بعد عشرين عاما, تعود جائزة نوبل للأدب إلي بلاد الحكايات والرقص وكرة القدم, بلاد بورخيس وماركيز ومارادونا وشاكيرا. آخر الحاصلين عليها من أمريكا الجنوبية كان أوكتافيو باث في1990. العام الذي خسر فيه الحاصل علي الجائزة هذا العام انتخابات الرئاسة في بيرو أمام البرتو فوجيموروي. جاء في حيثيات منح ماريو فارجاس يوسا(74 عاما) الجائزة لتصويره المفصل للصراعات علي السلطة وصوره المحددة المعالم للمقاومة والتمرد في اشارة إلي روايته الفريدة حفلة( أووليمة) التيس, التي تتناول فترة حكم بورخييو في دولة الدومينيكان, الرجل الذي ظل لمدة ثلاثين عاما يزرع الرعب والحذر والتوجس في نفوس شعبه, حتي إنه بعد اغتياله عجز الناس عن تصريف أمورهم بسرعة عهد مظلم حجب الدومينيكان عن العالم الخارجي, وفرض المجتمع الدولي عليه العقوبات, وصف يوسا ببراعة الراوي الخنوع والخوف والثأر والاستسلام, السياسي الذي بداخله حلل اللعبة القذرة, التي تتبدل فيها الولاءات والآراء في غمضة عين, رصد أحوال المحكومين مع الخطر, من خلال طرح مجموعة من القصص الإنسانية الحزينة والشجية, حفلة التيس هي رواية عن الاستبداد في العالم الثالث كله وكيف يعيش شعب فقير مغلوب علي أمره وكيف تعيش نخبة حاكمة متغطرسة ببذخ كأنها لا تنتمي إلي ذلك الشعب. ومن الصعب أختزال يوسا في حفلة التيس فقط لأن أعماله الأخري لا تقل أهمية, ومن حسن الحظ أن معظم أعماله مترجمة إلي اللغة العربية, عن طريق المترجم السوري المبدع صالح علماني, والدكتور حامد أبو حمد وقبل تناول أهمها, علينا أن نعرف أن الرجل مثل بورخيس وماركيز سليل خيال ألف ليلة وليلة. وفي العام الماضي أقدم علي إصدار طبعة منقحة منها, وعندما سئل عن السبب, قال من أجل تكريمها, بوصفها جنسا أدبيا عريقا كان له فضل الريادة في ابتكار القصص وسردها من أجل تحقيق السعادة للبشرية, وهو يعتبر أن أهم ما تحمله الف ليلة وليلة التوظيف الإنساني والأكثر تحضرا ومدنية للخيال. ومن أعمال يوسا المدهشة, امتداح الخالة, رواية عن الرغبات الجامحة عند الصغار, بطلها الطفل الفونسو الذي صوره كشيطان يسكن أجسادنا ولكننا لا نراه, تبدأ الرواية به ثم يتركه ويحكي عن لوحات رسمها جاكوب جورداننس وفرنيسيس بوشير وغيرهما, وتتشابك الرسومات مع أحداث الرواية بغرائبية تنسج خيوطها الحكاية الأصل, وهي علاقة الطفل الفونسو مع زوجة أبيه دونيا لوكريثيا والتي يناديها بالخالة. وفي رواية شيطانات الطفلة السيئة, كان كل ما يريده ريكاردو هو الحياة في باريس. عمل مترجما مؤقتا في اليونسكو, وعاش حياة رتيبة, تبدأ بفتح العينين في الصباح وإغلاقهما في المساء, كانت بيرو علي أهبة اندلاع ثورة ضد الحكم العسكري فيها, فيتدفق الشبان والشابات للتدريب عسكريا في كوبا عبر باريس, بواسطة مناضل سمين من بيرو يعمل طباخا( طباخا ماهرا) يتعرف ريكاردو علي متدربة ويتأكد أنها صديقة طفولته المجنونة. وهي تنكر ذلك, يقبلها, هي لا تستجيب ولا ترفض, تختفي وتظهر, تتزوج وتطلق وتسرق الرجال. دائما هي علي حافة الخطر, ودائما يوجد ريكاردو كما في الأساطير, يحنو عليها ويتحمل صخبها لأسباب غامضة, علاقة غريبة لا تفضي إلي شيء. لم يلجأ يوسا إلي الحيل المستحدثة في الحكي, وظل مخلصا لأساتذته الكلاسيكيين, ومع هذا تطل الواقعية السحرية والفانتازيا من خلال اختياره للشخصيات الغريبة وللموضوعات غير المطروقة. في الرسالة الثانية عشرة من رسالة إلي روائي شاب قال ان في الرواية أو القصيدة الناجحة عنصرا أو بعدا لا يمكن للتحليل النقدي العقلاني ان يمسك به, فالحدس والتخمين والحساسية والمصادفة, عوامل تفلت دائما من أكثر شباك البحث النقدي دقة, ولهذا لا يمكن لأحد أن يعلم أحدا الابداع, وأقصي ما يمكن تعليمه هو القراءة والكتابة, وما تبقي يعلمه المرء لنفسه بنفسه, وهو يتعثر ويسقط وينهض دون توقف, ويخاطب صديقه إنني أحاول أن أقول لك أن تنسي كل ما قرأته في رسائلي, وأن تبدأ دفعة واحدة بكتابة الروايات. حصول ماريو فارجاس يوسا علي نوبل هذا العام انتصار للكتابة الجميلة.. وللموهبة.