حينما لاتقوم صحيفة أو قناة تليفزيون, أو محطة إذاعية بعقاب محرر أو مذيع أو مراسل ارتكب في حق الجمهور خطأ يوجب العقاب, فمن الضروري أن تكون هناك جهة ما قادرة علي توقيع تلك العقوبة. أكبر الصحف العالمية تأثيرا أقدمت علي فصل بعض محرريها لأخطاء تم ارتكابها عن عمد. وأكبر شبكات التليفزيون في العالم اقدمت علي فصل رئيس التحرير لأنه أساء إلي سمعة تلك الشبكة التليفزيونية العملاقة. واستدعت المحاكم في معاقل الديمقراطية محررين لمحاكمتهم بسبب استغلال ابواب الصحيفة في ترويج اسهم بعض أصدقائهم وكان السجن مصيرهم. وقضي محرر آخر ستة اشهر في السجن لإدانته باستخدام معلومات صحفية لتحقيق منافع شخصية قبل نشرها, حيث تمكن من تحقيق أرباح قدرت بنحو93 ألف دولار جراء استخدام هذه المعلومات. هكذا يعمل الإعلام في أعتي الدول الديمقراطية وأكثرها دفاعا عن حرية الصحافة. الذي قام به وزير الإعلام مؤخرا أو قامت به إحدي المؤسسات التابعة له بوقف بعض القنوات الفضائية وإنذار البعض الآخر يستحق الكثير من التقدير رغم الضجيج والصخب واستخدام فزاعة الحرية والانتخابات. فلست اعتقد أن فضاء آخر غير الفضاء العربي الذي تنطلق معظم قنواته من القمر الصناعي المصري قد شهد مثل هذه الفوضي لمثل هذا الوقت الطويل. فالكثير من دول العالم شهدت مثل تلك الفوضي, ولكنها لم تستمر طويلا, حيث الأسواق الإعلامية أكثر تنظيما فاستعادت النظام وشيئا من التوازن. في ثمانينيات القرن الماضي كان تحرير قنوات التليفزيون من قيود الترخيص والممارسة قد أصبح حقيقة واقعة في مناطق كثيرة من العالم بفعل سياسات عولمة النشاط الإعلامي. في ايطاليا وحدها ظهرت003 قناة تليفزيونية في شهر واحد ومارست أكثر أعمال التليفزيون سوءا في التاريخ ولكنها عادت سريعا لتخضع لآليات الأسواق المنظمة. وكذلك الأمر في دول الكتلة الشرقية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. والذي يستحق التقدير في قرار السيد وزير الإعلام لايقف عند حدود التدخل لحماية الأخلاق العامة والاستقرار السياسي والاجتماعي. فمن هذه الناحية يبدو هذا التدخل متأخرا الي حد ما. فقد طال زمن العبث الإعلامي في الفضاء العربي سنوات ليست بالقليلة. أما الجديد في قرار السيد وزير الاعلام والذي يفتح الباب لشيء من تنظيم هذا النشاط هو آلية السوق التي اتبعها الوزير في معالجة الشطط الذي اصاب الكثير من القنوات الفضائية. فالقرار استند الي مخالفات قانونية ارتكبتها تلك القنوات استنادا الي التراخيص الممنوحة لها وهذا ينفي أي طابع سياسي عن تلك الإجراءات, وهذا هو المدخل الذي نحتاجه للجم هذا الطيش التليفزيوني الحاصل الآن. وآلية السوق التي بدأها وزير الإعلام بوقف قنوات وإنذار أخري بحاجة إلي دراسة وتطوير لتشمل الكثير من المخالفات التي لاترقي لمستوي الإغلاق, ولايجدي معها الإنذار. إحدي أكثر آليات السوق استخداما في صناعة الإعلام هي الغرامات التي تدفع جزاء عمل ينطوي علي مخالفة ذات معني أخلاقي يرفضها المجتمع ولاينبغي التجاوز معها. وعلي سبيل المثال الألفاظ الخادشة للحياء التي وردت في بعض البرامج الرياضية مؤخرا لايمكن أن تمر بمجرد تنبيه أو إنذار للقناة التي أذاعت أو لمقدمي هذه البرامج الذين كانوا شهودا صامتين أو شركاء فاعلين في هذه المخالفات. هناك حق عام للمشاهدين في منازلهم يوجب فرض غرامات رادعة تجبر تلك القنوات ومقدمي برامجها علي الحرص وتوخي الحذر بينما تذيع علي المشاهدين في منازلهم وتدفعهم الي حساب العاملين فيها حسابا عسيرا علي ماقد يقترفونه من عدوان علي الاخلاق العامة. وحصيلة تلك الغرامات يمكن أن توجه إلي دورات تدريبية لتطوير المهارات لدي العاملين في تلك القنوات ورفع مستويات الأخلاق المهنية السائدة. لقد أشرت من قبل إلي حوارات تليفزيونية مخزية أذيعت في شهر الصيام ولكن أحدا لم يتحرك وكأننا في انتظار المزيد في شهر رمضان القادم ربما جاءت قرارات السيد وزير الإعلام الأخيرة بمحاسبة الخارجين علي الأخلاق العامة تحمل الأمل في تنقية شاشات التليفزيون المصري الحكومي والخاص مما لحق بها من تسيب. اللافت للنظر أن البرامج الرياضية التليفزيونية هي الآن أكبر مصادر العدوان علي الأخلاق العامة برغم أننا نردد مع العالم مقولة الأخلاق الرياضية إشارة إلي ما تفعله الرياضة بالأخلاق من تهذيب ورقي. أطال الله بقاء الإذاعي القدير فهمي عمر الذي كان تعليقه علي مباريات كرة القدم في الاذاعة المصرية فيما مضي قطعة أدبية رفيعة المستوي, ساحرة الصياغة والإلقاء. وفي هذا الزمن من حقنا أن نتساءل هل من قبيل المصادفة أن تتدهور لغة الحوار في البرامج الرياضية الي هذا الحد في الوقت الذي تراجع فيه أمثال فهمي عمر وزحف فيه لاعبو كرة القدم علي تلك البرامج يتولون تقديمها في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ التليفزيون, قد يوجد في أي دولة في العالم لاعب أو اكثر يقدمون برامج رياضية ولكن أن يستولي لاعبو كرة القدم والعاملون بها علي جميع البرامج الرياضية التليفزيونية يحتكرون تقديمها فهذا لاوجود له إلا في مصر الآن. سنوات طويلة وبرامج الرياضة يقدمها مذيعون محترفون ولاتزال برامج الرياضة في تليفزيونات العالم تخضع لمن كانت مهنتهم تقديم البرامج, أما أن نأتي بلاعبين من الملاعب الي الاستوديوهات مباشرة دون إعداد أو تدريب فهذه هي النتيجة. وليس من حق أحد أن يغضب أو يستهجن مايحدث في برامج التليفزيون الرياضية. التدهور بدأ في قنوات التليفزيون الخاصة الباحثة عن أي شعبية بأي ثمن حتي وإن اقتضي الأمر الاستجابة لمطالب مشاهدي الدرجة الرابعة من اللغة ومن التلاسن والمعارك المفتعلة. وللأسف فإن التليفزيون الحكومي بدلا من التمسك بتقاليد المهنة التي مارسها خمسين عاما والعمل علي تطويرها, راح يقلد تلك القنوات فأقعد مذيعي البرامج الرياضية في منازلهم وجاء بلاعبين وحكام ليحتلوا أماكنهم ويفتح لهم خزائن لم تفتح هكذا من قبل, ومع مصطلحات المنتج المشارك وغير المشارك اختلط الحابل بالنابل حتي أن التليفزيون المصري ولأول مرة يتخلي عن حقه في اختيار مقدمي برامجه الرياضية بل ومحتواها لحساب هذا المنتج المشارك ولذلك ليس من الغريب أن تصبح برامج التليفزيون الرياضية إحدي مشكلات الإعلام المصري والأكثر تعبيرا عن حالة الفوضي الراهنة. مشكلة الرياضة أنها صناعة بالغة الثراء تخضع لحفنة قليلة تمارس تأثيرا زائفا في أغلبية كاسحة تحميها. وهذا هو حال الإعلام الرياضي التليفزيوني. وأتمني أن تحظي الغاز البرامج الرياضية باهتمام السيد وزير الإعلام إنصافا لأجيال تحب الرياضة, وتتابع برامجها ولكنها تتعرض معها للكثير من الصدمات الأخلاقية.