تقريران مهمان صدرا في واشنطن يستحقان التوقف أمامهما: الأول تقرير الخارجية الأمريكية السنوي الذي أكد أن تنظيم القاعدة ما زال يشكل أكبر تهديد أمني رغم الانتكاسات التي تعرض لها. والثاني تقرير نشرته وسائل الإعلام الأمريكية بصيغ مختلفة يفيد بوجود مخاوف شديدة من تعرض أهداف في العمق الأمريكي لعمليات إرهابية علي غرار هجمات11 سبتمبر, بسبب الكشف عن تولي عدنان شكري جمعة 35 عاما الذي عاش في الولايات المتحدة15 عاما وتولي منصب مدير العمليات الخارجية لالقاعدة مؤخرا خلفا لخالد شيخ محمد المعتقل حاليا. ما جاء في التقرير الأول هو الإجابة الواضحة عن سؤال حول ما إذا كان خطر القاعدة ما زال قائما, وما يعضد هذه الإجابة هو العمليات الحقيقية التي تم الكشف عنها مؤخرا وكادت تؤدي إلي إلحاق خسائر عنيفة بالأراضي الأمريكية, ومن بينها محاولة النيجيري عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة ركاب أمريكية يوم عيد الميلاد الماضي, ومخطط تفجير قطارات مترو أنفاق نيويورك الذي تم الكشف عنه قبل عدة أشهر, ومخططان آخران في النرويج ولندن وما جاء في التقرير الثاني يؤكد ما جاء في التقرير الأول أيضا, بل إن كليهما يؤيد الآخر, فالمعتقلون في مخطط تفجير مترو أنفاق نيويورك هم الذين كشفوا عن شخصية عدنان جمعة لسلطات التحقيق الأمريكية, مع الوضع في الاعتبار أن كل ما تحصل عليه السلطات الأمريكية من معلومات عن القاعدة حاليا مستقي أساسا من اعترافات المتهمين أو المشتبه فيهم الذين تم القبض عليهم علي فترات مختلفة. .. هل هذه المعلومات تعني أن القاعدة تستطيع أن تضرب مجددا في الولايات المتحدة؟ الإجابة: نعم.. فهذا ما تقوله السلطات الأمريكية نفسها, صحيح أن هذا ربما يكون من قبيل المبالغة في استخدام استمالات التخويف من قبل الإدارة الأمريكية لتذكير الناس دائما بخطر الإرهاب وأهمية مواصلة الحرب ضد الجماعات والمنظمات التي تعتبرها إرهابية, ولكن الواقع يقول إن ارتفاع أسهم طالبان في أفغانستان وباكستان في الفترة الأخيرة, وهرولة كابولوواشنطن ولندن معا إلي الحوار معها من أجل إشراكها في السلطة, والفجوة الأمنية الواضحة التي تسبب فيها نقل المسئوليات الأمنية في العراق من القوات الأمريكية إلي نظيرتها العراقية, كلها أمور تجعل من المنطقي قبول فكرة أن تنظيم القاعدة تمكن من استجماع شيء من قوته, أو أنه ربما يكون في طريقه إلي تنفيذ عملية وشيكة يثبت بها وجوده علي الساحة, أو علي الأقل لرد اعتباره في مواجهة الضربات العنيفة التي تعرض لها في مناطق متفرقة من العالم باعتقال وقتل عدد من قادته. ومن يتابع الإعلام الأمريكي يدرك جيدا أن الأمر لم يعد متعلقا الآن بأسامة بن لادن زعيم التنظيم, كما كان عليه الحال إبان عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن, فالخوف من جيل القاعدة الجديد الذي ينشط خارج أفغانستان, ربما من أوروبا نفسها أو من مناطق أخري, ومن الأمثلة علي هؤلاء عدنان جمعة الذي لم يتم التوصل إلي تحديد مكان واضح له, وبالعودة إلي تقرير الخارجية الأمريكية عن نفس الموضوع, نجد أن هناك معلومات تفيد بأن عمليات الطائرات الأمريكية بدون طيار في منطقة القبائل الباكستانية علي الحدود الأفغانية ساعدت علي قطع أذرع القاعدة الرئيسية, أي قتل أكبر قادتها, ومن بينهم مصطفي أبو اليزيد وغيرهم, وأن هذه العمليات تصاحبها جهود تضييق الخناق علي شبكات وقنوات تمويل القاعدة والجماعات التابعة لها, ولكن هذا الوضع هو الذي ربما يدفع القاعدة أو أي جماعة أخري موالية لها إلي شن هجمات خارجية أي خارج الساحة الأفغانية والباكستانية لتخفيف الضغط عن القاعدة الرئيسية وإضعاف مصداقية العمليات الأمريكية في أفغانستان, وهي في هذا الصدد ربما تلجأ إلي عمليات عشوائية أو فردية لا تحتاج إلي كثير من التخطيط والتمويل, وربما تكون هذه الضربة القادمة داخل العمق الأمريكي, ومن الممكن أن تستهدف مصالح أمريكية في الخارج, بعيدا عن أجواء التشدد الأمني في الأجواء والأراضي الأمريكية. وهذا الافتراض يعززه بالفعل حادث الاعتداء علي الناقلة اليابانية في الخليج العربي مؤخرا, وتحركات عناصر شباب المجاهدين في الصومال, ونشاط تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي والرافدين, وحالات عمر الفاروق وتنظيم نيويورك فمتي تحدث هذه العملية المفترضة ؟ وما طبيعتها؟ وما الخسائر التي يمكن أن تنجم عنها؟ أم ستكون أجهزة الأمن الأمريكية قادرة علي إحباطها في الوقت المناسب؟!