يبدو ان الازمات المتشابكة والانهيار الخدماتي والامني وغيره من الازمات التي يعانيها العراق وشعبه ليست كافية لكل يتنازل القادة العراقيون الجدد ولو لمرة واحدة لصالح البلد الذي احتضنهم والشعب الذي انتخبهم. بان يحلوا الازمة السياسية ويتفقوا علي توزيع الغنائم السياسية( المناصب) مع تنازل بعضهم لبعض لكي تتحرك الامور ولو قليلا اتجاه الانفراج في بلاد الرافدين المنكوبة علي المستويات كافة. فالعراق الآن وكما هو متعود خلال السنوات السبع الماضية مستمر في التفرد بالازماتغير المسبوقة حيث تم اهمال ان يوم الرابع عشر من الشهر الجاري الموافق الاربعاء هو المهلة النهائية لاختيار وتوزيع المناصب بين الكتل الفائزة في الانتخابات في رئاسة البرلمان والوزراء والدولة. لقد تم التجاوز علي الدستور واصبح العراق غير موصف من الناحية الدستورية والحالة الوحيدة التي بقيت قانونيا هو انه دولة محتلة وتخضع للبند السابع من ميثاق الاممالمتحدة وهي الصفة التي كرستها واكدتها سياسات الاطراف العراقية خاصة تلك التي وظفت جميع المؤسسات الجديدة لضمان عدم انتقال السلطة منها الي اي جهة تحت حجة التفسيرات القانونية للكتلة الاكبر واعادة الفرز للاصوات وغيره من الحجج والتي كان آخرها تأجيل جلسة البرلمان الي اسبوعين ثم باطلاق بالون الاختبار بشأن اعادة الانتخابات والذي فسر علي انه محاولة للضغط علي القوي السياسية من قبل الرئيس العراقي جلال طالباني. علي اي الاحوال فان إعادة الانتخابات لا تحصل إلا بحل مجلس النواب الحالي وحله يكون بأن يوافق علي ذلك163 عضوا أي الأغلبية من اعضائه البالغ عددهم325 هو من المستحيل. اما ما يقال عن ان رئيسي الوزراء والجمهورية لهما الحق في حل البرلمان فهو من قبيل الدجل القانوني وهو كثير علي الساحة العراقية وسلاح لادارة الصراعات الكثيرة والمتعددة هنا لان رئيس الجهورية والبرلمان انتخبا من قبل برلمان سابق وهناك برلمان جديد وبالتالي فان ولايتهما منتهية وليست لهما اي ولاية علي البرلمان الجديد الذي من المفترض ان ينتخب قيادات تنفيذية جديدة. اما ما يقال عن فقه الواقع وان الضرورات تبيح المحظورات فهي اكاذيب لان الدستور العراقي رغم نواقصه والغامه حسم هذه الجزئية. وبلا شك فان الولاياتالمتحدة تدرك حجم التشبث بالحكم من قبل القيادات العراقية التي جاءت بهم الديمقراطية الامريكية وهو ما دعا السفير الامريكي الي التحذير من تحول العراق الي ساحة للصراع بين السياسيين علي المناصب وهو ما حدث ويحدث بالفعل. ويبدو ان زيارة جوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي لم تقنع هؤلاء لذلك من الممكن تكرارها خلال الايام القادمة من قبله او من قبل مسئولين امريكيين آخرين خاصة في ظل سعي ايراني دؤوب علي ازالة الخلافات بين الائتلاف الوطني العراقي واقناع قياداته بالالتفاف حول مرشح واحد له واقناع المالكي بافساح الطريق امام مرشح غيره وذلك لضمان عدم خروج تشكيلة الحكومة عن دائرة نفوذ ايران. ومن هنا فان الايام القليلة القادمة ستكون حربا للارادات والضغوطات من قبل الامريكيين والايرانيين في العراق كل باساليبه وطرقه دون اي مراعاة للشارع العراقي. ومن المهم هنا التاكيد علي انه لا يمكن انكار دور ايران في العراق ونتمني ان يكون لصالح المجموع هذه المرة وليس التحرك من منطلق مذهبي او طائفي لان اي تحرك من هذا المنطلق لن يكون اساس لاي استقرار خاصة وان القيادات السياسية المحسوبة علي ايران رغم انها طرحت نفسها في الانتخابات علي اساس وطني الا انها عندما تتحالف وتتفاوض الآن خلف الابواب المغلقة فانها تعمل من منطلقات طائفية بحته. والامر الذي لايمكن انكاره من قبل اي متابع ان الديمقراطية العراقية نجحت علي المستوي الشعبي, حيث خرج الشعب وانتخب واختار رغم المعوقات المعروفه واساليب الارهاب ولكنها فشلت علي مستوي النخب الجديدة. وبدلا من ان يجني العراقيون ثمار تجربتهم فانه تتم معاقبتهم الآن علي اختياراتهم ويكفي ان نشير للقارئ الي الازمات التي تتفاقم يوما بعد الآخر من غياب الكهرباء مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة ثم الانقطاع شبه الدائم للمياه واخيرا ازمة البنزين التي بدأت تضرب العراق منذ عدة ايام وهو الامر الذي يرشح الامور للمزيد من الاحتقان الشعبي باتجاه الحكومة والعملية السياسية التي لم تجلب الا الحرمان والدمار علي حد قول احد العراقيين. وسط هذه الاجواء فان هناك سيناريوهين يطرحان نفسمها وبشدة الآن: الاول هو ان تحل الازمة وتشكل الحكومة وتحسم الخلافات بين القادة الجدد ويتم انتقال سلمي للسلطة سواء للكتلة الانتخابية الاكبر او للكتلة البرلمانية الاكبر وتحسم الامور بشكل يرضي الكتلة الفائزة انتخابيا( العراقية) والكتلة الاكبر برلمانيا. والثاني هو استمرار الفشل السياسي والغضب الشعبي والفوضي الامنية الدافعة الي مزيد من العنف وهو ما ترشحه اوساط كثيرة هنا ويصاحب ذلك المزيد من التأثيرات الطائفية الداخلية والخارجية لإشعال الوضع عسكريا لخلق الفوضي الشاملة التي تربك الجميع وعلي رأسهم امريكا وقواتها ليصبح العراق من جديد علي حافة الهاوية.