لم تغير اعادة الفرز اليدوي للاصوات شيئا من نتائج الانتخابات البرلمانية التي اجريت في السابع من مارس الماضي ليحتفظ كل طرف بمقاعده التي فاز بها. وذلك باستثناء استبدال مرشحين فائزين باخرين من نفس القائمة ليبقي الحال علي ما هو عليه, ويكسب البعض المزيد من الوقت في قيادة المؤسسات العراقية لتأتي مصادقة المحكمة الاتحادية العليا علي نتائج الانتخابات, لتفتح الباب امام دعوة الرئيس العراقي جلال طالباني لمجلس النواب للانعقاد بموجب المادة45 من الدستور العراقي والتي تنص علي أن رئيس الجمهورية يدعو مجلس النواب الجديد للانعقاد خلال خمسة عشر يوما من مصادقة المحكمة الاتحادية علي نتائج الانتخابات. يجب علي المجلس الجديد أن يختار في جلسته الأولي رئيسا له ونائبين للرئيس ثم يقوم مجلس النواب خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما بانتخاب رئيس الجمهورية. ويقوم الأخير خلال خمسة عشر يوما بعد انتخابه بتكليف مرشح الكتلة الأكبر في مجلس النواب بتشكيل الحكومة ويكون أمام رئيس الوزراء المكلف ثلاثون يوما لإنجاز مهمته. فإذا لم ينجح يكلف رئيس الجمهورية شخصا بديلا عنه وفقا للمادة الدستورية وهو ما يعني ان مسألة حسم توزيعة المناصب القيادية في الرئاسات المختلفة في العراق ستستغرق بعض الوقت في ظل استمرار الخلافات وعدم وجود توافق بين القوي السياسية العراقية للخروج بحل توافقي يضع نهاية للازمة المتحدمة منذ الاعلان عن نتائج الانتخابات. في خضم هذا الجمود السياسي مازالت خريطة التحالفات السياسية مرتبكة وغامضة بسبب تشبث رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي بتولي رئاسة الحكومة الجديدة وهو الامر الذي كان ومازال محل رفض من حلفاءه السابقين خاصة في الائتلاف الوطني العراقي والتيار الصدري رغم الضغوط التي تمارس لضرورة دمج الائتلافين في ائتلاف واحد يكون الاكبر في البرلمان ويتمكن من تشكيل الحكومة الجديدة يقابل ذلك ان ائتلاف القائمة الوطنية العراقية الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الاسبق اياد علاوي يتمسك بحقه في تشكيل الحكومة باعتباره الكتلة الفائزة الاكبر في الانتخابات وهو ما قوبل بالكثير من الفتاوي والتهديدات والاغتيالات والاستبعادات لاعضاء القائمة بغرض ازاحتها عن مطالبها. وايا كانت النتائج فإن تشكيل الحكومة مرتبط بالدرجة الاولي ليس بارادة ساسة العراق الجدد الذين اثبتوا فشلهم في الاختبار الديمقراطي ونجاحهم وبامتياز في التقوقع حول المنصب والقومية والعرق علي حساب المواطنة وحق المواطنيين الذين خرجوا للتصويت يوم الانتخابات, ورغم ان بورصة التوقعات والتحليلات والترشيحات بشأن المرشحين لتولي منصب رئيس الحكومة نشطت خلال الفترة السابقة الا انه من الصعب التكهن بمن يكون رئيس الوزراء الجديد خاصة وانه سيكون نتاج مخاض صعب وعسير بين القوي العراقية, ومن الصعب ان تتوافق علي شخص بعينه في ظل الكثير من الخلافات بين الكتل وداخل كل كتلة بل داخل الاجنحة في الكتلة الواحدة. والمتابع لكم التصريحات خلال الفترة الماضية لا يخرج إلا بالتناقض والارتباك في ظل الكثير منها بشأن الاجتماعات والتوافقات والتقارب وان الاتفاق بينها سيعلن في غضون ساعات وايام وخلافه وهو الامر الذي يؤكد ان الجميع في صراع علي السلطة ولا يقبلون باي تنازل لصالح الوطن. العراق الان بلا رأس وسيظل كذلك لفترة وهو ما يفتح الباب امام الكثير من المخاطر والانفلات وربما الانهيار الامني في ظل عدم القبول بفكرة تسليم السلطة والاقرار فعليا بان العراق للجميع ايا كان عرقهم ومذهبهم, وهو الامر الذي ثبت انه بعيد في ظل التفاوضات والتقسيمات التي يتابعها العالم اجمع. ومن هنا فإن المسئولية تقع فعليا وادبيا وقانونيا علي الولاياتالمتحدة وحلفاءها الذين قادوا حربا لتحرير العراق ولنشر الديقمراطية فيه فجاء الخراب والدمار والفساد ولابد من تدخلها لوضع نهاية لهذا الجمود والتدخلات الخارجية خاصة من قبل ايران التي باتت كما يعرف الجميع رقما اساسيا في المعادلة السياسية والعسكرية في العراق الجديد وتتمدد فيه. في خضم ذلك يبدو الواقع العراقي في الشارع في اسوأ حالاته من ناحية تردي الخدمات ولكي يكون القارئ في الصورة فانه درجة الحرارة في بغداد بلغت خلال الايام القليلة الماضية اكثر من50 درجة في المتوسط مع غياب شبه تام للكهرباء مع ما يعنيه ذلك اما المجاري والمياه فانها منهارة تماما وجميع مجاري العاصة العراقية في حالة فيضان دائم, وهو ما أدي إلي ظهور الكثير من حالات التيفود في احياء العامل والبياع وبغداد الجديدة والشعلة وغيرها من المناطق التي بدأت فيها امراض الصيف الفتاكة وهناك مخاوف من ان تتحول هذه الحالات الي اوبئة شاملة في بغداد ويكفي ان نشير الي ان ما كان يوصف بالاحياء الراقية في زيونه واليرموك والقادسية والكاظمية وغيرها تعاني من كوارث خدماتية لايخفف منها الا وجود المولدات الكهربائية الاهلية التي تبيع الخمس امبيرات من الكهرباء بحوالي60 دولارا في الشهر ولمدة12 ساعة يوميا بمعني اوضح فان الحياة في بغداد صيفا او شتاء بعيدا عن التفجيرات والقتل والعبوات الناسفة والموت المسلط علي رقاب الجميع اشبه بالمستحيلة اما اذا اضيف اليها ما سبق من تفجيرات وخلافه فانها الجحيم بعينه ولا يخفف منه الا الحياة بالامل والعمل الذي يشغل العراقيين البسطاء بعيدا عن مطامع الساسة وتدخلات المحتلين القدامي والجدد ليفقد هؤلاء الامل في ان تسفر الصراعات السياسية عن شئ لصالحهم لان الساسة, كما يقول العراقيون مشغولون بالصراع علي الكراسي اما الشعب فانه ليس من ضمن حساباتهم. ان العراق الان وبفضل المعادلة الجديدة امام خيارين لاثالث لهما وهما اما ان تحل الازمة الحالية ويتنازل جميع الساسة لصالح بعضهم البعض لتشكل الحكومة وتدور العجلة واما ان تستمر عقلية الاستبعاد والتمسك بالسلطة وممارسة القتل العشوائي والمنظم كاداة من ادوات التعامل. علي اي الاحوال فان الجميع بانتظار الايام القليلة القادمة وانعقاد الجلسه الاولي للبرلمان الجديد الذي يتمني الجميع ان تكون بداية النهاية للازمة السياسية لا ان تتحول الي جلسة ممتده ومفتوحة الي مالا نهاية.