هجوم جبهة تحرير كابيندا علي قافلة فريق توجو لكرة القدم لدي وصولها إلي أنجولا لخوض مباريات كأس الأمم الإفريقية كان متوقعا وسبق أن حذرت الحركة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم منه إذا أقيمت أي مباراة علي أرض الإقليم الذي تدعي الحركة وحركات متمردة أخري أنه ليس أنجوليا. وأن الإنجوليين يحتلونه طمعا في ذهبه الأسود!. لكن الذي لم يكن متوقعا هو ألا تأخذ السلطات الأنجولية هذه التهديدات مأخذ الجد وتتهاون في اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الفرق الرياضية معتمدة فيما يبدو علي معلومات غير دقيقة بأنها قصمت ظهر التمرد في الإقليم الواقع بالكامل داخل أراضي الكونجو كينشاسا من ناحية الجنوب الغربي وأن المتمردين لم يعودوا قادرين علي القيام بأي عملية عسكرية في إطار سعيهم للاستقلال بالإقليم. لم يضيع المتمردون فرصة تركيز الأضواء علي أنجولا في وقت البطولة الرياضية وشنوا هجومهم ليؤكدوا للعالم بصفة عامة والحكومة الأنجولية بصفة خاصة أنهم مازالوا موجودين ومتمسكين بمطالبهم وقادرين علي توجيه ضربات موجعة, بالرغم من الحملة العسكرية التي شنها الجيش ضدهم وفرق شملهم, وبالرغم من انقسامهم بين فصيل وقع مذكرة تفاهم مع الحكومة عام2006 تقضي بوقف إطلاق النار مقابل منح كابيندا وضعا خاصا, وبين فصيل آخر رفض التوقيع, وواصل هجماته علي أهداف عسكرية حكومية وعلي العاملين الأجانب في مجالات الإنشاء والتعمير وشركات استخراج البترول. بعد حرب أهلية طويلة منذ الاستقلال عن البرتغال عام1975 بين حركتي التحرر الرئيسيتين( مابلا ويونيتا) في ذلك الوقت استطاعت الحكومة بقيادة خوزيه دوس سانتوس قهر حركة التمرد الرئيسية( يونيتا) وقتل زعيمها يوناس سافيمبي عام2002 الأمر الذي أعاد الاستقرار نسبيا إلي أنجولا وسمح لها باستغلال ثرواتها المعدنية والطبيعية وفي مقدمتها البترول واستخدام عائداته في مشروعات تنموية طموحة. لكن مشكلة إقليم كابيندا مازالت شوكة في ظهر البلد بسبب ظهور حركات تمرد وصل عددها ذات يوم إلي12 منها ثلاث حركات مسلحة علي الأقل, تصر علي أن الإقليم ليس جزءا من أنجولا لأن القبائل التي تعيش فيه حسبما يزعمون مختلفة تماما عن القبائل التي يتكون منها الشعب الأنجولي وأن لغاتها مختلفة تماما عن لغاتهم وزعموا أن الأنجوليين يحتلون الإقليم من أجل بتروله حيث إنه يسهم بنسبة60% من اجمالي الإنتاج القومي من البترول برغم أنه واحد فقط من14 إقليما تتكون منها الدولة. التمرد في كابيندا ليس وليد اللحظة وإنما بدأ في أول أغسطس1975 عندما أعلنت إحدي حركات التمرد تشكيل حكومة للإقليم والاستقلال عن البرتغال لكن القوات الأنجولية سحقتهم بمساعدة قوات من كوبا وانقسم المتمردون بعدها إلي ثلاث حركات مسلحة تحت أسماء مختلفة.. وفي عام1979 أعلن المتمردون عن قيام جبهة تحرير كابيندا التي يبدو أنها تلقت مساعدات عسكرية من حركة يونيتا التي كانت تحارب حركة مابلا( الحركة الشعبية لتحرير أنجولا) في ذلك الوقت وكذلك من جنوب إفريقيا الجار الجنوبي لأنجولا والتي كانت علي خلاف متبادل مع الحكومة الأنجولية لقيام الأخيرة بدعم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ضد نظام الفصل العنصري الحاكم في بريتوريا وقتها. وقد تمكنت حركة التمرد في كابيندا بالفعل من شن15 هجوما علي أهداف عسكرية بين شهري مايو وأغسطس1997 وبدأت تهاجم الأجانب منذ عام1999. ويبدو أن مشكلة إقليم كابيندا ذي الوضع الجغرافي الفريد والغريب لوجوده بالكامل داخل أراضي الكونجو كينشاسا ماعدا الناحية الغربية حيث المحيط الأطلنطي لن تنتهي قريبا مهما اتخذت الحكومة من إجراءات أمنية وعسكرية خلال بطولة الأمم الإفريقية أو بعدها. فعزلة الإقليم جغرافيا وسهولة دخول متمردين من أراضي الكونجو المجاورة والتي بدورها لاتسيطر حكومتها في كينشاسا عليها بسبب الحرب الأهلية التي تعاني منها البلاد منذ أكثر من عشر سنوات وامتداد القبائل علي جانبي الحدود ومسارعة أبناء كل قبيلة لمساعدة أولاد عمومتهم داخل كابيندا, كلها عوامل ساعدت علي استمرار التمرد وستطيل أجله. ويبدو أن حل مشكلة الإقليم الذي كان محمية برتغالية وموطنا لممالك إفريقية مثل كاكونجو ولوانجو ونجويو لن يتم إلا بحكم ذاتي ذي سلطات واسعة يلبي تطلعات سكانه في الحفاظ علي خصوصيتهم ويحافظ في الوقت نفسه علي سيادة وسلامة أراضي الدولة الأنجولية. ولن يكفي أن تبادر الحكومة بهذا المطلب كحل وسط لحل الأزمة وإنما لابد أن يكون المتمردون مستعدين لقبول هذا الطرح من حيث المبدأ وأن تتعاون دول الجوار وفي مقدمتها دولتا الكونجو الديمقراطية( كينشاسا)والكونجو برازافيل في تجفيف منابع التمرد, وأن تتعاون جنوب إفريقيا سياسيا وبالمساعدة الاقتصادية في إقناع المتمردين بإلقاء السلاح لأن اعتداءهم علي فريق توجو أثار مخاوف الكثيرين مما قد يحدث عند استضافة جنوب إفريقيا بطولة كأس العالم بعد شهور. وبذلك فإنها كقوة إقليمية كبري لها مصلحة مباشرة في حل المشكلة وتأمين سلامة أراضيها خاصة بعد أن هددت جماعة معارضة جنوب إفريقية هي الأخري بإثارة القلاقل خلال كأس العالم.