من البديهي أن يدفع الأثرياء والرأسماليون ومؤسساتهم التجارية والصناعية, الجانب الأكبر من الضرائب لتشكل الجزء الأعظم من الإيرادات العامة للدولة التي تستخدمها في تمويل إنفاقها العام, حيث إنهم وشركاتهم يستفيدون أكثر من باقي المواطنين من الإنفاق العام. وانطلاقا من هذه البديهية صاغت الدول الرأسمالية نظما ضريبية تصاعدية تعفي الفقراء من الضريبة وتكتفي بإسهامهم الكبير المتمثل في حقوقهم في إيرادات الموارد الطبيعية والبيئية والتراثية والمشروعات العامة القديمة, وتفرض ضرائب مخففة ومتدرجة علي الطبقة الوسطي تتلاءم مع قدراتها المالية أو المقدرة التكليفية للممولين فيها, وتفرض ضرائب عالية ومتدرجة أيضا علي الطبقة العليا وفي القلب منها الرأسماليون الكبار وشركاتهم في جميع المجالات. لكن هذه البديهية غائبة فعليا في صياغة مصادر الإيرادات العامة في الموازنة العامة للدولة في مصر, بفضل انحياز الحكومة ووزير ماليتها في سياسته الضريبية للرأسمالية الكبيرة علي حساب الشعب. وتشير بيانات مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي2011/2010, إلي أن الضرائب غير المباشرة المفروضة علي السلع والخدمات, والرسوم الجمركية, والتي تحمل في النهاية علي أسعار تلك السلع والخدمات والواردات, تبلغ في مجموعها93.3 مليار جنيه, عبارة عن77.8 مليار جنيه حصيلة الضرائب علي السلع والخدمات, ونحو15 مليار جنيه رسوم جمركية علي الواردات السلعية من الخارج. وبما أن الأثرياء أقلية صغيرة, فإن الضرائب غير المباشرة علي السلع والخدمات والرسوم الجمركية, هي ضرائب تدفعها في النهاية, الطبقة الوسطي والفقراء بصورة أساسية. أما الضرائب علي الدخول والأرباح الرأسمالية والبالغة نحو88.7 مليار جنيه, فإنها تضم الضريبة علي دخول الأفراد وأرباح الشركات. وتشير تقديرات موازنة عام2011/2010 إلي أن حصيلة الضريبة علي دخول الأفراد ستبلغ نحو19.2 مليار جنيه ومنها13.2 مليار جنيه, أي نحو68.8% منها, عبارة عن ضرائب علي الدخول من التوظف, أي ضرائب يدفعها العمال والموظفون أي الفقراء والطبقة الوسطي. أما الضرائب علي الدخول المتأتية من النشاط التجاري والصناعي والمهن غير التجارية, فإن حصيلتها المتوقعة تبلغ نحو6 مليارات جنيه. وجزء كبير من هذه الحصيلة يأتي من الطبقة الوسطي من المهنيين وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة. أما باقي هذه الضرائب فهي الضريبة علي أرباح الشركات والمقدرة بنحو69.4 مليار جنيه, فإن35.8 مليار جنيه منها يتم تحصيلها من هيئة البترول والشريك الأجنبي, ونحو10.7 مليار جنيه تحصل من قناة السويس, وهي عوائد متأتية من حقوق مملوكة للفقراء والطبقة الوسطي بصورة شبه كاملة. أما الجزء الباقي من الضرائب علي أرباح الشركات, فإنه يتم تحصيله من كل الشركات العامة والخاصة التي يتفنن جزء كبير منها في التهرب الضريبي, رغم كل الامتيازات التي تعطيها الدولة لهم, ورغم أن معدل الضريبة علي دخول وأرباح الشريحة العليا من الدخل يبلغ20% وهو نفس المعدل المفروض علي الطبقة الوسطي أو علي كل من يزيد دخله عن40 ألف جنيه, أي نحو7200 دولار في العام, وهو معدل بالغ التدني بالمقارنة مع الضرائب المناظرة المفروضة علي الشريحة العليا من الدخول في الغالبية الساحقة من الدول النامية والمتقدمة, أما عوائد ملكيات الدولة والمملوكة لكل المواطنين بالتساوي, بما يعني أن الغالبية الساحقة منها تعود للفقراء والطبقة الوسطي, فإنها ستبلغ وفقا لتقديرات موازنة عام2011/2010, نحو53.6 مليار جنيه, منها نحو25.1 مليار جنيه عوائد ملكية الدولة لهيئة البترول, ونحو14 مليار عائد ملكية قناة السويس, ونحو5.22 مليار جنيه فائض محول من قطاع الأعمال العام, ونحو2.7 مليار جنيه عائد ملكية الهيئات الاقتصادية, ونحو1.1 مليار جنيه عوائد الدولة عن رخصة الجيل الثالث للمحمول, ونحو2 مليار جنيه فوائد علي القروض الحكومية, ونحو2.4 مليار جنيه عائد إيجارات الدولة في قطاع البترول بصفة أساسية. وتحصل الدولة علي إيرادات تبلغ9.4 مليار جنيه كموارد جارية من الصناديق والحسابات الخاصة التابعة للدولة. كما تحصل من الفقراء والطبقي الوسطي, علي نحو14.9 مليار جنيه كحصيلة لبيع السلع والخدمات, منها نحو2.4 مليار جنيه كمقابل للخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والزراعية التي يفترض أنها مجانية. وهكذا فإن الغالبية الساحقة من الإيرادات العامة للدولة, تأتي بصورة أساسية من الطبقة الوسطي بصورة مباشرة أو من الحقوق والموارد والممتلكات العامة التي تعود الغالبية الساحقة منها للفقراء والطبقة الوسطي باعتبار أن تلك الموارد والملكيات العامة, مملوكة بالرأس لكل المواطنين علي قدم المساواة. وحتي يمكن تغيير هذا الوضع غير العادل, فإنه من الضروري تغيير نظام الضرائب الحالي والأخذ بنظام تصاعدي علي غرار النظم المعمول بها في الدول الرأسمالية المتقدمة والنامية, مع ضرورة رفع الحد الأدني للإعفاء من الضرائب إلي20 ألف جنيه علي الأقل اتساقا مع ارتفاع تكاليف المعيشة, خاصة أن معدل الإعالة مرتفع في مصر ويبلغ3.5 فرد لكل شخص يعمل.