هل صحيح أن من يبدأ حياته العملية صغيرا يظل هكذا طول حياته؟ أم أن هناك التدرج المنطقي في العقلية. منذ سنوات ماضية كانت هناك نماذج كثيرة لشخصيات بدأت صغيرة وكبرت, منها رجل الأعمال الكبير محمد العربي, فهو قدوة ومثل يحتذي لأصحاب الأعمال الشرفاء, فقد بدأ حياته من الصفر واستطاع بكفاح وصبر أن يصل إلي مصاف الناجحين بفضل طموحه وذكائه الفطري, فهو بحق رجل عصامي بني نفسه بنفسه, واستخدم مهاراته وكان لديه الطموح وساعدته الظروف والمناخ العام السائد وقتها في النجاح ليصبح من كبار رجال الأعمال. والسؤال المطروح: لماذا لانجد الآن مثل هذا النموذج بين الشباب؟ ولماذا يخشي البعض قبول العمل الصغير خوفا من أن يظل فيه طول حياته؟! وهل المناخ الحالي لا يساعد علي النجاح وتحقيق الطموح أم أن المشكلة في الشخص ذاته؟!. المناخ.. والقدرات تقول الدكتورة علا الحكيم( مدير معهد التخطيط القومي): النموذج الناجح يرجع نجاحه إلي المناخ العام الذي ساعده علي ذلك, بالإضافة للقدرات الشخصية للفرد التي تؤهله للنمو والتطور, فالنجاح له أسباب منها ما له صلة بالمناخ المؤسسي المحيط به والقوانين والتشريعات, وفرص التقدم وظروف السوق, والجزء الآخر مرتبط بذكاء الفرد وقدراته وتدريبه وخبراته. والذي يحدث الآن هو تغير المناخ الذي أصبح لا يساعد الشباب من جهة, ثم مسئولية الشباب أنفسهم فلديهم الطموح لكنهم لا يريدون بذل الجهد والتعب, وفي الوقت ذاته نجد ظروف السوق تتطلب قدرات معينة وشرط العمل التواصل, وهذا غير متوافر في الشباب.. والفرد الذي يريد أن ينجح ويصل إلي مكانة عاليه لابد أن تكون لديه قدرة علي الابتكار والتجديد والتوصل لأساليب غير تقليدية, وأن يكون قادرا علي الإضافة وتنمية مهاراته, فالوصول للقمة يحتاج لتطوير الذات وتنمية القدرات واكتشاف أسباب النجاح. وللأسف.. المناخ المحيط حاليا لا يساعد علي تنمية المهارات, فإنتاجية العمالة لدينا منخفضة واستخدام الوقت ليس له قيمة, وهذه كلها أسباب تفسر لماذا لا تتدرج العقلية المصرية وتتطور وتقود الفرد إلي أعلي مكانة يطمح إليها. حدود.. وعوامل الدكتور حسن البيلاوي( مستشار أول وزير التربية والتعليم واستاذ التربية) له رأي في هذا الموضوع فيقول: لا نستطيع أن نقول إن الشخص الذي يشغل عملا صغيرا سيظل هكذا, فالحياة تعلم الإنسان لكن هناك حدودا للنمو والتطوير واكتساب الخبرة, وهناك عوامل يمكنها أن تجعل التدرج والوصول إلي النجاح ظاهرة وهو ما نسميه الثقافة ونمط العقلية, وهذا دور الفئة المثقفة أن تنشر ثقافة عدم التواكل ومعرفة الحياة والتنوير, واتساع الأفق, والاعتماد علي النفس والتزود بالمعرفة, وهي كلها عوامل مهمة للتطوير, وهذه هي العوامل المرتبطة بالمناخ العام والمجتمع.. وعلي الدولة أن تهتم بتزويد الناس بالمعارف, فالنجاح معرفة وهو حق يجب أن يكون مكفولا لكل مواطن, ولابد من توافر مصادر معلومات عن السوق والحياة والطرق المتاحة في العمل. أما الفرد ذاته فيحتاج لمهارات النجاح والتواصل, وكيفية الإنصات والاستماع والتفكير والتحدث, علما بأن استخدام أدوات التكنولوجيا أي مهارات الاتصال عملية تعليم وتعلم يكتسبها من المحيطين به, بالإضافة لإتقانه اللغة الأجنبية. وتنقصنا في مصر الثقافة القائمة علي العلم والقياس, ولابد أن تكون موجودة ومنتشرة بيننا وهي ثقافة قائمة علي احترام حقوق وخصوصيات الآخرين, أما لماذا لا ينجح الناس, فلأن المناخ السائد لا يعتمد علي هذه الثقافة, بل مناخ الفتاوي والحسبة التي لا تساعد أبدا علي النجاح. ونحن بحاجة لحرية وأطر تشريعية وتجمعات تنشر ثقافة جديدة ومعارف منها ثقافة السوق حتي يستطيع المجتمع أن ينهض بأفراده.. وهناك حالات فردية ناجحة بحاجة للتصميم والاتساع حتي لا تظل مجرد نماذج فردية بل تصبح ظاهرة, لأنها حق من حقوق المواطنة, ولأن ذلك يحقق التنمية البشرية, وبالتالي تقدم الدولة, فعدم التطور, وأن يظل الفرد واقفا في مكانه يمثل عبئا علي التنمية.. وباختصار نحن بحاجة لعقل جديد للانسان المصري. المناخ.. والفرص يري الدكتور عطية القوصي( الأستاذ بآداب القاهرة) أن المناخ السائد لا يوفر الفرص أمام الفرد لكي يتطور ويقول: زمان الفرص كانت سهلة ومتاحة أمام الناس ومن يجتهد فلابد أن ينجح ويحقق ما يريد لكن في ظل سياسة العرض والطلب الحالية يظل الفرد محبوسا في مكانه ولا مجال للترقي أمامه, أي أن الفرد لا ذنب له فهو طموح لكن الظروف المحيطة به هي التي تكبل قدراته, ولا تتيح أمامه فرص الوصول والترقي. ويقول الدكتور محمد الشحات( عميد حقوق حلوان الأسبق والأمين العام للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية: إن عدم تدرج العقلية المصرية سببها عوامل مرتبطة بالفرد وأخري خاصة بالمجتمع, وكلاهما لاينفصلان فهناك طموح لدي الفرد, لكن هذا الطموح قد لا يتفق مع الإمكانات والمقومات الشخصية, فالطموح وحده لايكفي للنجاح بل لابد من وجود الأسباب التي تدفع للتقدم من مهارات وقدرات واجتهاد ورغبة في التعب والصبر. وهناك نماذج ينظر لها كقدوة ويحاول الناس تقليدها.. هذه النماذج حققت ثروات طائلة في فترة قصيرة, ويمكن ان يكون ذلك قد تحقق بطرق غير مشروعة مثل وضع اليد علي الأراضي وتسقيعها والتربح منها. زمان كانت طموحات الفرد موجودة, وهناك قيم ووازع ديني واجتهاد وصبر, هذه القيم تغيرت الآن وأصبح التسلق هو الموجود والرغبة في الكسب السريع بأي طريقة. ويضيف: عدم التدرج والتطور في العقلية راجع للمناخ العام والظروف الاجتماعية وعدم المحاسبة وعدم الرقابة وغياب الرادع الديني لدي الناس, وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة, وبالتالي حدث خلل في تفكير الفرد والمناخ العام, وهذا الخلل راجع لأسباب عديدة قانونية ودينية واجتماعية واقتصادية.