لم يعد تعبير المثقف مفهوما في هذه الفترة التي نعيش فيها, نقصد دور المثقف وما يجب أن يقوم به, وفي الحالتين_ البحث عن الاسم أو الدور_ يرتبط بهذه' الحالة' التي أصبح فيها متعلمونا ممن نطلق عليهم صفة المثقف أو الناقد أو الكاتب.. نسارع بالقول هنا إن مفهوم المثقف, الفاعل, العضوي_ إذا جاز لنا استخدام بعض أنماط جرامشي_ لم يعد قائما في البحث عن دور هذا المثقف.. لم يعد المثقف_ الدور كما تعرفه أدبياتنا ومثقفينا قائما بيننا.. هل نتسرع في الحكم علي المثقف ونسارع بالقول هنا بجملة اعتراضية هي أن المثقف أيا كانت هيئته فهو الذي ينتمي لعصر الثقافة الفضائية عبر البث الأرضي و الفضائي او المشفر- وهي نسبة عالية تتساوي فيها نسبة شبابنا الذي يبدو في الظاهر أنه ينتمي للبث الإعلامي في حين أنه حين ينصرف بثقافته ومعرفته من الأجهزة الإعلامية فهو يعود إليها عبر الوسائط الرقمية; بعد أن أصبحت كل هذه الأجهزة مسيطرة علي ذهن المشاهد.. وهو ينصرف بثقافته ومعرفته من مصر فإنه يتواجد خارجها- في زمن تأثير الطيف الجغرافي_ إلي مناطق شاسعة حولنا, خاصة بعد أن أصبحت الشبكات الإعلامية المصرية تصل إلي المشرق والمغرب. تنتهي الجملة الاعتراضية ونعود إلي البحث عن دور هذا المثقف ونحن نستعيد السؤال حول غياب أو حضور هذا المثقف.. إذن تنصرف' حالة' هذا المثقف إلي هؤلاء الذين يمارسون الفعل الثقافي صناعة أو استهلاكا.. في الوسائل الرسمية والأجهزة الإعلامية المشاعة بيننا في السر وفي الجهر.. وهو ما يدفع بنا إلي التوقف عند مثقف بعينه ونحن نستعيد سؤالا قديما.. * أين هو المثقف الفاعل في الفضاء الإعلامي؟ إنه التأثير الإعلامي الحاد الذي يبدو تأثيره الكبير عبر_ أو علي- العديد من الظواهر الإعلامية التي تدخل كل بيت دون استئذان.. ويصبح ضروريا في هذا البحث عن دور هذا المثقف المراقب أو الحارس للقيم الإنسانية والقومية في عصر السماوات المفتوحه, حيث تغيب فينا قرابة مائة قناة إعلامية أو نغيب فيها كما رأينا في الشهر الفضيل.. نقول هذا كله ونحن نسأل عن هذا المثقف الذي تتكون من رموزه هذه اللجان المسئولة عن دراما التليفزيون هذا العام; فالمعروف أو ما هو معلن أنه لا يمكن اعتماد اي مسلسل درامي دون اعتماد لجنتين شكلتا من أولئك المثقفين, إحداهما لجنة فنية من التليفزيون والأخري_ وهو ما يهمنا أمرها هنا_ ثقافية رقابية من المثقفين العاملين في المجال العام, وهما لجنتان أعلن عنهما لأكثر من مرة المهندس اسامة الشيخ.. وتوقف عندهما أكثر من مرة وهو يبرهن علي أنه لا تخرج دراما إلي المشاهدة الحية دون أن تمر علي أكثر من لجنة, ولجنة' المثقفين' تصبح لجنة مهمة يدلل علي وجودها من آن لآخر كلما واجه الدهشة أو العجب لعرض هذا المسلسل أو ذاك.. تصبح الحاجة ماسة هنا إلي السؤال عن دور هؤلاء المثقفين في' هوجة' الدراما التليفزيونية التي هجمت علينا جميعا في الشهر الكريم..ومع أنه يصعب السؤال عن دور هؤلاء المثقفين لكل هذه المسلسلات, فإننا سنكتفي بالإشارة هنا إلي بعضها: الجماعة- أول مسلسل درامي يرصد حركة الإخوان المسلمين في فترة انطلاقها وقد قرأنا جميعا رفع ابن حسن البنا دعوي قضائية أمام محكمة القاهرة الاقتصادية ضد كل من مؤلف مسلسل' الجماعة' والمنتج المشارك واتحاد الإذاعة والتليفزيون_ والذي يعرض الآن.' مطالبا بوقف عرض المسلسل وتسليمه نسخة من السيناريو للاطلاع عليها ومدي مطابقتها للسيرة الصحيحة لأبيه حسن البنا_' فضلا عن إنشاء مواقع وتدوين مدونات في معارضة ما جاء في المسلسل.. ثم نحن أمام' شيخ العرب همام'_ وهو أيضا أول مسلسل درامي تاريخي يرصد دور شخصية وطنية عرفت بالفعل في مصر قبل أكثر من قرنين من الزمان تواجه بنفس الاتهامات أيضا, ونحن نعرف أن هذه الشخصية لها توثيق تاريخي مسجل, دفع بعضه أحفاد الشيخ لكاتب النص قبل الانتهاء منه, فضلا عن الكتابات التاريخية الموثقة التي يعرفها اي مؤرخ معاصر فضلا عما يؤكده المؤرخون الآن من نفي العلاقة بين كليوباترا التاريخ وكليوباترا المسلسل; والكلام كثير كثير.. وما يقال عن' الجماعة' أو'شيخ العرب هنا يقال عن' السيد المسيح' و'ليلة عيد' و'باب الحارة' في المشرق و'ساعد القط' و'عذراء الجبل'في المغرب.. فالأخطاء التاريخية هي هي والنطق المعيب بالعربية أو اللهجات المحلية هي هي, واتساع ألوان الطيف العربية والإسلامية في' غياب' واع واحد هي هي; لا جديد.. ندرك أن بعض ما يثيره هذا المسلسل أو ذاك ينتمي إلي حرية التعبير, والفن الدرامي وهي حرية مسموحة للمشاهدين والمثقفين, لكن ندرك أيضا أن في هذا المسلسل أو ذاك الكثير مما كان يجب تداركه في الكتابة, خاصة أن مفكرا مثل حسن البنا أو شيخ العرب همام وغيرهما.. يثير الكثير من ردود الأفعال, ويثير الكثير من ألوان النقد البريء البعيد عن التعصب لرأي أو وجهة نظر.. وفي الحالتين, نفتقد دور المثقف.. المثقف العضوي الفاعل لا الذي يرفل في ثياب المثقفين والاعلامي الصائح لا الصانع في ثياب الدعاة الجدد.... الورقة الأخيرة: وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم:( إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من صدور العلماء, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتي إذا لم يبق عالم, اتخذ الناس رؤوسا جهالا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)