هناك مواهب إبداعية استثنائية في تاريخ الفن, ويقف المخرج العالمي- فكرا وموهبة ووجودا- يوسف شاهين في مقدمة المخرجين المصريين والعرب والعالميين. وذلك بفضل ما ملكه في القلوب وبما أبدع من أفلام عكست منذ بداياتها ملامح مخرج متفرد يملك لغة سينمائية خاصة, ورؤية فنية متميزة تتخطي النمط السائد, التي استطاع بها أن يبهر الشرق والغرب, ولهذا ليس غريبا أن يتم اختياره وتصنيفه من بين أهم عشرة مخرجين في العالم, وقبل كل ذلك هو صاحب مدرسة سينمائية تخرج فيها العديد من الفنانين والفنيين والمخرجين, وهو الذي جعل من ماضيه مستقبلا في نظرة الأجيال لأفلامه التي حملت قضايا وشجونا ودعوة للحب. واليوم ورغم رحيله منذ عامين فإن شاهين يبقي بيننا بابداعه في ذكراه الثانية تستعيد الأهرام عبر أقلام عددا من المقربين و الذين عاصروه وتأملوه بعضا من ذكرياتهم معه لقد كان يوسف شاهين شخصيه استثنائية بكل المعايير فهو فنان متوهج ومواطن( مسيس) من الدرجة الاولي ووطني حتي النخاع. لا استطيع ان استفيض كثيرا في الجوانب الفنيه لهذا المخرج العبقري. ويكفي ان مهرجان كان السينمائي الدولي قد قدم له جائزة السعفة الذهبية عن مجمل اعماله دون ان يقف امام عمل واحد لان شاهين ظاهرة ابداعيه متميزة. لقد انحاز الرجل عبر تاريخه الي الفقراء والضعفاء والمهمشين ووقف في صفوف الطبقات الكادحة وتبني رؤيا يسارية للحاضر والمستقبل لقد ارتبط بعصر عبد الناصر التحرري وإنجازاته القوميه كما ظل وفيا لمبادئه حتي الساعات الأخيرة من حياته. ولقد ربطتني بذلك الفنان المبدع والمخرج العالمي صلات وثيقة إمتدت لاكثر من ربع قرن عرفته فيها صديقا عزيزا وعقلا مستنيرا ورؤية صائبة. لم يكن يعبأ كثيرا بالحصول علي المال او يجري وراء الشهرة ولكنه كان يبحث فقط عن جوهر الابداع ويفتش عن الحقيقة ويتبني القضايا العاجلة في تاريخ الانسان المعاصر كان يدعوني الي جانبه عند افتتاح افلامه ويستمع الي رايي وكنت اعتز بذلك كثيرا وعندما دعت مجلة نصف الدنيا تحت الاشراف الرائد للمبدعة سناء البيسي عددا من المفكرين والفنانين الي حوار مشترك بين واحد من كل جانب اختارني ذلك الراحل العظيم يوسف شاهين- لكي يحاورني في قضايا سياسية ومسائل فكرية امتدت لاكثر من6 صفحات في عدد تذكاري من تلك المجلة في نهاية تسعينيات القرن الماضي. وكنت اراه في سنواته الاخيرة وهو يصارع الموت بل ويتجاهله ولا تسقط السيجارة من بين يديه وعندما احتفلنا بعيد ميلاده الثمانين في الاهرام.. كانت تطل من عينيه علامات الرضا والارتياح وهو يري اصدقاءه ومريديه يلتفون حوله في حب واحترام ربما لن ينله مخرج آخر في تاريخنا الحديث ولقد رفع ذلك الرجل بلا جدال السينما المصرية في المجالات الدوليه والمهرجانات العالمية بدءا من باب الحديد مرورا ب( صلاح الدين) وصولا الي( المصير) وهو الذي اكتشف الجوانب الايجابية في عدد كبير من نجومنا ونجماتنا واستطاع ان يجسد روح الشعب وضمير الامة في عدد كبير من اعماله الخالدة.. رحمه الله... بقدر ما اعطي وسوف يظل اسمه علامة مضيئة في تاريخ السينيما المصرية والعربية والعالمية