لأول مرة أقرأ في بابكم قصة تجسد روايتي وأشعر بكاتبتها وكأنها تتحدث عني مع اختلاف بسيط في بعض الأحداث ولكن المضمون في النهاية واحد . شعرت بصاحبة الرسالة وتذوقت معها أسمي معاني الإخلاص وتنفست روحي نسمات الحب الغائبة واشتاق قلبي لنبض الحياة.. نعم.. فالحب هو وليد الحياة. فإن كانت سيدتي المحبة علي مشارف الستين من عمرها وتستمتع بلحظاتها الأولي في حبها وهي في منتصف العشرينيات فأنا مازلت في هذا العمر الجميل كنت أستمتع به وأحلم له بمستقبل باهر إلي أن تغيرت الحياة وأنهت الظروف التي من حولي الحلم الكبير. قضيت سنوات من عمري في صبر وإصرار ونجاح.. بدأت بتحقيق ذاتي فكنت شعلة من الحماس.. طموح عال وأهداف مرسومة ودافع لتحقيق الإنجاز.. ولم أكتف بتطوير ذاتي ونجاحاتها بل تطلعت لمجتمعي وأدركت معني الإيجابية نحوه, وصرت علي هذا النهج حتي كنت موضع حسد بين أصدقائي وزملائي. وكأي فتاة تحلم بعشها الصغير يحويها هي ومن تحب, بحثت في كل من تقدم لي عن فارس أحلامي ولكن لم أجده!! كنت أبحث عمن هو صاحب رسالة تجاه دينه ومجتمعه.. من له هدف في الحياة يدفعه إصراره وطموحه للتحدي وليست الحياة هي كل أهدافه.. عن رجل يقدر عملي ويحترمه ونسعي معا لحياة كريمة يسودها التفاهم والتوافق بيننا, وان يرضي الله بأخلاقه والتزامه هذا الي جانب ان يكون انسانا بما تحمله الكلمة من معان فأشعر معه بنشوة الحب والدفء والاحتواء, وأتلمس في نظرات عينيه الحنان والأمان. تركت الأمر لله وانغمرت في عملي الذي كنت أعشقه وبدأت بتخطيط مستقبلي وأنا كلي طاقة أمل باستعانة وثقة في الله علي النجاح إلي ان جاء اليوم الذي لن يمحي من ذاكرتي أبدا, فها هو فارسي قد ظهر أمامي واقفا يتحدث معي وأنا لا أستطيع أن أرد.. فقد جذب انتباهي له, فانخلع قلبي واهتزت مشاعري لأول مرة وكأن نفسي تحدثني وتقول هو ده ولم أكذب نفسي فكان أجمل مما كنت أتمني وأحلم به.. ولو تحدثت عنه وعن أخلاقه وسماته وحبه لي فلن تتسع صفحاتك لهذا الحديث... لقد كنا أشبه بالإنسان الواحد في كل شيء تطابق رهيب في الصفات والطباع وحتي في التعبير عن الحب والرومانسية والإحساس وهذا ما جعلنا ننجذب لبعض سريعا ونخطو خطوة نحو القرار.. كان صريحا معي وواضحا من أول لحظة عن نيته في الارتباط بي, وبالفعل تقدم لأبي ولكنه قوبل بالرفض مثله مثل كل من سبقوه لظروف امكانياته البسيطة.. ومع ذلك فلم نيأس ابدا وحاولنا مرارا وتكرارا لكن باءت كلها بالفشل. فكنت مثل الطفل الصغير الذي يتشبث بلعبته ويرفض ان يسلبها منه أحد بعدما طال انتظاره لشرائها.. فكم كنت أبحث عنه وانتظره وبعدما أجده, أيذهب كأن لم يكن؟! فكم كان حنونا طيب القلب رقيق الاحساس, متعاونا, ومتفاهما جدا, يفهمني من قبل أن أتكلم ويدري ماذا أريد إذا نظرت اليه, ساعدني كثيرا في حياتي العملية بأن كان دافعا لي للنجاح, وكانت لديه رسالة عظيمة يسعي اليها جاهدا نحو مجتمعنا وتنمية شبابنا بالإيمان. كنت أعتقد أنه من الممكن أن يدرك المرء ما يتمناه ولو بعد حين, ولكن ما الحياة إلا أمل يصاحبها ألم ويفاجئها أجل!! فكما قالت سيدتي المحبة في رسالتهامن يمكنه اخفاء الدخان إذا كانت النيران مشتعلة فحدثت الكارثة!! علمت أسرتي بما بيننا وقامت الدنيا ولم تقعد!! فبالرغم من ثقافتنا والتزامنا الشديد وحرص والدي علي تربيتنا أنا وأخواتي تربية دينية مستقيمة إلا أن هناك فجوة كبيرة في التواصل بيننا.. لكل واحد فينا طريقة في تفكيره ونمط حياته تختلف عن الآخر تماما. فما حدث كان بالطبع أشبه بالصدمة التي لم يتوقعها مني أحد وخسرت فيها مستقبلي كله!! فلم تفلح محاولاتي في الإقناع بما أحتاجه وأشعره وأريده ولم يقدر ما بداخلي أحد.. فضاع الحلم. قد تندهش سيدي ويندهش قراؤك أيضا وتتساءلون أيعقل ان تكون هذه هي النهاية؟!! نعم... قد لاتكون النهاية ولكن هذا ما حدث, فقد خسرت عملي ودراساتي وطموحي وأحلامي وفقدت رسالتي نحو كل من حولي وانعزلت عن الناس حتي عمن أحببت!! وكان هذا كله نتيجة ما اقترفته من ذنب تجاه أسرتي ولك أن تتخيل حالتي الآن؟ حاولت النقاش مرة والإضراب عن الطعام مرة أخري, ولكن لا أحد يلين, فالكل اتفق علي ألا أتزوجه ولو حدث فهم في غني عني.. دعوت الله كثيرا ان يفرج كربتي ويصلح لي الحال فهو أرحم بالولد من أمه. وظل كل من حولي من الأحباب والأصدقاء يواسونني فهم لاحول لهم ولا قوة ويزورونني من حين لاخر بعد أن أصبحت قعيدة البيت ولا خروج لي إلا وأهلي معي.. علمت أيضا بحاله وحزنه علي وتعاهدنا أن نحسن مع الله ليكون معنا, ودعونا الله ان يكتب لنا الخير وتعاهدنا علي ألا نكون لآخرين.. وإن لم يجمعنا الله في الدنيا فموعدنا في الجنة بإذن الله. حاربت اليأس كثيرا وواجهت الإحساس بالفشل ونهاية المطاف وأشعلت بداخلي طاقة الأمل من جديد بعد أن أصابني حزن شديد لما حدث لي من انهيار كامل لكل شيء.. ورضيت بما قسمه الله لي واقتنعت ان ليس كل ما يتمناه المرء يدركه, فعسي ان تحبوا شيئا وهو شر لكم وعسي ان تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. فاستعنت بالله علي أمري وجعلت طاقة الحب التي بداخلي هي الحافز لي لأحيا من جديد, وعدت أرسم حياتي وفقا لوضعها الآن وكلما تكاسلت وانكسرت اتذكر ذكرياتي الجميلة فتتدفق مشاعري فأستزيد منها طاقة تحيي قلبي من جديد وأروي بها شريان الحياة. وأخيرا أود أن أوجه لقرائك رسالة, فأحيانا قد نعتاد الحزن حتي يصبح جزءا منا ونصير جزءا منه, وفي بعض الأحيان تعتاد عين الانسان علي بعض الألوان ويفقد القدرة علي ان يري غيرها, ولو انه حاول أن يري ما حوله لاكتشف ان اللون الأسود جميل ولكن الأبيض أجمل منه, وأن لون السماء الرمادي يحرك المشاعر والخيال ولكن لون السماء أصفي في زرقته.. فابحث عن الصفاء ولو كان لحظة, وابحث عن الوفاء ولو كان متعبا وشاقا.. وتمسك بخيوط الشمس حتي ولو كانت بعيدة ولا تترك قلبك ومشاعرك وأيامك لأشياء ضاع زمانها وإذا لم تجد من يسعدك فحاول ان تسعد نفسك.. وإذا لم تجد من يضيء لك قنديلا.. فلا تبحث عن آخر اطفأه, وإذا لم تجد من يغرس في أيامك وردة.. فلا تسع لمن غرس في قلبك سهما ومضي.. وننسي ان في الحياة أشياء كثيرة يمكن ان تسعدنا... وأن حولنا وجوها كثيرة يمكن ان تضيء في ظلام أيامنا شمعة.. فابحث عن قلب يمنحك الضوء.. ولا تترك نفسك رهينة لأحزان الليالي المظلمة.. وفي النهاية أوجه رسالتي لكل من أحب بصدق ولم يجن ثماره.. لا تندم علي حب عشته حتي لو أصبح ذكري مؤلمة, فإذا كانت الزهور قد جفت وضاع عبيرها ولم يبق منها غير الأشواك فلا تنس انها منحتك عطرا جميلا أسعدك.