اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام تعقد اجتماعها الختامي.. وتناقش إعداد تقرير نهائي بتوصيات قابلة للتنفيذ| صور    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    «تنمية التجارة» يبحث إطلاق منصة رقمية لتسهيل الشراء الإلكتروني    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في ختام تعاملات اليوم    مركز للتلقيح الاصطناعي وتحصين 1.1 مليون حيوان.. أبرز إنجازات الطب البيطري بسوهاج في 2025| صور    لأول مرة.. حماس تعلن الاسم الحقيقي ل «أبوعبيدة» الناطق العسكري باسم كتائبها    الجيش التايلاندي يتهم كمبوديا بانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار    شباب كفرالشيخ تنظم معسكرات تحدي الشباب لتعزيز الوعي بالتغير المناخي |صور    جوهرة فرنسا.. عثمان ديمبيلي ملك الكرة الذهبية في 2025    عودة بيدري وأراوخو لتدريبات برشلونة    سقوط 6 طلاب بعد مشاجرة بالأسلحة البيضاء بسبب اللهو بالشرقية    «مشينا» تفتتح الألبوم الجديد لمحمد قماح وسط نشاط فني مكثف وتكريمات    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    بالبدلاء.. منتخب مصر المتأهل يكتفي بنقطة أنجولا في كأس أمم أفريقيا    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    بحكم محكمة.. هيفاء تغنى فى مصر    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    محمد إمام: أحمد شيبة وعصام صاصا هيغنوا تتر مسلسل الكينج في رمضان 2026    الفقه المصرى والإسرائيلى فى أولويات المشروعية!    أول تعليق ل ترامب بعد محاولة استهداف أوكرانيا ل مقر إقامة بوتين    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    واشنطن بوست: صور أقمار اصطناعية تكشف توسع الصين في تصنيع الرؤوس النووية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    وزير الاستثمار يبحث مع وزير التجارة الإماراتي سبل تعزيز التعاون الاقتصادي    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    عاجل- مدبولي يترأس اجتماعًا لتطوير الهيئات الاقتصادية وتعزيز أداء الإعلام الوطني    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    ارتفاع جماعي في مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    الجيش الصيني يجري مناورات حول تايوان لتحذير القوى الخارجية    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    ترامب يحث زيلينسكي على تسريع عقد اتفاقية سلام ويحذر من خسائر إقليمية جديدة    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    عقب انتهاء الفرز.. مصرع مستشارة وإصابة موظفتين في حادث مروري بقنا    مشروبات تهدئ المعدة بعد الإفراط بالأكل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر وبنوك المياه
نشر في الأهرام اليومي يوم 01 - 09 - 2010

في المناطق الصحراوية‏,‏ مثلنا في مصر‏,‏ تصبح المياه كالأموال وأكثر‏,‏ فمن المياه كل شيء حي كما جاء في محكم القرآن الكريم‏.‏ ونتيجة لموقعنا الجغرافي وتاريخنا الجيولوجي أصبح لدينا نوعان من بنوك المياه‏,‏ وربما في مستقبل جد قريب يمكن أن يضاف الينا بنك ثالث اذا أصبنا في علاقاتنا بدول حوض النيل‏.‏ هذه البنوك هي‏:‏
‏1‏ بنك النيل في وضعه الحالي‏.‏
‏2‏ بنك المياه الباطنية في الصحراء الغربية
‏3‏ بنك النيل باتفاقات جديدة مع دول المنابع الاثيوبية والاستوائية‏.‏
لكل من هذه البنوك مواصفات موجزها نستمده من مصطلحات بنوك الأموال‏.‏ فالبنك النيلي في حالتيه الحالية والمستقبلية هو رصيد حساب جار يتجدد سنويا حسب جمع من الظروف المناخية في أعالي النيل وما يصل من مياهه الي مصر‏.‏ ويعتمد سحبنا من الرصيد المائي علي طريقة استخدامنا الرشيدة أو المرشدة للمياه بحيث تظل العلاقة بين السحب والايداع علاقة متوازنة أو شبيهة ذلك علي مر السنين‏.‏
أما بنك المياه الباطنية فهو أقرب الي نظام الودائع‏,‏بحيث نصرف منه قدرا لا يخل بالوديعة إلا لماما وفي بعض العهود‏.‏ وقد كان ذلك سمة الحياة في الواحات علي مر آلاف السنين لكننا فقدنا جزءا من تلك الوديعة في تجارب عدة مثل تجربة الستيينات من القرن الماضي في واحة الخارجة‏,‏ ونفقد حاليا أجزاء أخري من الوديعة في الفرافرة والداخلة وسيوة وعلي طول الطرق الصحراوية غرب الوادي وبخاصة منتجعات طريق القاهرة الاسكندرية الصحراوي‏.‏
المياه الباطنية هي نتاج عصور متتابعة من الأمطار والجفاف استغرقت المليون سنة الأخيرة‏,‏ وربما كان آخرها من أمطار محدودة في الفترة بين الألف السابعة والخامسة قبل الآن نتيجة تحرك نطاق المطر الصيفي السوداني شمالا وإنسحابه بعد ذلك جنوبا مخلفا صحاري مصر الغربية والشرقية وصحاري السودان الشمالية‏,‏ ومن الصعب الاجابة علي السؤال الدائم‏:‏ هل هناك إعادة تغذية للخزان الجوفي؟ ربما يكون ذلك اذا دخلنا عصرا مناخيا أكثر رطوبة في مستقبل هو بعمر الانسان بعيد‏.‏ والواضح حتي الآن أننا نمر‏,‏ بل نستغرق ونتعمق في عصر جفاف شديد الفحولة منذ نحو خمسة آلاف سنة‏.‏ وبرغم بعض مؤشرات فاروق الباز من قراءات لصور فضائية ومغناطيسية حول وجود آثار لأودية نهرية واسعة تحت عشرات أو مئات الأمتار من الرمال تسير في محاور من الشمال الشرقي للجنوب الغربي قرب الحدود المصرية السودانية فإن ذلك يعوزه الدليل بتكلفة حفر عالية لواحد من تلك المسارات ومدي ما يحمله من مياه في مسام صخوره‏,‏ ويجيب علي التساؤل أنه اذا كان مساره كذلك فإن النتيجة أنه يحمل المياه الباطنية في اتجاه السودان وتشاد‏.‏ وجود المسارات النهرية والبحيرات في الصحراء الغربية خلال عصور مطيرة أمر مقبول جيولوجيا ومورفولوجيا وأدلته كثيرة في الصحراء المصرية فماذا يقال من آراء نحو مخزون المياه الجوفية في مصر؟ أغلب الآراء أنه لا توجد أية تغذية بالحجم الذي يوازي ما نضخه من المخزون المائي في مشروعات الاستزراع الحالية والمخططة مستقبليا‏.‏ ومن ثم فإن المخزون قد يكفي عقودا قليلة اذا كان الضخ جائرا‏,‏ وعقودا أطول اذا رشدنا ضخ المياه ورشدنا استهلاكها بمحاصيل غير نهمة للمياه‏.‏
وعكس ذلك يري المتفائلون وهم قلة وأغلبهم يتكلمون بمنطق سياسي اننا نعوم علي بحر من المياه الجوفية‏.‏ ولكن الأغلب ان الماء الباطني في الصحراء يتخذ شكل جيوب غزيرة وجيوب أقل غزارة‏,‏ مثلها في ذلك مثل جيوب حقول البترول الوفيرة والفقيرة‏.‏ وأن هذه الجيوب قد لا تتصل بعضها البعض الا في النادر‏,‏ كأنها بحيرات منفصلة أو شبه منفصلة‏,‏ فإذا كانت مياه واحة الفرافرة الآن وفيرة فإنها ستصبح ناضبة اذا استمرأنا الضخ الجائر عقدين أو أكثر‏.‏
جربت السعودية تخضير الصحراء في الثمانينيات الماضية وصرفت مليارات علي شركات انجليزية وخبراء وآلات ومواسير وآلاف الفلاحين معظمهم مصريون وملايين أخري تشجيعا للمواطنين السعوديين علي ان يزرعوا وضمانات ان تشتري محصولاتهم من القمح بأسعار هي أعلي من سعر قمح مستورد حتي مواني الدولة‏.‏ باعت الشركات الانجليزية كل الخبرات والتجهيزات والآلات وعادت الي بلادها بمغانم ضخمة‏.‏ وكلفت الدولة كثيرا في إعانات المنتجين‏,‏ وأغلقت كثيرا من المزارع وعاد الفلاحون بالنذر اليسير أو يجرون اذيال الخيبة‏.‏ هل نضبت المياه الجوفية أم أن تكلفة المشروعات كانت في مجموعها أقل بكثير من جدوي أفكار التخضير؟
ماذا يفعل رأس المال البترولي؟ تحول الآن الي بلاد أخري يفتش عن أرض يتملكها في بلاد تعاني الفقر والجوع وكل الآفات الاجتماعية الاقتصادية في بلاد افريقية عدة‏,‏ منها السودان ومصر‏.‏ تشتري أراضي أو محصول اعلاف كالبرسيم‏,‏ فكأنها تحصل علي المياه الجوفية والعمالة المحلية بأدني الاسعار لاطعام مواشيها وإنتاج ألبانها وتسويق منتجاتها المختلفة حتي داخل مصر‏!!‏
أما عن رصيدنا الدائم من مياه النيل فإنه قد يظل ثابتا أو يتناقص قليلا بحكم رغبات دول المنابع وبخاصة اثيوبيا في التوسع في استخدام المياه للاستزراع وإنتاج الطاقة معا‏.‏ وهي أمور مشروعة وبخاصة مع ذبذبة الامطار في شمال اثيوبيا والجوع القاتل الذي يلاصق سكانها‏.‏ فإذا كانت تغيرات المناخ العالمي ستصيب اثيوبيا بالمزيد من حالات الجفاف فإن ذلك يترتب عليه مشروعات أخري غالبا ستكون موجعة بالنسبة لمصر والسودان بالترتيب أي ان مصر تتضرر أكثر من السودان بحكم الجغرافيا‏.‏
ولكي نكون علي استعداد لمواجهة مثل هذه المخاطر فعلينا ما يلي‏:‏
‏1‏ ان نكف عن الكثير من الاقوال التي تدعي وجود مؤثرات أجنبية وإسرائيلية بالذات تحرض دول المنابع لحصار مصر مائيا‏.‏ ربما تعرض اسرائيل بعض الخبرة مثلها مثل خبرات أمريكية أو مصرية في شئون المياه‏.‏ والرد الحاسم في هذا الموضوع هو المزيد من عرض الخبرة المصرية بشكل موضوعي في دول المنابع‏.‏
‏2‏ نشرت مؤخرا ابحاث عن امتداد الاراضي المصرية أيام الخديو اسماعيل الي أوغندا وبعض اثيوبيا وبخاصة اقليم هرر‏.‏ هذا تاريخ قد يلمح لدول المنابع الي فترة زمنية يكرهونها أو اتفاقات قدم عليها الزمان ولم تعد صالحة‏,‏ وليس لنا مصلحة في استدعاء ما قد يجعل دول المنابع فقط الي مصر متشككة في أغراضها وادعاءاتها أو موضوعيتها فيما نقدمه في مشروعات اتفاق‏.‏ مثلا هل تعاود النمسا الحالية نظرتها السابقة كامبراطورية تمتلك التشيك والسلوفاك والمجر وكرواتيا وترانسلفانيا‏(‏ رومانيا‏)‏ وتحكمها السابق في مائية نهر الدانوب؟ التاريخ تاريخ والأحسن منه اتفاق علي أوضاع ترضي الجميع‏.‏ لقد فقدنا امبراطوريتنا منذ مائة وعشر سنوات‏,‏ فماذا يجدي استدعاؤها الآن في ظل جو مكهرب بين مصر ودول المنابع بل ومع السودان الذي كان فترات طويلة يري انه قد اصابه الغبن في تقسيم حصيلة مياه النيل‏!!‏
‏3‏ في ظل كل الاحتمالات نرجو ان نكف عن انشاء مشروعات زراعية جديدة‏,‏ وأن نطور أراضينا الحالية قديمة وحديثة‏,‏ ليس فقط بزراعة محاصيل غير نهمة للمياه الا في أماكن معينة‏,‏ بل في تغيير أسلوبنا الاقتصادي الي الصناعة والخدمات‏,‏ فهي أقل احتياجا للمياه في الزراعة‏,‏ وهي في نفس الوقت أكبر مردودا من الزراعة‏.‏ ليس المعني إهمال الزراعة ولكن تحسين ادائها وتوجيها لفترة ما لانتاج غذاء مباشر للسوق المحلية توفيرا للاستيراد الغذائي وتمكينا لمصر ان تقف مستقلة دون الاعتماد علي ما يفرضه علينا الغير حين يقدم الغذاء الأساسي ومعه شروط أخري اجتماعية وسياسية معا‏.‏
‏4‏ وأخيرا ان يكون موضوع المياه دستور أو شريعة أو قانون يحدد المفهوم الاطاري في استخدام المياه لكل المصريين‏,‏ وخاصة المسئولين وأي خروج عليه يصبح خيانة ضد كل شعب مصر كأنه جريمة قتل أو ابادة أو تحجيم أو تشتيت بإفقار وإذعان‏!‏

المزيد من مقالات د‏.‏ محمد رياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.