توقعت المراصد الفلكية العربية ومعظم المراجع الدينية السنية والشيعية, أن يكون يوم الأربعاء المقبل هو أول أيام شهر رمضان المبارك, وهي بادرة طيبة علي توحد الدول العربية هذا العام في تحديد بداية الشهر الكريم, بدلا من الخلافات التي تحدث أحيانا في هذا الأمر, وتسيء إلي صورة الأمة الإسلامية. وقد تكون هذه البادرة مدخلا لتصحيح طريقة تعاملنا وسلوكياتنا في شهر رمضان, الذي يحتل مكانة خاصة في الدين الإسلامي, باعتباره الشهر الذي أنزل فيه القرآن, وشهد كثيرا من الأحداث المهمة في التاريخ الإسلامي, وكان دائما شهر العمل والإنجاز, لا شهر الكسل والنوم. ومن يتابع الاستعدادات المكثفة التي تقوم بها الحكومة لتوفير السلع التموينية والأغذية في رمضان, يتصور أننا مأمورون في هذا الشهر بالتهام الأغذية المختلفة وليس بالصوم, فحجم الاستهلاك العام من السلع يرتفع خلال رمضان بشكل مذهل عن بقية شهور العام, وهو ما يمثل عبئا كبيرا علي الاقتصاد الوطني ويرفع من قيمة فاتورة الاستيراد من الخارج, ويشكل عبئا ماليا كبيرا أيضا علي المواطن العادي, يضطره في بعض الأحيان إلي الاقتراض ليتمكن من الحصول علي السلع التي يريدها, إرضاء لثقافة الاستهلاك التي باتت تسيطر علي سلوكنا في رمضان. إن هذا الشهر هو في الشكل والجوهر مناسبة دينية يعلمنا الإسلام منهج التعامل الصحيح معها, وهو منهج مضاد لثقافة الاستهلاك تماما يقوم علي الصوم نهارا وعدم المبالغة في المأكل والمشرب ليلا, تطبيقا للحديث النبوي الشريف: ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه, بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه. ولا تقتصر ثقافة الاستهلاك في رمضان علي السلع الغذائية فقط, ولكن تتعداها إلي إهدار الوقت, متناسين أن رمضان شهر عبادة وفضيلة وطاعة وإنابة وخشية, لا يجوز ولا ينبغي أن يجعل زمنا للملاهي والألعاب وتضييع الأوقات بما لا طائل من ورائه, إلا مسخ عقول الأمة. لقد كان رمضان دائما هو شهر الانتصارات, وسيبقي مدخلنا لتحسين واقعنا وصناعة مستقبلنا.