ومصر تستطيع إنتاج أدوية الإيدز. مصر والإحصائيات ● حدث جدال واسع على تدريس الثقافة الجنسية فى المناهج المصرية، ما مدى أهمية ذلك فى مواجهة أمراض مثل الإيدز؟ فى كل مكان فى العالم يحدث هذا الجدال ودوما يتصاعد الرفض تجاه تدريس الثقافة الجنسية للشباب، لكن المشكلة التى تحدث أن الشباب يتلقى بطرق أخرى مثل الانترنت أفكارا خاطئة، ويجب على المجتمع أن يتخذ خطوات استباقية لإعطاء الشباب المعلومات الصحيحة. ● هل تعانى أمريكا من ارتفاع نسب الإصابة بالمرض بين الشباب؟ هناك مليون شخص فى أمريكيا مصابين بالإيدز، وهناك ولايات مثل واشنطن تبلغ نسبة الإصابة بين الشباب مريض لكل 30 شخصا، لكن على مستوى كافة الولايات فإن نسبة إصابة الشباب أقل من 1%. ● كيف يمكن أن تستفيد مصر من خبراتك فى مكافحة الإيدز؟ الخبرة التى اكتسبتها فى تخصص الصحة العامة تعتمد على بناء نظم صحية جيدة، والقدرة على التعامل مع أمراض مزمنة يتعايش معها المريض مدى الحياة، مثل مرض الايدز والسل، ويمكن لمصر أن تتبناها فى التعامل مع مرضى فيروس الكبد الوبائى سى، الذى يعد من أكبر المشكلات الصحية فى مصر. ● هل تزورين مصر باستمرار؟ أنا عاشقة لمصر وأزورها مرة على الأقل كل سنة. ● ما عوامل النجاح التى توفرت لك لتكونين ضمن 100 شخصية غيرت أمريكا بحسب توصيف مجلة Rolling stone؟ المناخ الذى يشجع على الابتكار، والقدرة على مواجهة كل التحديات والعوائق، وعيادة الأم والطفل التى استحدثتها لمواجهة تسرب الأمهات من برامج علاج الايدز، أبرز دليل على رغبتى فى إتقان العمل. ● البعض أيضا لديه هذه الرغبة لكنه يصطدم بالبيروقراطية؟ فى أمريكا هناك بيروقراطية وفى كل مكان، والبعض يتخيل أن الجو فى أمريكا «وردى»، وهذا غير صحيح. ● لو طلب مسئول انضمامك إلى برنامج الإيدز المصرى.. هل ستوافقين؟ يا ريت