أكتب إليك للمرة الثالثة, وقد إنتظرت أن تنشر رسالتي لكنك لم تفعل, وكل ما أرجوه منك أن تعيد التفكير فيها عسي أن تجد لي ولأمثالي حلا, فمشكلتي لاذنب لي فيها. واخشي من قسوة المجتمع الذي لايعرف الرحمة, ولايبحث عن الحقيقة ويأخذ دائما بالمظاهر, وأنا تعبانة جدا, وأكاد أختنق كل دقيقة. وأروي لك قصتي منذ البداية. فلقد ولدت, وعشت في أسرة متوسطة وتخرجت في إحدي الكليات, وأعمل حاليا في شركة معروفة, وعمري25 سنة.. لكنك لو رأيتني ستقول إن عمري94 سنة.. فلقد جعلني همي وحزني أعيش في قلق وإضطراب, وكلما مرت السنون اسودت الدنيا في عيني.. أتدري ما السبب في هذا الإحساس المرير؟.. القصة باختصار أنني عندما كنت في الثامنة من عمري أمسكني شخص من أقاربنا وأخذ مني حياتي.. وأنا لا أدري ماذا حدث لي... وكنت أسمع كثيرا السيدات يقلن إن البنت لاتصبح بنتا عندما تكبر, وأن عذريتها ملازمة لها منذ ميلادها إلي أن تتزوج. وهنا أدركت فداحة ماحدث لي, ورحت استعيد الواقعة المؤلمة التي حدثت لي. ولم استطع أن أبلغ بها أحدا.. وكبرت,, وزادت مصيبتي.. كل البنات من حولي يتزوجن.. لكني أخشي أن أوافق علي من يتقدمون لي خوفا من رد الفعل الذي أعرفه تماما... فمن يرضي أن يتزوج من إنسانة غير عذراء, ومن يصدق أنها مظلومة, وأنها تعرضت لواقعة مشينة علي يد ذئب نهشها في تلك السن الصغيرة.. {إن الفرحة لم تعرف طريقها إلي قلبي, وكلما ذهبت إلي أحد الافراح أجد البنات من حولي يرقصن ويضحكن من قلوبهن... أما أنا فقلبي يبكي بدلا من الدموع دما.. ولقد فكرت في الانتحار لكي أريح نفسي وأتخلص من همي... لكني تراجعت لأن من ينتحر يموت كافرا.. والشيء القاتل ياسيدي هو أنني أري المجرم أمامي, ولا أستطيع أن أقول له: لماذا فعلت هذا بي؟... ألا تخشي عذاب الله؟... لكني أكتم أحزاني في داخلي ولا أنطق بكلمة واحدة ثم أتعجب وأقول في نفسي سبحان الله.. الظالم تزوج وانجب ولدين ويعيش حياته بلا متاعب ولامنغصات.. والمظلوم لايستطيع أن يعيش حياته من غير حزن.. لقد تمنيت أن ينجب بنتا وأن يحدث لها ماحدث لي لكي يشعر بما أنا فيه... لكني أراجع نفسي وأقول وماذنبها؟ وأنني لم أفكر أبدا في أن أفعل مثلما تفعل بنات كثيرات يلجأن إلي اجراء جراحات لكي تداري مايتعرضن له.. فأنا أرفض تماما أن أغش انسانا وثق في وأعطاني اسمه, ولذلك لا أعرف غير الصراحة طريقا لي في الحياة مهما كانت النتائج.. ولقد تعرفت علي زميل لي في أثناء دراستي بالجامعة واحببته, ووثقت فيه جدا علي مدي أربع سنوات وصارحته بحالتي, فقال لي: لاذنب لك.. فطلبت منه أن يذهب كل منا إلي حاله حتي لا أتسبب له في أي مشاكل, فأكد أنه متمسك بي, وأن ماحدث لي ليس ذنبي, ثم حاول أن يأخذ مني مايريده, مادمت أنا بهذه الحال ولن أتأثر بشيء علي حد تعبيره, فنهرته وابتعدت عنه, وفقدت الثقة في الجميع.. ودارت الأيام وتقدم لي عريس وافق عليه أهلي ورحبوا به جدا.. وقلت لهم أمهلوني بضعة أيام لكي أفكر في الأمر.. ولا أدري هل أوافق علي الخطبة لفترة ثم أرفضه بحجة أنه لايناسبني... أم ماذا أفعل؟.. أرجوك قل لي أي حل أستطيع أن أنفذه وآخذ به فيريحني من همي.. فوالله العظيم أنني ذرفت الدموع انهارا مع كل حرف كتبته لك.. وأتمني الموت لكي أتخلص من العذاب الذي أعيشه.. { الصراحة والوضوح يقودان الإنسان دائما للتعامل الصحيح مع الآخرين, فيستطيع أن يبني علاقات سوية ومستقرة, ويعيش في حالة سلام وراحة وطمأنينة, وعليه دائما أن يتفاعل مع مفاجآت الحياة لا أن يتجمد أمامها, والشجاعة مطلوبة لمواجهة مصاعبها ومشكلاتها, وما بني علي الصراحة ينمو ويترعرع, وما أقيم علي الغش والخداع يذبل ويتلاشي. من هنا فإنني أطالبك بأن تواجهي مشكلتك بأمانة وثقة في النفس, وكان يجب عليك منذ البداية أن تخبري والدتك بما حدث لك وأنت صغيرة حتي تجد لك حلا يريحك ويخلصك من متاعبك التي تعيشينها منذ سبعة عشر عاما, فحتي الآن لا يوجد حل يتسق مع أخلاقك وصفاتك الجميلة, وإخلاصك وشفافيتك سوي أن تخبريها بالحقيقة, ولا تخشي شيئا, فبمجرد أن تبوحي لها بهذا السر الخطير تكونين قد أزحت عن قلبك حملا ثقيلا, وأصبحت أكثر راحة وطمأنينة. صحيح أن والدتك سوف تصيبها صدمة كبري عندما تعلم مدي فداحة ما حدث لك, لكنها علي الجانب الآخر سوف تستوعب الموقف ولو بعد حين, وستفكر معك بصوت عال للبحث عن مخرج لك مما أنت فيه يحفظ لك كرامتك, ويبين حقيقة ما تعرضت له علي يد ذلك الذئب اللعين. وتستطيعين بمساعدة والدتك أن تخبري من يتقدم إليك بالحقيقة وبأنك بإمكانك أن تخدعيه بإجراء جراحة تغطي علي ما حدث لك, لكنك مصرة علي أن تبدئي حياتك الزوجية بصفحة ناصعة البياض, وأنه مهما كان قراره فسوف تكونين راضية عن نفسك. وأحسب أن كثيرين من الشباب العقلاء سوف يرون فيك الزوجة المناسبة التي يطمئن إليها من يرتبط بها, وسوف تحمل اسمه, فما أكثر الكاذبات المخادعات اللاتي يلجأن إلي إجراء جراحات تداوي ما فعلنه علي مر السنين برغبتهن أو رغما عنهن, وهن للأسف الشديد لا يدركن خطورة ما فعلن, وقد ينكشفن بعد حين. وإياك واليأس فإنه يقضي علي جذور الأمل, ويدفع الإنسان إلي التعاسة, وكلما كان المرء قويا ومؤمنا بالله ومتفائلا بغده, صار أكثر قدرة علي مواجهة الشدائد, وتحمل الصعاب, ومن وضع أمام عينيه الوصول إلي غاية فإنه لابد بالغها, فلتكن غايتك هي رضا الله سبحانه وتعالي والعيش في سلام وأمان, ودعي هذا الرجل الذئب لخالقه وسوف يقتص منه حقك مهما طال الزمن, وفقك الله وهداك إلي سواء السبيل.