طوال الاشهر القليلة الماضية لم تنقطع التهديدات الاسرائيلية للبنان, لدرجة أن كثيرا من المحللين السياسيين والعسكريين توقع حدوث عدوان اسرائيلي واسع النطاق علي لبنان بحلول الخريف المقبل. وانشغلت بعض القوي السياسية اللبنانية بالأمر وتعاملت معه علي أنه حقيقة واقعة, واستنجدت بدول كبري للتدخل لمنع العدوان المرتقب, وعندما وقعت الاشتباكات الحدودية يوم الثلاثاء الماضي أيقن الجميع أن مقدمات العدوان الجديد قد بدأت. ويزيد من احتمالات وقوع حرب اسرائيلية جديدة بعض الظروف الاقليمية التي تؤثر علي الوضع في لبنان, منها تركيبة الحكومة الاسرائيلية الحالية التي لا تؤمن بالسلام ولن تكون قادرة علي تحقيق أي تقدم جاد في عملية التسوية, وقد تلجأ الي هذه الحرب لتفجير المنطقة للتخلص من الضغوط الدولية المتزايدة عليها التي تحاول اجبارها علي العودة للتسوية, بالاضافة الي حالة اليأس المسيطرة علي الشارع الفلسطيني والعربي بشكل عام من التوصل الي اتفاق سلام قريب مع اسرائيل. الي جانب تداعيات الملف النووي الايراني وحالة الشد والجذب بين ايران والغرب وتهديدات اسرائيل المستمرة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران, للتخلص من الخطر الايراني المباشر وإضعاف حزب الله وحماس. لكن في الوقت نفسه ورغم كل تلك العوامل تدرك جميع الأطراف وأولها اسرائيل أن المواجهة المقبلة ستكون أكثر تدميرا وأوسع نطاقا من المواجهة السابقة, ولذلك فإن أيا من اللاعبين ذوي الصلة المباشرة بهذا الأمر أي إسرائيل وحزب الله وسوريا وإيران لا يحبذ احتمال المواجهة ويظل فقط علي أهبة الاستعداد لأي طارئ وهنا تصبح الحرب السرية هي البديل, وهي حرب عناصرها التجسس والاغتيالات وتشكل بديلا من مواجهة مفتوحة لا ترغب جميع الأطراف في تحويلها الي حرب شاملة, ولعل هذا مايفسر تصاعد حرب الجواسيس بين اسرائيل ولبنان, ونجاح السلطات اللبنانية مؤخرا في تفكيك عدة شبكات تجسس اسرائيلية وضبط عناصر تجسس علي أعلي مستوي من الخطورة, خاصة في قطاع الاتصالات وبين العسكريين المتقاعدين. وفي ظل هذه الظروف لا يمكن إغفال احتمال أن يتسبب هذا الطرف أو ذاك في اندلاع مثل هذه حرب لا يرغب فيها أحد,ويساهم في تعزيز هذا التخوف غياب أي تحرك لتنفيذ باقي بنود القرار1701, بداية بما يبدو أسهلها وهو انسحاب إسرائيل من الجزء الشمالي( اللبناني) من قرية الغجرالحدودية, إلي أكثرها تعقيدا وهو حراسة الحدود اللبنانية السورية, وتسوية وضع مزارع شبعا, ونزع سلاح حزب الله ووقف الطلعات الجوية الإسرائيلية. وفي ضوء ذلك فإن الاشتباكات الأخيرة بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي التي لم يكن مخطط لها من أي من الطرفين قد يكون لها دلالة المواجهة في التوقيت والوقائع, فهي تضع اسرائيل فعلا في مواجهة الأبعد, أي ان مشروع عدوان مقبل يجب ان يمر أولا بالصدام المحتوم مع الجيش ومع الدولة اللبنانية, بصرف النظر تماما عن الانقسام الداخلي في شأن القضايا الخلافية اللبنانية.ولا جدال في ان أي مواجهة جديدة بين لبنان واسرائيل هي أمر مخيف, ولا مصلحة للبنان اطلاقا في استدراج اي عامل يؤدي الي اشعالها, لكن لا جدال أيضا في ان المواجهة التي وقعت يوم الثلاثاء الماضي, يفترض ان تشكل جرس انذار للمجتمع الدولي في شأن الانتهاكات اليومية للقرار1701 وللسيادة اللبنانية بكل وجوهها. غير أن الجذور السياسية للأزمة تظل دون معالجة, وتبقي الديناميات المحركة لها عرضة للانفجار ولا يمكن استبعاد حدوث خطأ في الحسابات, والحل الوحيد هو السعي لاستئناف مفاوضات سلام ذات معني بين إسرائيل وسوريا من جهة وإسرائيل ولبنان من جهة أخري والتوصل إلي اتفاق في نهاية هذه المفاوضات. وفي كل الأحوال قد تبقي الحرب السرية هي البديل عن مواجهة واسعة في الخريف المقبل, غالبا لن تقع حتي مع تصاعد التهديدات الاعلامية ولغة الخطاب التحريضي, سواء من جانب حزب الله أو اسرائيل.