لم تشأ مجلة لير الثقافية الفرنسية الشهيرة أن تستهل العام الجديد بأسئلة من نوع: ما هو أهم كتاب, وما هو أفضل كاتب في العام في المنصرم. ليس زهدا في هذا النوع من الأسئلة المهمة وإنما لأن هذه الأسئلة تطرحها المجلة بشكل دوري في أعدادها الشهرية ثم الأهم لأنها أرادت أن تختار أسئلة مغايرة تسبر فيها أغوار الأدب والثقافة ومدي تأثيرهما في حياة الناس.. فتوجهت بأسئلة من نوع: هل تعرف أدب شكسبير, وإلي أي حد استحضرت هذا الأدب في حياتك اليومية.. وكذلك مؤلفات فولتير, وديدرو, وبلزاك, وفيكتور هوجو.. فمثلا سألت مدير بنك فرنسي كبير: هل تذكرت قصة عطيل لشكسبير وأنت تشعر بالغيرة تجاه زوجتك.. وهل استحضرت كتاب كانديدلفولتير وما فيه من قيم تحض علي أخذ المبادرة, وعدم التردد وأنت تحاول تجاوز الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالأخضر واليابس حياتنا.. الغريب أن أحدا ممن اختارتهم المجلة كعينة أجابوا بما يثلج الصدر! بمعني أن جميع من سألتهم المجلة جاءت إجاباتهم بالنفي, فإن أحدا لم يتذكر مؤلفات فلوتير, أو فيكتور هوجو أو موليير.. وحسبهم أنهم يعرفونهم كأسماء لميادين كبري أو لمحطات المترو والشوارع.. وسجلت مجلة لير في حزن أن الأدب الكلاسيكي قد طويت صفحته, ولم يعد يعرفه أحد إلا داخل قاعات البحث وبين المتخصصين.. وعلي العكس تماما تنتشر الروايات التي يكتبها الصحفيون ويروون فيها قصصا حياتية معيشة وأبرز مثال علي ذلك القصة التي كتبها نجم التليفزيون الفرنسي ويدعي باتريك بوافر دارفور ويتحدث فيها عن ابنته التي افترسها مرض السرطان وماتت بين ذراعي والدها..! إذن نحن أمام حالة من حالات التصحر الثقافي والأدبي, فالكلاسيكيات بكل ما تعنيه من دلالات قيمة وإنسانية خالدة, لم يعد لها مكانها تحت شمس المعارف السريعة التي تخلو من كل المضامين الباقية وحسبها أن تقوم بالتسلية أو إزجاء وقت الفراغ, أوقتل مساحات الانتظار في المترو أو الطائرة.. وفي محطات القطارات.. وفي ظني أن أسئلة مجلة لير جديرة بالتأمل فماذا عسانا نحصل علي إجابات لو طرحنا هذه الأسئلة علي جمهورنا المصري والعربي.. أعتقد أننا لن نظفر بأكثر مما ظفرت به المجلة الفرنسية الشهيرة التي ترصد في اعدادها منحنيات القراءة والفهم والمعارف في أجواء دولة يضرب بها المثل في كثرة القراءة وتنوعها.. فكم شخصا في مصر المحروسة يعرف كلاسيكيات الأدب العربي.. وإذا سألنا الناشئة من شبابنا عن كتاب فيض الخاطر لأحمد أمين, وقصة حياة لإبراهيم عبدالقادر المازني, وشوقيات أمير الشعراء وقرية ظالمة للدكتور محمد حسين, وسبعون لميخائيل نعيمة, والنبي لجبران خليل جبران, والظاهرة القرآنية لمالك بن نبي.. أقسم إننا سنخرج من هذا الاستقصاء الأدبي والفكري بخفي حنين. ما معني ذلك! معناه أننا لم نعد في الهم شرق, كما كنا نقول دائما وإنما انضم إلينا الغرب الذي يعاني خواء فكريا نجده بوضوح بين شبابه( فتيانه وفتياته) علي السواء.. وهكذا يرحل عام ثم يأتي عام ودوائر الثقافة والأدب تتضاءل وتتقزم إلي حدود متناهية في الصغر.. ومع خيوط فجر اليوم الأول من عام2010 نضع أيدينا علي قلوبنا في توجع خوفا من قدوم أيام خالية من كل المشاعر والوجدانيات في زمن النت والوشوشات الفارغة!.