علي الرغم من حسن النيات الذي يبديه عدد من الدوائر السياسية وبعض الوسائل الاعلامية في الدول الأوروبية حول الاسلام والمسلمين في تلك البلاد, علي الرغم من ذلك فإن مجريات الأحداث لا تسبغ علي تلك الظواهر والمجريات والمواقف رداء المصداقية الذي يقنع المراقبين للشأن الإسلامي في أوروبا والمهتمين به.. ومن خلال تتبع حركة المد والجزر التي يشهدها الشأن السياسي والاعلامي الأوروبي في بناء جسور العلاقة مع الإسلام والمسلمين يتضح أن الأمور ليست بالمستوي المأمول, فالمسلمون في أوروبا يحشرون في زاوية( الأقليات)تارة وفي ركن( الجاليات) تارة أخري.. علي الرغم من أن عددا لا بأس به من المسلمين يري في كونهم( أقلية) حافزا علي المطالبة بحقوق الأقليات التي يقال إن القوانين الأوروبية تحترمها.. كما أن وضعهم ضمن الأقليات يساعدهم علي التمتع بميزات تعلن القوانين الأوروبية أنها تدافع عنها من قبيل احترامها للأقليات الإثنية والدينية في البلدان, رغم ذلك الوضع فإن رياح الديمقراطيات الأوروبية لم تجر كما تشتهي سفن ومراكب الأقليات, خاصة( الأقليات المسلمة). هل أخطأ دعاة وضع المسلمين في زاوية( الأقليات) حين قبلوا ذلك وروجوا له؟ البعض يقول إنهم اخطأوا من عدة أوجه, أهمها أنهم تجاهلوا ربما عن حسن نية أن عددا كبيرا من الأوروبيين اختاروا الاسلام دينا, وكونهم من الأوروبيين ربما لا يقبلون أن ينسلخوا من مجتمعهم ومحيطهم ليجدوا أنفسهم في زاوية( الأقليات)الضيقة.. ولن يكون من السلامة أن يعزل المواطن عن مجتمعه بسبب عقيدته ليحشر في ركن( الأقليات) مع ما في ذلك من انتقاص لحقوقه, وتجن علي وضعه باعتباره عنصرا فاعلا في مجتمعه.. إن اعتبار المسلمين الأوروبيين من ضمن( الأقليات) من شأنه كما يقول البعض أن يدفع بهم إلي الشعور بالعزلة, ويشعرهم بأن مجتمعهم قد قذف بهم بعيدا عنه واعتبرهم( غرباء) عن نسيجه, وهو أمر لا يقبله الإسلام, ولا يقره, فالمسلم ينبغي أن يكون عنصرا فاعلا في مجتمعه مع احتفاظه بثوابت عقيدته.. ويذهب البعض إلي أن إصرار بعض المسلمين وعدد كبير من الأوروبيين ساسة وإعلاميين من غير المسلمين علي اعتبار المسلمين في المجتمعات الأوروبية( أقليات) من شأنه أن يحول بينهم وبين التفاعل والاندماج وليس الدمج في محيطهم, وعلي الرغم من الحجج التي يسوقها دعاة الاستفادة من وضع( الأقليات)في القوانين الأوروبية أو في بعضها علي الأقل فإن شعورا بالغربة وعدم قبول تلك المجتمعات للمسلمين سيحول بلا ريب دون. الشعور ب( المواطنة الكاملة), وهو ما ينعكس سلبا علي نفسية المسلمين, خاصة الأوروبيين, ويتضح ذلك بشكل كبير في الجيلين الثاني والثالث من أبناء الذين شدوا الرحال صوب البلاد الأوروبية. يبدو أن مفهوم( المواطنة) لم يتبلور بشكل دقيق, وهو في حالة تغير شبه دائمة, وهل صحيح أن مفهوم( المواطنة) قد يصطدم في بعض معطياته وأسسه مع أسس وثوابت هذه العقيدة أو تلك؟ لكن ذلك ليس مسوغا لأن يجد الأوروبي نفسه خارج دائرة المواطنة إن هو أصبح مسلما, وأن يلحق شاء أم أبي ب( الأقلية المسلمة أو الجالية المسلمة) بينما جذوره الأسرية ربما تنحدر من إحدي الأسر الأوروبية الحاكمة في القرون الوسطي.. إن الجدل الذي تعيشه فرنسا علي سبيل المثال حول الهوية هو محاولة لتحديد معني الهوية الفرنسية, بمعني الاجابة عن السؤال: من هو الفرنسي؟ والواقع أنه إذا ما عدنا إلي أسباب هذا الجدل فسنكتشف وبكل أسف أنه نابع من خوف غير مبرر من الإسلام, وخوف غير مبرر من المسلمين المهاجرين. المشكلة تكمن في السؤال التالي: ما موضع الفرنسيين أبا عن جد والذين أصبحوا مسلمين؟ هل سيعانون من تغير معني( المواطنة) هل هم من الفئات التي سيتكون خارج( الهوية) الفرنسية التي يعاد رسم ملامحها في بلد يقول انه أهدي العالم أول جمهورية, ويقول انه فتح عيون الناس علي قيم الحرية والإخاء والتسامح؟, إن ما يجري دليل واضح علي عمق المأزق الذي وجدت فرنسا نفسها فيه, لكن ذلك من شأنه أن يحفز المعنيين بشأن المسلمين الأوروبيين علي محاولة البحث عن حلول لا تقصي المسلمين عن دائرة المواطنة الكاملة, ولا تنتزعهم من هويتهم بسبب عقيدتهم أو تدفع بهم إلي التنازل عن ثوابت عقيدتهم