تحت عنوان عالم الأقمار الصناعية: التليفزيون عبر القومي, والعولمة, والشرق الأوسط, يقدم الدكتور مصطفي إبراهيم فهمي كتابه المترجم الجديد من تأليف الباحثة ناعومي صقر الأستاذة الزائرة في مدرسة الاتصالات والصناعات الإبداعية بجامعة وستمنستر والاستشارية للعديد من وسائل الإعلام وشئون الشرق الأوسط في العديد من المنظمات الدولية. والدكتور مصطفي فهمي, الحاصل علي الدكتوراه في الكيمياء الاكلينيكية من جامعة لندن, وعضو لجنةالثقافة العلمية بالمجلس الأعلي للثقافة, هو عميد مترجمي الثقافة العلمية في مصر الآن, بعد رحيل عميدهم السابق العالم الدكتور أحمد مستجير, وقد ترجم الدكتور مصطفي خلال مشروعه طويل النفس عظيم الجهد رائع الاختيار أكثر من خمسين كتابا من الكتب العلمية المهمة, منها التنبؤ الوراثي, وعلم الأحياء والإيديولوجية والطبيعة البشرية, والنهاية والطب الإمبريالي والمجتمعات المحلية, والجينوم, والكون في قشرة جوز, والصيف الطويل, ولا أنسي ترجمته الرائعة للمجلد الضخم عن مرصد هابل, وهو الكتاب الذي فاتته الإشارة إليه في قائمة ترجماته. الدكتور مصطفي فهمي يقول لنا بصراحة إنه تحمس لترجمة الكتاب الذي هو في الأصل أطروحه أو رسالة أكاديمية لأنه يتناول موضوعين شديدي الأهمية وتدور حولهما الآن مناقشات خلافية كثيرة, أحدهما هو الإرسال التليفزيوني بواسطة الأقمار الصناعية فيما يعد أحد مظاهر ثورة المعلومات والاتصالات, والثاني هو العولمة اقتصاديا وثقافيا, والتي لا يزال تعريفها وتفسيرها موضع خلاف, ذلك أن الكتاب يتناول التأثير والتفاعل لكل من تليفزيون الأقمار الصناعية والعولمة في بلادنا بإقليم الشرق الأوسط. العوامل الفاعلة في المجال كثيرة, محلية وإقليمية, وعالمية, ومن مستويات سياسية واقتصادية وثقافية, ولابد لفهمها من إلقاء أسئلة كبيرة, من هم مالكو تليفزيون القمر الصناعي وصناعه؟ وما مصادر تمويلهم وأسباب إقامتهم لمشاريعهم؟ من خلال ضرب أمثلة لذلك في مصر والسعودية وقطر ولبنان وغيرها من بلاد الشرق الأوسط, ذلك أن الصورة تختلف من بلد لآخر حسب ظروفه محليا وعالميا, وطبقا لمدي الحرية المتاح والمسموح به فيها, وطبيعة العلاقات بين دول الشرق الأوسط وغيرها من بلاد العالم, والمؤلفة تري أنه تسود في الشرق الأوسط علاقات فيها سيطرة للحكومات علي بث تليفزيون الأقمار الصناعية أو سيطرة شركات تجارية لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحكومات, هذه الحكومات والشركات لها مصالحها الخاصة المحلية والإقليمية والدولية, وتحرص علي أن تكون برامج أقمارها في خدمة هذه المصالح الخاصة, وليس في خدمة مصالح المجتمع ككل, ولا طبقا لشروط العولمة, إلا في نطاق ما يتفق وهذه المصالح الخاصة, وفيما يتصل بدور تليفزيون القمر الصناعي في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الشرق الأوسط, فإن الأمر المهم للتنمية البشرية هو الوجود الفعلي أو الحقيقي لحرية التعبير, وليس مجرد تكنولوجيا حديثة, فهذه التكنولوجيا مهما كانت إمكاناتها الكبيرة في التعبير, قد تعوقها قيود الرقابة والقوانين, وكل ما يعوق حرية التعبير يعوق أيضا التنمية البشرية الحقيقية, وفي هذا المجال تذكر المؤلفة أمثلة واقعية موثقة من بلاد عربية مختلفة. وفيما يقال عن التدفق الثقافي عبر الحدود والتفاعل فيما بين الدول, وفيما بين المجتمعات, وجماعات المجتمع المدني, ومدي حرية التعبير وانتقال المعلومات في عصر العولمة: فإن فحص هذه النماذج يكشف عن كثير من المبالغات والأوهام في كثير مما يقال عن العولمة, وما يقال مثلا عن وجود مجتمع مدني عالمي أو دائرة جماهيرية عالمية, فهذه كلها افتراضات مثالية أو آمال معلقة بالمستقبل, لكنها لا تنطبق علي الواقع وبخاصة في الشرق الأوسط, حيث لاتوجد عادة أية منظمات غير حكومية أو مدنية إلا ما تسمح به هذه الحكومات وتسيطر عليه. مشيرة من باب الطرافة إلي أن أحد مظاهر العولمة التي لها وجود في الشرق الأوسط هو عولمة علاقات المصالح المالية بين أصحاب البلايين مالكي تليفزيون الاقمار الصناعية في الشرق الاوسط من جانب, وأصحاب البلايين من مالكيه في بلاد العالم الأخري, كلا الجانبين يحرص ويتعاون من أجل ألا يتعارض بث هذه الأقمار مع مصالحه الخاصة, أما العولمة بمعني التدفق الحر للمعلومات فمازالت تخضع للرقابة التجارية والحكومية, وبخاصة في الشرق الأوسط. الكتاب يعرض لما يحدث في الشرق الأوسط من تأثير لبث هذه الأقمار في أوضاع الأطفال والشباب الذين يكونون أغلبية السكان, وفي أوضاع المرأة وصورتها النمطية في المجتمع الأبوي أو البطريركي, وهي تري فيما يتصل بالنساء, أن بث هذه الأقمار لا يزال يصورهن علي نحو نمطي متخلف, يكتفي فيه غالبا بإبراز مفاتن المرأة, ومحاولة إظهار أنها تفشل في الجمع بين الوظيفة أو العمل ودورها في المنزل. الدكتور مصطفي إبراهيم فهمي يري وأنا معه في أبحاث الكتاب ودراساته الممتعة عن هذه الموضوعات وغيرها مصدرا ثريا وشائعا للمعلومات عن تليفزيون القمر الصناعي والعولمة وميزاتها وتناقضاتها وتفاعل هذا كله في بلاد الشرق الأوسط, ويري أن المؤلفة قد نجحت من خلال أبحاثها الميدانية وتجولها في معظم دول المنطقة, وتعرفها علي كثير من الإعلاميين العاملين في المجال, وهي تذكرهم بأسمائهم وأسمائهن من باب التوثيق, ولإفساح المجال أمام تفاصيل لا يتسع لها حيز هذا المقال. أما درس هذا الكتاب فتلخصه هذه العبارة القصيرة الجامعة: إن شئتم تنمية بشرية حقيقية, من خلال هذه القنوات الفضائية فلابد من وجود فعلي لحرية التعبير مهما كانت إمكانياتكم في التكنولوجيا المتطورة!