يمور مجتمعنا بمفارقات عدة تحتم علينا التوقف عندها تأملا وتمحيصا وصولا إلي إجابات عن أسئلة حائرة ومنها مايلي. لم ينجح سوي15( خمسة عشر) متقدما من بين900( تسعمائة) متقدم لاختبارات وظيفة ملحق بوزارة الخارجية وتضمنت الامتحانات التحريرية: اللغات الأجنبية والقانون الدولي والعلاقات والمشكلات السياسية الدولية المعاصرة, والمفارقة الصارخة هي أن معظم إن لم يكن كل المتقدمين قد تعلموا بمدارس اللغات, كما أن عددا غير قليل منهم من خريجي ما يسمي كليات القمة, ناهيك عن اجتياز الجميع لدورات خصوصية لإعداد وتأهيل المتقدمين لهذه النوعية من الامتحانات. علي مدي ثلاثين عاما قامت شركة استثمارية معروفة ببناء منتجع علي مساحة2800 فدان بطريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي. اشتمل المنتجع علي1800 فيلا والعديد من المدارس وملاعب الجولف والبحيرات الصناعية وغيرها. الآن.. والآن فقط استيقظت هيئة التعمير والتنمية الزراعية من سباتها العميق الذي استمر زهاء الثلاثين عاما لتعلن أن بناء هذا المنتجع مخالف للغرض الذي تم تخصيص الأرض له وهو الاستزراع. الأنكي أن الشركة الاستثمارية ظلت طيلة الثلاثين عاما تعلن عن المنتجع في كل وسائل الإعلام بما فيها الرسمية, بل من المفارقات التي تندرج تحت مسمي المضحكات المبكيات أن كثيرا من مؤسسات الدولة عقدت العديد من المؤتمرات والندوات داخل هذا المنتجع. حينما تسمع بعض أقطاب الحزب الوطني الحاكم في البرامج الحوارية( التوك شو) أو تقرأ ما يكتبه هؤلاء في مقالات تنشرها لهم الصحف القومية, لابد أن تصاب بالدهشة إن لم يكن الحيرة, وتسأل نفسك: هل هؤلاء أعضاء بالحزب الحاكم أم أنهم من المعارضين؟ إن مقولات علي شاكلة:( الفساد في المحليات وصل للركب),( لعن الله الخصخصة ولصوص الخصخصة),( إن من يحكم مصر لابد أن توافق عليه أمريكا ولا تعترض عليه إسرائيل),( إن المصريين لم يشعروا بارتفاع معدل النمو الذي تعلن عنه الحكومة وأن ذلك يعزي إلي وجود زواج فاسد بين السلطة والمال),( إن تسويد بطاقات الانتخابات ظاهرة مصرية موجودة منذ زمن بعيد).. كلها مقولات تفرض سؤالا: مامعني هذا؟ مفارقة صارخة أن يختزل البعض كل أمور الحياة في مصالحه الشخصية, وكأن حدود الوطن هي باب شقته, خاطرة تداعت للذاكرة عندما شاهدت أبا يصطحب أطفاله ومن بينهم طفل لايزيد عمره علي ثلاث سنوات ويقف بهم علي رصيف مجلس الشعب تحت لهيب الشمس بعد أن وضع حبالا حول رقبته ورقابهم, السبب هو عدم السماح بنقل ابنه إلي كي جي تو. يالها من ملهاة بل مأساة.. مفارقة أن تتسرب ملايين الجنيهات المخصصة لعلاج الفقراء علي نفقة الدولة إلي بعض السادة المسئولين وأعضاء مجلس الشعب لعلاج الموسرين منهم وكذا ذوويهم وإجراء عمليات تجميل وشد وجه وعلاج بالأوزون وحمامات السونا وتقويم الأسنان وتصحيح النظر بالليزك في الوقت الذي مات فيه بعض مرضي السرطان والقلب والفشل الكبدي والكلوي بعد أن أعيتهم الحيل وباءت كل محاولاتهم بالفشل للحصول علي حقوقهم في العلاج علي نفقة الدولة. د.محمد محمود يوسف أستاذ بزراعة الإسكندرية