وصل حضرة الصول للسرايا بعد أن طرد من عقل باله طقوس الزيارات السابقة. لا سلامات ولا أهلنات ولا يحزنون. جاء هذه المرة مثل غراب البيت. هل يهز طوله من أجل أن يقول لهما مصري وفرحانة أروني عرض أكتافكما؟ وهو يعتب بوابة السرايا الخارجية تذكر الزيارات السابقة. ترحيب مصري به. وجري فرحانة إن كانت خارج السراية لداخلها لتحضر له الطعام. إن كان الوقت صباحا تسمي رزقه ترويقة. وظهرا تقول الغديوة. وبالليل تكون العشوة التي تجعله ينام مرتاح البال. تقول فرحانة ولا يعرف الصول من أين عرفت هذا الكلام: لا الجعان ولا الخواف يهوب النوم نواحي عينيه. وإن كانت فرحانة لحظة وصول حضرة الصول داخل السراية يتركه مصري ويتمشي نواحي السراية, بعد أن يسلم عليه ويجلسه في أنظف مكان أمام الغرفة. يشبك يديه خلف ظهره وهو ماش ببطء شديد. كأنه صاحب الملك. عندما يصبح تحت الفراندا مباشرة ينادي عليها. لا يذكر اسمها. النداء يكون باسم ابنهما البكر. تطل من الداخل, هذه هي المرة الوحيدة التي رأي الصول فيها شعرها. لأنها خرجت مكشوفة الرأس. واكتشف أنه مسبسب وشكله جميل. ما إن رأته حتي جرت داخله. دارت شعر رأسها بيديها قالت بصوت أسرع من جريها: يا دي العيبة يا دي الكسوف. 09 بسبب كآبة المهمة وثقل الموقف علي قلبه واحساس ضميره بتأنيب لم يشعر به حضرة الصول من قبل. حالو تخفيف الموضوع. قال الصول لنفسه. الحكاية كلمة ورد غطاها. لم تصوصو عصافير بطنه. لا طعام ولا شراب. ومع هذا حدث ما لم يتوقعه. لم يمض إلا وقت قليل ووصلت الصينية عليها فوطة. وبعد أن أكل حتي وقف علي أظافره, ثم حبس بكوب من الشاي يحمد الله علي نعمته: الشكر واجب يردان عليه بصوت واحد: لا شكر علي واجب تقول فرحانة: ادعي للست ملكة ربنا يريح بالها ويديها من وسع تكمل بعد قليل كأنها تكلم نفسها: تبقي أم الملك يقرأ حضرة الصول العرفان بالجميل في عيني فرحانة أولا, وبدرجة أقل في عيني مصري. أما الأولاد فيمرحون ويلعبون ويخطفون الكاب الذي يضعه علي رأسه بعد أن يمنحه الأطفال مسمي الكاسكيتا. يرمونه ليعطيهم في الهواء. يحمد الصول الله لأن الضابط في الحجز ولا يري ما يجري لكاب الحكومة. 19 وجودهما مصري وفرحانة معه عقد مهمته. كان الاستفراد بمصري أسهل عليه. البنت فرحانة في فمها ألف لسان. لا تعرف هي ولا يعرفان هما الألسنة التي لها. ولا الألسنة التي عليها. لم تعرف تربية البيوت. لا تذكر لها أبا ولا أما ولا اخوة. هي لا تعرف ومن حولها ان كانوا قد عرفوا فقد أنساهم ما عرفوه ما يراه الناس من الآلام والأهوال ما عرفوه. وإن سألتها تهربت من الإجابة. وإن حاصرت تهربها تقول لك بلسان يمكن أن يلتف حول جسمها من طوله: من لا يربيه أهله تربيه الأيام والليالي. ترن كلمة الأيام والليالي في ذهن حضرة الصول. أي أيام وأية ليال يا ست فرحانة؟ كلنا نعرف البير وغطاه. ربما كان مصري الوحيد الذي لا يعرف. ما صدق أن وجدها وما صدقت ان لقيته. لم يفكر في السؤال عنها. وحضرة الصول عندما كان يراها زمان حول الحجز. كان يقول لنفسه: لابد وأن هذه البنت تربية حواري. والولد مصري يتكلم عن قريته. ربك والحق كان يتكلم عنها حتي عندما كان يعمل مع فرحانة علي نصبة الشاي عند الحجز. الكلام أصبح أكثر بعد وصولهم للسرايا. يعود لماضيه, بلد تشيله وبلد تحطه. لم تضايق أكاذيبه فرحانة ولا حضرة الصول. يعرفان أن ربك يحب عبده الفشار أكثر من حبه لعبده المكار. 29 وحضرة الصول يستمع لكلامه عندما تتناوب الكلمات مع رشفات الشاي وأنفاس السجائر وهو يحسده في عقل باله. يقول لنفسه لماذا تسرع وعرض علي حضرة الضابط أن يقوم مصري ومعه فرحانة بحراسة السرايا. ينتظره المعاش. لن يبقي حضرة الصول إلي أبد الآبدين, يسمعهم يتكلمون عن المعاش باعتباره المصير الأخير الذي ينتظر خيل الحكومة. يضربونها بالرصاص بين عينيها. يتخلصون منها. لماذا لم يركن موضوع السرايا قبل أن يصل لمربط خيل الحكومة ولا يعرف مصيره بعد ذلك؟ فاته هذا الأمر. تساءل قبل أن يلوم نفسه: ما أكثر ما فاته؟ وما أقل ما حصل عليه؟ أولاده وامرأته وجيرانه وأهل حتته ينظرون له علي أنه يعرف كل شيء. يزن الأمور بميزان الذهب ولا يعرفون كيف فاتته غرفة السرايا ولا هذا النعيم المقيم الذي تعيش فيه فرحانة ومصري وأولادهما. يوشك أن يضبط نفسه. يحسدها. يتذكر الآية التي يرددها وقت الصلاة: ومن شر حاسد إذا حسد يطمئن نفسه أنها آية من القرآن الكريم. الأولاد المتعلمون يقولون ان الحسد ورد ذكره في كتاب الله. فلماذا يغضب وقد ضبط نفسه يحسد هؤلاء المساكين؟ المهم ألا ينطق بهذا الكلام وألا يعرفه أحد.