منذ انطلقت الدعوات إلي توفير الطاقة النووية للدول الراغبة, وصاحبها في الوقت نفسه ازدياد الطلب للحصول عليها، دعوات قد لا يكون دافعها مجرد تقديم المساعدة للدول المحتاجة, وإنما أيضا الترويج لسلعة تعود علي بائعيها بمئات المليارات من الدولارات واليوروهات. وطلبات قد لا يكون هدفها فقط سد احتياجات التنمية, وإنما تتجاوز ذلك إلي الرغبة في امتلاك سلاح يمتلكه الجيران ويهددون من خلاله ويتوعدون. وإذا كان ما يسمي بالمجتمع الدولي قد سمح لدولة ما, أو ساعدها علي امتلاك هذا السلاح, فكيف ولماذا يحرمه علي الآخرين. وهنا تكمن الخطورة المزدوجة, بين تحقيق أرباح تجارية, ونقل هذه الطاقة الي دول لم تتأهل بعد لهذا المستوي, فضلا عن وصول هذه التكنولوجيا إلي دول غير ملتزمة, الأمر الذي يهدم مفهوم حظر الانتشار, خاصة في ظل مطالبات متزايدة بضرورة تخليص العالم من السلاح النووي, والوصول به إلي الصفر, أو ما يعرف باسم جلوبال زيرو. وربما كان هذا هو السبب وراء انعقاد القمة المقررة في12 و13 إبريل الحالي في واشنطن, التي دعا إليها الرئيس الأمريكي أوباما, والتي تتمحور حول مكافحة تهريب التكنولوجيا الحساسة, كما ترمي إلي تسهيل الوصول إلي اتفاق دولي قبيل انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي المقرر في نيويورك في شهر مايو, والذي ينبئ بمواجهات صعبة. بينما يسير الرئيس ساركوزي, في اتجاه آخر, يستهدف الترويج للطاقة النووية, من خلال الدعوة لعقد مؤتمر دولي حول الوصول إلي النووي المدني, وإن كان البعض اعتبره مكملا, وليس متعارضا, مع مؤتمر أوباما, ووفقا لتقديرات الرابطة العالمية للطاقة النووية, فإن المطلوب, إقامة أكثر من450 محطة نووية في العالم خلال العشرين سنة القادمة, من الآن وحتي عام2030, بما يعني سوقا بمئات المليارات من الدولارات, وهو أفق شديد الإغراء للشركات الامريكية, واليابانية, والروسية, والألمانية, وأيضا الفرنسية. والرئيس ساركوزي, هو أكبر داعية في الغرب, يروج لفكرة نقل التكنولوجيا النووية, للاستخدامات السلمية, إلي دول الجنوب النامية, لكيلا تكون حكرا علي الدول الكبري المتقدمة. ولهذا الغرض, نظم ساركوزي في باريس مؤخرا, مؤتمرا دوليا حول الوصول إلي النووي السلمي, شارك فيه مسئولون من أكثر من60 دولة راغبة في امتلاك محطات نووية. ويوضح برناركوشنير رئيس الوزراء الفرنسي أن فرنسا قد حددت اختيارها الحاسم للنووي السلمي لنفسها, وقامت بتطوير شبكة صناعية كبري في هذا القطاع, وخصوصا مع مجموعة أريفا, وهي تعتمد علي الطاقة النووية, في إنتاج80% من حاجتها للكهرباء, والمعروف أن فرنسا من أكثر الدول تقدما في مجال الأمان النووي ولديها الجيل الثالث من المفاعلات. والرئيس ساركوزي منذ توليه الرئاسة, وفي الزيارات التي قام بها للدول العربية, من المحيط إلي الخليج, روج للنووي المدني الفرنسي, بل ووقع في عدد من الدول في شمال أفريقيا, والخليج, علي بروتوكولات مبدئية للتعاون في إقامة محطات نووية لتوليد الكهرباء, وإن كان قد صدم بفقدان فرنسا صفقة المحطات التي عقدتها دولة الإمارات مع الكونسورتيوم الكوري الجنوبي الأمريكي. ويري ساركوزي أيضا في الطاقة النووية, تأمينا للطاقة المطلوبة للحد من انبعاث الغازات المدمرة للبيئة, وإن كان هذا المنظور لا يشاطره إياه أنصار البيئة المعارضون بشدة للطاقة النووية ومخاطرها المحتملة, خاصة وأن كارثة تشيرنوبيل لاتزال عالقة في الأذهان, ولكن الترويج للانتشار النووي المدني, لا يعني أنه إنتشر أو سينتشر بين عشية وضحاها, فالأمر ليس بهذه البساطة, لأن أي بلد لديه خبرة في هذا المجال, يحتاج علي الأقل إلي ما بين10 سنوات و15 سنة كي يطلق برنامجا للنووي المدني. وحرصا علي أن تمتلك الدول المتنوعة هذه الطاقة في ظل أفضل ظروف الأمان, أعلن ساركوزي عن انشاء معهد دولي للطاقة النووية يضم أفضل المعلمين والباحثين الفرنسيين, وذلك في اطار شبكة دولية ترمي إلي تدريب وتأهيل متخصصين في الطاقة النووية المدنية. ولكن انتشار النووي المدني, يستلزم أيضا ضرورة تأمين الاطار القانوني, ووضع أعلي المعايير في مجال الأمان والأمن وحظر الانتشار, وجعلها إلزامية عالميا. وهنا يؤكد نيكولا ساركوزي الصلة بين تشجيع النووي السلمي, وتعزيز معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية لعام1968 والتي ستتم مناقشتها ومراجعتها في مؤتمر في نيويورك, فالدولة التي تريد الحصول علي النووي المدني, لابد أن تكون موقعة وملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار, والبروتوكول الاضافي للوكالة الذرية. ويؤكد ساركوزي ان فرنسا لن تتهاون في الدفاع عن حق كل دولة في الوصول إلي النووي للأهداف السلمية, كما لن تتهاون في الوقوف ضد أولئك الذين ينتهكون قواعد أمننا الجماعي. وهنا يمكن أن نتساءل, عما إذا كان ساركوزي بترويجه للنووي السلمي, يسعي إلي تبرئة الغرب من تهمة حرمان غيره ما استباحه ويستبيحه لنفسه ولإسرائيل؟!. ويؤكد كوشنير أنه لن يكون هناك نزع للسلاح النووي, وفقا لفكرة جلوبال زيرو, أو الإزالة الكاملة لكل الأسلحة النووية وهي الفكرة التي يتبناها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. كما أنه لن تكون هناك تنمية للنووي السلمي, ما لم يتم وقف الانتشار. ويشير كوشنير إلي ما أعلنه ساركوزي في مجلس الأمن في24 سبتمبر2009 من أننا لدينا أسباب للحديث عن المستقبل, ولكن قبل أن نتحدث عن المستقبل, يوجد الحاضر, وهو يكمن في أزمتين نوويتين كبريين, الأزمة الإيرانية وأزمة كوريا الشمالية, ويوضح كوشنير أن فرنسا ضمن مجموعة الستة تجاهد من أجل الحوار مع ايران وتحقيق تسوية للأزمة, ولكنها لم تصل إلي أية نتيجة حتي الآن. أما كوريا الشمالية وفق كوشنير فهي لا تهدد فقط أمن واستقرار المنطقة, وانما عبر تعاونها مع دول أخري خاصة في الشرق الأوسط, فإنها تصدر خميرة اللا أمن التي لابد من سد الطريق أمامها. ولكن فرنسا كعضو دائم في مجلس الأمن عليها مسئولية لضمان السلام والأمن, وهي تصر وتشدد علي مطلب لا ينفصل عن عرضها, يقوم علي ضرورة أن يتم تطوير النووي, وفق أفضل ضمانات الأمن والأمان وحظر الانتشار, الأمر الذي يمر عبر تعزيز الوكالة الدولية للطاقة الذرية, وعبر معايير علي أعلي مستوي من الأمن والأمان النووي, ومنع الانتشار غير المراقب للتكنولوجيات الأكثر حساسية لدورة الوقود والتخصيب واعادة المعالجة, مع ضمان التزويد بالوقود النووي, ربما من خلال اقامة بنك دولي للوقود, تدعو إليه الوكالة الدولية. وفرنسا كما يقول كوشنير تريد نطاقا نوويا عالميا جديدا, يكون عاملا للرخاء للجميع, ويجعل من الأمن الجماعي واقعا وحقيقة, فضلا عن فكرة إخلاء الشرق الأوسط السلاح النووي التي نادي بها الرئيس مبارك قبل عقود, ولم تجد لدي المجتمع الدولي آذانا صاغية وقوي منفذة حتي الآن.