في باريس, فوجئ المراقبون بفوز كوريا الجنوبية بصفقة بناء المحطات النووية لدولة الإمارات العربية المتحدة, الذي جاء بمثابة الصدمة, صدمة بالنسبة لباقي القوي النووية الأخري في العالم. وتعد كذلك صدمة للصناعة النووية الفرنسية التي تعتبر مصدرها هي قوام للصناعة الفرنسية كلها, خاصة في ظل ظروف الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية, التي تتأثر بها فرنسا واقتصادها تأثرا كبيرا يجعلها تناضل من أجل الحصول علي الصفقات, خاصة مثل هذه الصفقة الكبيرة. ربما يمكن القول أيضا إنها جاءت صدمة للدبلوماسية الفرنسية ودبلوماسية الإليزيه الذي طالما تفاخر في زياراته بالاتفاق ولو المبدئي علي صفقات كبيرة تعود علي فرنسا وصناعتها واقتصادها بالفائدة الكبيرة. تفاجأ الجميع بإعلان دولة الإمارات إرساء عطاء المفاعلات النووية علي الكونسورتيوم الذي يضم سامسونج وهيونداي الكوريتين ودوسان ووستنجهاوس الأمريكية وتوشيبا اليابانية الذي تتزعمه شركة كيبكوKepco الكورية الجنوبية. صدمة حقيقية ونهاية غير سعيدة للعام2009 بعد أن ظلت الشركات الفرنسية, علي مدي عامين كاملين منذ يناير2008, تكافح من أجل الفوز بهذا العطاء, بعد أن أعلنت هذه المجموعة خلال جولة الرئيس الفرنسي في الخليج عن بناء مفاعلين نووين من الجيل الثالث, في إطار تحالف استراتيجي غير مسبوق, تحالف أسفر في أوائل العام وبالتحديد في مايو الماضي, عن افتتاح فرنسا قاعدة عسكرية دائمة في الإمارات, قاعدة قال الرئيس نيكولا ساركوزي أنها تجسد شراكة استراتيجية طموحة ومتجددة, وهي أول قاعدة تقيمها فرنسا خارج أراضيها منذ خمسين عاما, وتضم وحدات من القوات البرية والجوية والبحرية, لكن القاعدة العسكرية شيء والصفقات التجارية شيء آخر. القاعدة العسكرية لا تنافس الحليف الأمريكي الأكبر والأعظم, في قواعده ومراكزه بل هي في نظر البعض تعد مكملا وربما داعما له, خاصة أن هناك مشكلة مشتركة يتعاون الحليفان علي التصدي لها بكل الوسائل والأساليب, هي مشكلة النووي الإيراني. ومن هنا فإنه, إذا كانت ما تسمي المؤسسة الأمريكية مجموعة المصالح الأمريكية الكبري التي تتحكم في سياسات الولاياتالمتحدة داخليا وخارجيا مستعدة لأن تسمح لفرنسا بإقامة قاعدة عسكرية, وإن كانت محدودة, في الإمارات, إلا أنه حين يتعلق الأمر بصفقة كبري مثل صفقة المفاعلات النووية, فإن الأمر يمكن أن يختلف, خاصة أن منطقة الخليج في أساسها كانت تنتمي إلي النفوذ الأنجلوساكسوني. والصفقة التي وقعتها سيول من المتوقع أن يلحق بها أيضا عقد تشغيل قيمته20 مليار دولار أخري, والمفهوم أن من يبني المفاعلات هو الأحق والأفضل لتشغيلها, حتي وإن كانت شركة كهرباء فرنساEDF تقوم بتشغيل أكبر شبكة مفاعلات نووية. إلا أن الخسارة كانت أساسا اقتصادية, وقد سعت الشركات الفرنسية لتبرير فشلها وخيبة أملها وارتفاع أسعارها علي أساس تفوق مفاعلاتها في مجال الأمن, فالعرض الفرنسي كان وفق التقارير يزيد علي نظيره الكوري ب16 مليار دولار, ومن ثم فإن العرض الكوري كان من الناحية الاقتصادية حاسما في الفوز بالصفقة, وربما كان من مبررات الشركات الفرنسية في ارتفاع أسعارها ارتفاع التكلفة, أولا انطلاقا من ارتفاع سعر اليورو المبالغ فيه جدا مقارنة بسعر الدولار. ويأتي هذا الفشل النووي الفرنسي ليضاف إلي فشل آخر قبل بضعة أسابيع لقطاع الطاقة والبترول, حيث لم تحصل شركة توتال الفرنسية علي عقد استغلال حقل مجنون في العراق الذي فاز به الكونسورتيوم الذي يضم شركة شل الهولندية ومجموعة بتروناس الماليزية. الإمارات خرجت تطيب خاطر الفرنسيين وتعلن أن صفقة المفاعلات الأربعة تمثل الشريحة الأولي من المفاعلات, وستعقبها عطاءات أخري. تري.. هل تعيد فرنسا حساباتها وتعيد النظر في أسعارها حتي تستطيع إنقاذ ما يمكن إنقاذه وتدخل في الصفقات المرتقبة والمتوقعة في عدد من دول المنطقة, خاصة أن كفة عامل الفوز السياسي هي دائما- أو علي الأقل غالبا- لمصلحة واشنطن ومن تقف وراءه؟!