تعد متاحف الفن بمثابة ذاكرة الوطن الإبداعية.. وهي الوثيقة البصرية للحاضر والتاريخ.. وتعني عرض التراث الإنساني بغية التعلم والدراسة وتأكيد روح الانتماء بما تشتمل من تحف نادرة وروائع الأعمال الفنية.. هذا بالإضافة إلي ما للإبداع من وظيفة في الارتقاء بالذوق والإحساس. وتمتلك مصر ثروة متحفية ضخمة تمثل مستودعا حضاريا يمتد في منظومة تتواصل فيها وشائج وحلقات التاريخ.. من الفن الفرعوني والفن القبطي إلي الفن الإسلامي وحتي الفن الحديث. ويمثل المتحف المصري بميدان التحرير أعظم متحف في العالم يضم آثار مصر الفرعونية.. وقد تعاون علي تنظيمه وترتيب روائعه مارييت ماسبيرو أحد الفرنسيين المولعين بسحر الحضارة المصرية وكان معه في ذلك الوقت خبير الآثار أحمد كمال باشا.. والمتحف يحتوي علي دنيا من التماثيل والمجسمات واللوحات التي تحكي قصة الحضارة المصرية مع آثار توت عنخ آمون.. وقد تجاوز تاريخ افتتاحه ما يربو علي المائة عام وعقد من الزمان. ويبلغ عدد مقتنيات المتحف القبطي الكائن داخل أسوار حصن بابليون الروماني16 ألف قطعة فنية من المخطوطات والرسوم الجصية والفخار والزجاج والنسجيات المرسمة والأيقونات التي تجسد رحلة العائلة المقدسة إلي مصر.. أسسه مرقص سميكة باشا منذ مائة عام. أما المتحف الإسلامي بباب الخلق فيسبق المتحف القبطي بسبعة أعوام وهو يعكس تطور الحضارة الإسلامية في مختلف عصورها من المشكاوات والثريات والخزف والبريق المعدني واللوحات الخطية وروائع الخشبيات والمعادن والزجاج المعشق والسجاد. ولقد تواصل الإبداع التشكيلي المصري من صور التاريخ إلي العصر الحديث الذي تألق بمدارس الفن وتنوع أساليب ووسائل الحداثة حتي فنون الألفية الثالثة.. وكل هذا نطالعه في متحف الفن الحديث بأرض الأوبرا بالجزيرة والذي يمثل علامة في اكتمال شخصية مصر الغنية والتاريخية, وما أجمل تأملات تمثال عروس النيل لمثال مصر مختار الذي خاطب الآمال والأحلام وجسد الخيال وأوضح رسالته بقوله: الفن قوة قومية يعبر بوضوح عن مميزاتها وخصائصها.. وما أروع لوحة المدنية للرائد محمود سعيد والتي تضم بنات بحري علي خلفية من الرموز المصرية.. وما أجمل ابداعات يوسف كامل وراغب عياد ومحمد ناجي وأحمد صبري ومحمد حسن من الرواد مع الأجيال التالية وحتي احدث أجيال الفن. كل هذا مع متحف محمد محمود خليل وحرمه بالجيزة ويضم نخبة من الأعمال العالمية لروادين وفان جوخ ورينوار وجوجان وغيرهم من كبار فناني أوروبا.. ويضاف أيضا سلسلة المتاحف الشخصية لأعمال الرواد مثل متحف مختار بالجزيرة ومتحف محمد ناجي بالهرم ومتحف محمود سعيد بالاسكندرية وغيرها. واذا كان الفن تكثيفا للطاقة الانسانية وتأكيدا علي القدرات الفنية الخلاقة.. لذلك من المفروض أن يقابل بالاحتفاء من الجمهور.. والذي علينا أن نبدأ به من الصفر.. من بداية مراحل التعليم المختلفة وحتي الجامعة.. وذلك من أجل أن يصبح لديه ثقافة بصرية تجعله يتأمل أسرار الجمال ومدي قوة الابتكار والخلق عند الانسان.. وتلك مسئولية المدرسة.. فهي المسئولة أولا وأخيرا عن تنمية الوعي المتحفي.. هذا علي الرغم من أن الرحلات المدرسية لا تتجاوز زيارة القلعة واحدي مدن الملاهي!!. ولقد سعدنا بتوقيع اتفاقية التعاون المشترك بين وزارتي الثقافة والتعليم والتي تنص علي رفع وعي الطلاب بالمدارس بالقيم المعمارية وأسس ومعايير النسق الحضاري وتعريفهم بأهمية التراث المعماري والعمراني والحفاظ عليه من خلال تطوير المناهج التعليمية المقررة علي المراحل الدراسية المختلفة.. وجاءت الاتفاقية كما يقول الدكتور زكي بدر وزير التعليم بمبادرة من الوزير الفنان فاروق حسني بهدف التعاون المشترك بين الوزارتين لرفع الكفاءة التعليمية وتنمية المهارات والقيم الجمالية لدي الطلاب. وكل ما نرجوه بالإضافة إلي ما سبق.. أن يكون هناك برنامج ثقافي لزيارة المتاحف.. تقوم بتنظيمه وزارة الثقافة بالتنسيق مع وزارة التعليم ويتدرج بأبنائنا من مراحل التعليم المختلفة حتي تكتمل حلقاته مع المرحلة الجامعية وهنا نضمن جيلا يمتلك ثقافة بصيرية رفيعة ووعيا متحفيا تتأكد فيه روح الانتماء والارتقاء بالذوق والسمو بالاحساس.. ونضمن ثراء الوجدان الذي يدفع إلي تنمية الجانب الابتكار لدي ابنائنا والوعي بمعني الفن والتعرف علي أسرار الجمال.. ننشد من خلاله أجيالا سليمة ذهنيا وفكريا.. تحلق في آفاق الخيال ولا تعرف معني العنف.