يثير تعبير الغد في النفس قدرا من الأمل أن يأتي مستقبل الأيام محملا بالحقائق الجيدة والطموحات المتحققة. ولعل إصرار مجموعة من الشباب في عام2004 علي إنشاء حزب يسمونه الغد كان يعكس هذا الأمل الدفين في أن يكون الحزب الجديد حزبا للمستقبل وليس للماضي. الفكرة الرئيسية في تحركات هؤلاء الشباب أن يقدموا رؤية عملية لليبرالية السياسية والاقتصادية وأن يكونوا بديلا للحزب الوطني الحاكم, وحزبا ليبراليا مختلفا عن حزب الوفد تحديدا الذي طالما ارتبط تاريخيا بأنه حزب الليبرالية بمعناها الواسع, فضلا عن أن يكون الحزب الجديد آلية استقطاب وجذب التأييد الجماهيري لاسيما من فئة الشباب لإثبات شرعية الحزب وكونه مدعوما بزخم شعبي كبير. جاء برنامج الحزب طموحا, وتضمن توصيف الحزب لنفسه بأنه حركة ليبرالية اجتماعية تجمع طليعة من جيل الشباب المصري الساعي إلي مشاركة جادة في الإصلاح السياسي والاجتماعي, أما اهدافه فهي الإصلاح الاقتصادي والسياسي الشامل, ومشروع قومي لدعم واكتشاف الموهوبين ومساعدة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة, ومواجهة أزمة المياه, إضافة إلي مكافحة الإدمان وتحديث مختلف أجهزة وزارة العدل وجمع شتات التشريعات وإعادة إصدارها في تقنين واحد. وكان لافتا للنظر أن يكون من بين مؤسسي الحزب بعض رموز فكرية وسياسية, انضمت للحزب علي أمل أن يقدم جديدا في الحياة الحزبية والسياسية, وأن يكون بالفعل حزبا يدفع بالمنافسة مع الحزب الوطني إلي الامام ولصالح البلاد والعباد معا. ولذا رأينا أسماء ذات وزن في قائمة المؤسسين من بينها د. مني مكرم عبيد وبشري عصفور, ومحمد فريد حسنين, وجلال غريب, ورجب هلال حميدة, ومحامون وسفراء وأساتذة جامعات وأبناء وزراء, غير ان كثيرا من هذه الاسماء سرعان ما توارت ولم يعد لها أي صلة بالحزب. وقيل إن من أسباب الخروج عدم الارتياح للطريقة التي يدار بها الحزب, ولكون الحزب عمليا لا يختلف كثيرا عن تلك الاحزاب القديمة التي فقدت تأثيرها في الشارع وفي الناس, ناهيك عن تحول الحزب إلي حزب الرجل الأوحد. وفي بداية النشأة كان عدد كبير من الاقباط أعضاء في الحزب اقتناعا بأنه سيكون الحزب الليبرالي الاول, لكن الرياح لا تأتي دائما بما تشتهي السفن, فقد خرج الاقباط أيضا, ومنهم من برر ذلك بأن زعيم الحزب ذهب ليتحالف مع الاخوان قبل انتخابات الرئاسة2005, وهو ما يتناقض مع مبادئ الغد التي ترفض تكوين الاحزاب علي أسس دينية, في حين دعا أيمن نور رئيس الحزب آنذاك لتشكيل حزب لجماعة الاخوان. وكان لافتا للنظر أيضا أن فكرة الزخم الشعبي واستقطاب عدد كبير من ممثلي الاجيال المختلفة ربما كانت وراء الاصرار علي أن يكون عدد مؤسسي الحزب عدة ألوف ومن كل المحافظات وليس مجرد عدد محدود كما ينص عليه القانون, وكيف لا وهم يسعون إلي إزاحة الحزب الحاكم عبر حركة شعبية من اسوان إلي الاسكندرية, وهي الفكرة نفسها التي جعلت مؤسسي الحزب يؤمنون بأنهم بالفعل يعدون البلاد لمستقبل ليبرالي افضل. لكن آلاف المؤسسين لم يكن كلها خيرا, فقد ثبت أن فيهم بعض الشر وبعض التزوير, وأحكاما قضائية بالسجن, ونظرا لكونها جريمة شرف فقد تبعها حرمان من الحقوق السياسية, لاسيما لمؤسس الحزب ورئيسه. لكن ثبوت جريمة التزوير حسب وقائع المحاكمة لم يمنع انصار رئيس الحزب المدان قضائيا من ترديد أن المحاكمة كانت سياسية وانها كانت من اجل تشويه السمعة نظرا لتجرؤ رئيس الحزب السابق علي منافسة رئيس البلاد في اول انتخابات رئاسية تنافسية جرت وقائعها في سبتمبر.2005 جاء الافراج الصحي علي رئيس الحزب المدان قضائيا بعد حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة من العقوبة, جرت خلالها عمليات ضغط أمريكية واوروبية لغرض العفو عنه باعتباره من وجهة نظر المحافظين الجدد في واشنطن ممثلا لرغبة التغيير المنشودة في مصر وفقا لنظرية الفوضي الخلاقة التي ابتدعتها وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس اثناء الولاية الثانية للرئيس بوش الابن, وكانت تعني ان التغيير المطلوب ليس بالضرورة ان يأتي منهجيا ووفق خطة يضعها أبناء الوطن, بل يمكن ان تأتي نتيجة ضغوط سياسية وإعلامية لكي تصب في مصلحة أناس مختارين أمريكيا, ويرجي من ورائهم المزيد من التلاحم مع الرؤي الامريكية عن الديمقراطية والاصلاح. غير ان تلك الضغوط لم تفلح في تغيير الحكم القضائي وتبعاته, كما لم تفلح في سرعة الافراج عن صاحب الحكم, بل كانت الاعتبارات الصحية المتعلقة بأوجاع القلب والضغط والسكري, ووفقا للالتماسات التي قدمت اكثر من مرة للجهات المسئولة هي السبب وراء قرار الافراج المفاجئ يوم19 فبراير2009, والذي تبعه سؤال كبير, ما زال مطروحا بقوة ويتعلق بالمصير السياسي لمؤسس الحزب ورئيسه السابق في ضوء وجود تبعات وفقا للقانون تتعلق بالمنع من الحقوق السياسية لمدة خمس سنوات, وهي مدة كفيلة بأن تعبر الانتخابات البرلمانية والرئاسية دون مشاركة فيهما. لكن الطموح لا يمكن الوقوف أمامه, والأمل في استعادة زخم سياسي إعلامي تدفع دائما للمغامرة والتمسك بأهداب الأمل مهما كانت ضعيفة. نري ذلك في رغبة مؤسس الحزب ان يكون مرشحا في الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر أن تكون بعد عام تقريبا. والطرح القائم هو إما أن يلغي الحكم القضائي وما يترتب عليه من نتائج, وهو ما يبدو مستحيلا, او ان يتم وقف العمل بالمنع من ممارسة الحقوق السياسية قانونيا, وهو ما يشار إليه بأنه قابل للتحقيق من خلال تقديم التماس لإعادة المحاكمة قبل ثلاثة أشهر من موعد انتخابات الرئاسة, لتعاد محاكمة رئيس الحزب السابق, وفيها سيتم اثبات ان القرار الصادر في عام1938 قد تم الحكم بعدم دستورية بعض فقراته, وهو ما سيؤدي إلي الغاء الحكم الصادر بالمنع من الحقوق السياسية وبالتالي يلغي سبب منعه من الترشح. لكن تظل تفاصيل التحرك في طي الكتمان وصولا إلي اللحظة المناسبة. وإلي ان يحدث ذلك تظل مشكلة من يرأس الحزب صداعا في رؤوس كل الاعضاء والقيادات علي حد سواء. ويعود الامر إلي ذلك التنافس الحاد الذي نشأ علي منصب رئيس الحزب, بعد أن تم حبس مؤسس الحزب ورئيسه الاول, فقد نشأت جبهتان, الاولي لنائب مجلس الشوري موسي مصطفي موسي, والثانية لايهاب الخولي المقرب من مؤسس الحزب. وهو التنافس الذي أريد حسمه قضائيا, فصدرت احكام مختلفة حسب درجة التقاضي إلي ان انتهي الامر في المحكمة الادارية العليا التي أيدت رئاسة موسي مصطفي موسي, وتطابق ذلك مع اعتراف لجنة شئون الاحزاب برئاسته قانونيا. لكن الامور في اروقة الحزب تبدو وكأنها غير محسومة, فقد دعت جبهة الخولي إلي جمعية عمومية أيدت الرئيس السابق رئيسا للحزب ومنحته عضوية الهيئة العليا للحزب, وحق الترشح عن الغد في الانتخابات الرئاسية المقبلة, وهو ما دفع رئيس الحزب موسي مصطفي موسي إلي وصف ما يحدث بأنه مناورات سياسية لا أثر قانوني لها. ورغم صحة التوصيف, فثمة اثر أخر لم يكن يمكن تفاديه, ويتعلق بأن الحزب بات كمؤسسة فاقدة التضامن الداخلي ومنقسمة علي نفسها, خاصة في ضوء التحركات التي يقوم بها الرئيس السابق للحزب تمهيدا لترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية وتجد تغطية إعلامية بارزة من صحف مستقلة بعينها نظرا لما فيها من إثارة, من قبيل تدشين حملة بعنوان مايحكمش وإطلاق مبادرة عن ضمانات الانتخابات وتأكيد ان محمد البرادعي مجرد مرشح افتراضي مقارنة به المرشح الواقعي, والدخول باسم حزب الغد في تحالف مع ستة احزاب صغيرة لموازنة تحركات الاحزاب الاربعة الكبيرة. كل ذلك بينما يتواري الحديث عن تحركات او مواقف رئيس الحزب المعترف به قانونا, وهو الأمر الذي يزيد درجة البلبلة والغموض بشأن طريقة إدارة الحزب ومدي قدرته علي أن يشارك في الانتخابات البرلمانية التي تدق الابواب بقوة. هذا الانقسام الذاتي والخلاف حول طريقة إدارة الحزب تفسر بعض التطورات الصاخبة, من قبيل تقديم اكثر من ثلاثين عضوا بالحزب عن الاسكندرية استقالاتهم, التي تم تفسيرها بأنها تعبير عملي لرفض الانفراد بالقرار الذي يعمل علي هديه رئيس الحزب السابق, ومخالفته لائحة الحزب بتعيين نفسه وآخرين أعضاء في الهيئة العليا للحزب وتسيير الحزب لمصالح شخصية, حسب تعبيرات المهندس السيد بسيوني رئيس حزب الغد بالإسكندرية. وكان قد تردد أن النائب رجب حميدة قد استقال من الحزب في يوليو2009, ولم تعرف الاسباب. ولذا يظل التساؤل مطروحا كيف يمكن لحزب ان يدير معركة انتخابية برلمانية او رئاسية في ظل انقسامات وصراعات قضائية تأخذ الكثير من الوقت والجهد والأموال, وكان يفترض أن توجه ناحية جذب الانصار وتعضيد المواقع الشعبية لمرشحي الحزب في مواجهة المنافسين. لكنها عدوي التمسك بأهداب السلطة, سواء كان الامر قانونيا ام وهميا. المزيد من مقالات د. حسن أبو طالب