يبدأ التسجيل إلكترونيا اليوم.. مجلس الدولة يفتح باب التقديم لوظيفة مندوب مساعد    إيهاب عبد العال: طفرة سياحية مقبلة تتطلب تيسيرات في النقل والضرائب    ظهر عاريا فى التسريبات.. بيل كلينتون فى مرمى نيران جيفرى إبستين.. صور    الدوري الإنجليزي.. موعد مباراة ليفربول وتوتنهام والقناة الناقلة وصلاح الغائب الحاضر    الركراكي: أي نتيجة غير الفوز بأمم أفريقيا ستكون فشلاً    سحب 666 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الأقصر تحتضن ظاهرة تعامد الشمس السنوية تزامنا مع بدء فصل الشتاء    وزير الزراعة يبحث مع وفد صيني مستجدات إنشاء مصنع متطور للمبيدات بتكنولوجيا عالمية في مصر    وزارة العمل: 664 محضرا خلال 10 أيام لمنشآت لم تلتزم بتطبيق الحد الأدنى للأجور    رئيس الوزراء يصل مطار القاهرة عائدا من العاصمة اللبنانية    محكمة باكستانية تقضي بسجن عمران خان وزوجته 17 عاما في قضية فساد    روسيا تعلن تحرير بلدتين جديدتين شرق أوكرانيا    روبيو: تنفيذ اتفاق غزة سيستغرق "مدة طويلة"… وانتقادات حادة لحماس والأونروا    عين شمس ضمن أفضل 21% من جامعات العالم في تصنيف Green Metric 2025    وزارة التموين: ملتزمون بضخ السلع بأسعار تنافسية في السوق المحلية    نجم نيجيريا السابق ل في الجول: علينا احترام بطولة إفريقيا.. والجيل الحالي لا يملك الشخصية    موعد مباراة المغرب وجزر القمر في افتتاح أمم أفريقيا 2025    «المشاط»: 4.2 مليار جنيه استثمارات حكومية موجّهة لمحافظة الأقصر بخطة 2025-2026    حبس عاطل أحرق سيارة مدير شركة انتقامًا من قرار فصله    ضبط عصابة خطف طالب فى الجيزة بعد تداول فيديو مثير على الإنترنت    وزارة التعليم تتيح لطلاب شهادات الدبلومات تسجيل استمارة الامتحان    مجلس الوزراء يوضح حقيقة فيديو تجاوز رحلة جوية للطاقة الاستيعابية لعدد الركاب    وزير الثقافة ينعى الفنانة الكبيرة سمية الألفى    المخرج الفلسطيني يوسف صالحي: ترجمت الألم الداخلي إلى لغة سينمائية في فيلم «أعلم أنك تسمعني»    دار الإفتاء تعلن نتيجة رؤية هلال شهر رجب لعام 1447 هجريا بعد المغرب    مستشار الرئيس للصحة: الوضع الوبائي مستقر تمامًا ولا يوجد خطر داهم على أطفالنا    محمد عنتر يكشف سر رحيله عن الزمالك    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : لعنة الله على تلك .. المسماة " ديمقراطية !?    دار الإفتاء توضح علامات الاستخارة وتحذر من ربطها بالأحلام فقط    مركز الدراسات والبحوث يشارك في مؤتمر علمي عن دور الذكاء الاصطناعي في تحقيق التنمية المستدامة    فوز الدكتور أحمد طه بجائزة الطبيب العربى 2025.. وعميد قصر العينى يهنئه    الرعاية الصحية تطلق مشروع تقييم استهلاك الطاقة بالمنشآت الطبية ضمن التحول الأخضر    تشكيل ليفربول المتوقع أمام توتنهام في البريميرليج    نجم الزمالك السابق: أحمد عبدالرؤوف مُطالب بالتعامل بواقعية في المباريات    محافظ المنيا يلتقي وزير الشباب والرياضة بديوان المحافظة    مكتبة مصر العامة بالأقصر تستقبل وفد المركز الثقافي الكوري لبحث التعاون    إقبال جماهيري على «حفلة الكاتشب» في ليلة افتتاحه على مسرح الغد بالعجوزة    قفزة قياسية متوقعة لأسعار الذهب في 2026.. وتراجع محتمل للنفط    وزير التعليم العالى: دعم الباحثين والمبتكرين لتعزيز مكانة البحث العلمي فى مصر    وزير الرى يتابع خطة إعداد وتأهيل قيادات الجيل الثاني لمنظومة المياه    ضمن مبادرة صحح مفاهيمك، أوقاف الإسماعيلية تواصل التوعية ضد التعصب الرياضي    إصابة شخص إثر انقلاب ربع نقل بقنا    بعد قليل، محاكمة عصام صاصا بتهمة التشاجر داخل ملهى ليلي في المعادي    المبادرات الرئاسية تعيد كتابة التاريخ الصحي لمصر    للنساء بعد انقطاع الطمث، تعرفي على أسرار الريجيم الناجح    أزهري يعلق علي مشاجرة الرجل الصعيدي مع سيدة المترو: أين هو احترام الكبير؟    نشرة أخبار طقس اليوم السبت 20 ديسمبر| الأرصاد تحذر من أجواء شديدة البرودة    ذكرى ميلاده ال95.. صلاح جاهين يصرخ عام 1965: الأغنية العربية في خطر!    ستار بوست| أحمد العوضي يعلن ارتباطه رسميًا.. وحالة نجلاء بدر بعد التسمم    محمد معيط: روشتة صندوق النقد الدولي عادة لها آلام وآثار تمس بعض فئات المجتمع    الأنبا فيلوباتير يتفقد الاستعدادات النهائية لملتقى التوظيف بمقر جمعية الشبان    مواقيت الصلاه اليوم السبت 20ديسمبر 2025 فى المنيا    الولايات المتحدة تعلن فرض عقوبات جديدة على فنزويلا    القبض على إبراهيم سعيد لاعب كرة القدم السابق وطليقته داليا بدر بالقاهرة الجديدة    شهداء فلسطينيون في قصف الاحتلال مركز تدريب يؤوي عائلات نازحة شرق غزة    نائب وزير الخارجية يلتقي الممثل الخاص لسكرتير الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث    كل عام ولغتنا العربية حاضرة.. فاعلة.. تقود    طائرات ومروحيات أمريكية تشن هجوما كبيرا على عشرات المواقع لداعش وسط سوريا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفاعل الأصلي‏..‏ أنتم‏!‏

الغربيون قلقون‏,‏ ولهم الحق‏,‏ علي مسيحيي الشرق الأوسط الذين يتعرضون في هذه الأيام لأخطار حقيقية تضطرهم للنزوح الجماعي إلي خارج بلادهم‏,‏ كما ذكرت صحيفة الوموندب الفرنسية قبل أسبوعين‏,‏ وهو الموضوع الذي علقت عليه في مقالتي السابقة‏.‏ وسوف أنتهز هذه الفرصة لأوضح بعض الجوانب في هذا الموضوع الذي يتحدث فيه الغربيون كأنهم مجرد مراقبين يتابعون بإشفاق ما يجري في بلاد بعيدة منكوبة بالتطرف والتخلف‏,‏ مع أنهم أقصد الغربيين هم الفاعل الأصلي فيما نتعرض له نحن مسلميين ومسيحيين علي أيدي الجماعات الإسلامية المتطرفة‏,‏ وأيدي الذين كانوا سببا مباشرا في ظهورها واستفحال خطرها وهم الإسرائيليون‏,‏ ومن يقفون وراء الإسرائيليين‏.‏
وأنا لست من هؤلاء الذين لا يطيقون الاعتراف بأخطائهم ويتهربون من تحمل التبعات ويعلقون أخطاءهم علي مشاجب الآخرين‏.‏ فمن المؤكد أننا مسئولون عما حدث لنا وعما يحدث‏,‏ نحن الذين تنكرنا لمبادئ النهضة التي أرساها آباؤ نا بعرقهم ودمائهم‏,‏ وأضاءوا بها طريقنا الذي لم نواصل السير فيه‏.‏ تنكرنا للدستور‏,‏ والديمقراطية‏,‏ والدولة المدنية‏,‏ والعقلانية‏,‏ واستجبنا لعواطفنا الساذجة وخرافاتنا الموروثة‏,‏ وركضنا خلف شعارات كاذبة لم تثبت لأي امتحان‏,‏ وتنازلنا عن حقنا المشروع في رسم سياساتنا ومواجهة مشكلاتنا واختيار حكامنا ومحاسبتهم‏,‏ غير أن أخطاءنا أو معظمها كانت ردود أفعال طائشة علي ما يخططه الغربيون وينفذونه‏,‏ وهم يملكون كل أدوات التخطيط والتنفيذ‏.‏ كانوا يفعلون ويتوقعون ما سوف نفعل‏.‏
نعم‏,‏ الغربيون وأقصد القوي الاستعمارية الغربية هم الفاعل الأصلي فيما نتعرض له علي أيدي الإسرائيليين من ناحية‏,‏ وأيدي المتعصبين المتطرفين من ناحية أخري‏,‏ وإسرائيل هي الشر الأول الذي نتجت عنه كل هذه الشرور‏.‏
‏‏
قبل أن تقوم إسرائيل كانت الثقافة السياسية في مصر أقصد ثقافة النخبة والطبقات المتأثرة بها هي ثقافة الدولة المدنية‏,‏ والنظام الديمقراطي‏,‏ والرابطة الوطنية التي جمعت المصريين وساوت بينهم‏,‏ وألهمتهم شعارهم المقدس الدين لله‏..‏ والوطن للجميع‏.‏ ويكفي أن نراجع أسماء الزعماء الذين قادوا حركة الاستقلال مع سعد زغلول لنجد فيهم مكرم عبيد‏,‏ وسينوت حنا‏,‏ وجورج خياط‏,‏ وواصف غالي‏,‏ وويصا واصف‏,‏ ومرقس حنا‏,‏ وفخري عبدالنور‏,‏ وسلامة ميخائيل‏,‏ وراغب اسكندر وسواهم وسواهم ممن انخرطوا في ثورة‏1919‏ ووقفوا مع أشقائهم ومواطنيهم المسلمين في وجه المحتلين الإنجليز‏,‏ وتعرضوا معهم للسجن والنفي والموت‏,‏ وشاركوهم في حكم بلادهم وفي القيام بما تطلبته النهضة من عمل‏,‏ وما فرضه الاستقلال واللحاق بالمتقدمين من واجبات‏,‏ ولقد كان المرشح المسيحي ينجح في حي السيدة زينب لأنه ينتمي للحزب الذي تؤيده غالبية سكان الحي‏,‏ كما كان المرشح المسلم ينجح بالمثل في حي شبرا‏.‏ كان الناخبون يؤدون للوطن حقه ولا يسألون عن الدين‏.‏
وما يقال عن حضور المسيحيين في النشاط السياسي يقال عن حضورهم في النشاط الأدبي والفني‏.‏ نجيب الريحاني لم يكن يضحك المسيحيين وحدهم في المسرح‏,‏ بل كان يضحك المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين‏.‏ وشفيقة القبطية لم تكن ترقص للأقباط فحسب‏,‏ كما لم تكن تحية كاريوكا تميز في جمهورها بين المسيحي والمسلم‏.‏ ولقد تلقي نجيب محفوظ نصف ثقافته من سلامة موسي‏,‏ وتلقي جيلي نصف ثقافته من لويس عوض‏.‏
‏‏
والذي يقال عن المسيحيين يقال عن اليهود‏,‏ وإن كان وضعهم مختلفا‏,‏ لأن معظم اليهود الذين عاشوا في مصر خلال القرنين الماضيين كانوا مهاجرين قدموا من روسيا‏,‏ وإيطاليا‏,‏ وألمانيا‏,‏ وعاشوا في مصر كما يعيش الأجانب يمارسون نشاطهم الاقتصادي خاصة‏,‏ ولا يشاركون إلا بقدر محدود في الحياة العامة التي رحبت مع ذلك وشجعتهم علي المشاركة الاندماج‏.‏
ونحن نعرف أن وزير مالية مصر في عشرينيات القرن العشرين كان يهوديا مقربا من القصر الملكي وهو يوسف قطاوي باشا‏,‏ ونعرف أن عددا كبيرا من زعماء اليسار المصري كانوا يهودا ومنهم هنري كورييل‏,‏ ومارسيل إسرائيل‏,‏ وهيليل شوارتز‏,‏ ويوسف درويش‏,‏ وريمون دويك‏.‏
ولقد كان الحاخام الأكبر حاييم ناحوم حاضرا دائما في المناسبات الرسمية‏,‏ إلي جانب البطريرك وشيخ الأزهر‏,‏ وكان عضوا في مجمع اللغة العربية‏.‏ أما مراد بك فرج محامي القصر الملكي فكان شاعرا ينظم قصائده باللغة العربية‏.‏
ونحن نعرف المكان الرفيع الذي احتله الفنانون المصريون اليهود من أمثال داود حسني‏,‏ وزكي مراد‏,‏ وليلي مراد‏,‏ ومنير مراد‏,‏ وراقية إبراهيم‏,‏ وكاميليا‏,‏ ونجوي سالم‏,‏ وسواهم‏.‏
‏‏
والذي يقال عن ثقافة التسامح والمواطنة والديمقراطية في مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين يقال عنها في لبنان‏,‏ وسوريا‏,‏ والعراق‏,‏ وتونس‏,‏ والجزائر‏,‏ والمغرب‏.‏
المسيحيون اللبنانيون لعبوا دورا رائدا في إحياء الثقافة العربية‏,‏ والمسيحيون السوريون تزعموا الدعوة للقومية العربية التي حلت محل الجامعة الإسلامية‏,‏ وتاريخ العراق علي الرغم من كل شيء هو تاريخ التعايش بين المسلمين الشيعة والسنة‏,‏ وبينهم وبين المسيحيين‏,‏ والصابئة‏,‏ والزرادشتيين‏,‏ واليهود لم يستقروا في بلد من بلاد العالم‏,‏ كما استقروا في المغرب‏.‏
‏‏
لكن ثقافة الدولة المدنية‏,‏ والديمقراطية‏,‏ والمواطنة‏,‏ وفصل الدين عن الدولة التي رفع الغربيون أعلامها لم تكن تهمهم بقدر ما يهمهم بترول الشرق الأوسط ومستعمراتهم فيه وقواعدهم العسكرية‏.‏ ومن هنا قدم اللورد بلفور وزير خارجية بريطانيا في نوفمبر‏1917‏ وعده لليهود بمساعدتهم في إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين لم يكن إلا تجسيدا لأسطورة دينية‏,‏ فإذا كانت ثقافة التسامح الديني والديمقراطية وفصل الدين عن الدولة قد تلقت الطعنة من أصحابها الأصليين‏,‏ فمن السهل أن تتنكر لها شعوب الشرق الأوسط التي فقدت شعورها بالأمن بسبب الوجود الإسرائيلي‏,‏ كما فقدت ثقتها بالغرب وثقافته‏,‏ ولجأت إلي ثقافتها الموروثة تبحث فيها عن ملجأ آمن‏,‏ وإذا كان اليهود قد عادوا إلي فلسطين ليستعيدوا فيها ملك سليمان‏,‏ فالرد التلقائي لدي المسلمين هو إقامة دولة دينية يطبقون فيها الشريعة ويستعيدون أيام الخلفاء الراشدين‏!‏

المزيد من مقالات احمد عبد المعطي حجازي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.