مرت الموازنة العامة للدولة للعام2011/2010, تحت غطاء كثيف من أحداث عالمية وإقليمية ومحلية كبري, لكننا سنتعرض هذه المرة لأحد جوانبها وهو الإنفاق علي الدعم... وأهمية تناول الدعم في البداية, ترتبط بالحديث الحكومي الدائم عن عبء مخصصات الدعم والتحويلات التي تبلغ نحو8.4% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة عام2011/2010, متناسين أن مصر بين الدول الأقل تقديما للدعم والتحويلات في العالم, حيث تشير بيانات البنك الدولي إلي أن مخصصات الدعم والتحويلات شكلت نحو27.5%,26.1%,25.6%,24.3%,23.8%,21.8%,13.6%,12.5%,10.8%,9.4% في كل من فرنسا, وإيطاليا, والدانمرك, وفنلندا, وألمانيا, وبريطانيا, والولايات المتحدة, وتونس, والمغرب, وتركيا بالترتيب في عام.2008 كما يتجاهل الداعون للدعم النقدي طرح تصور واضح ومنطقي عن قيمة الدعم النقدي للفرد والتغير السنوي الذي سيطرأ عليه اتساقا مع الارتفاع الحقيقي لأسعار السلع الأساسية كل عام. كما لا يوجد لديهم تصور عن كيفية توزيعه, وهل يحصل عليه كل فرد مباشرة أم من خلال رب الأسرة الذي يمكن أن يكون منفصلا عنها وبالتالي لا يقدم الدعم لزوجته وأبنائه. كما أن دعاة الدعم النقدي لا يطرحون أي خطة عملية تحدد آليات توصيله لمستحقيه من العاملين في القطاع غير الرسمي وفي القطاع الخاص, وهم وأسرهم أعداد ضخمة تزيد عن نصف عدد السكان, فضلا عن التعقيدات بشأن وصوله للعاطلين الذين توجد خلافات كبيرة حول تقدير أعدادهم. وعلي أي حال فإن مخصصات دعم الخبز والسلع التموينية الذي يتوجه للفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطي, بلغت16.5 مليار جنيه عام2008/2007, وارتفعت إلي21.1 مليار جنيه عام2009/2008, وتراجعت إلي14.1 مليار جنيه عام2010/2009, وستواصل التراجع إلي13.6 مليار جنيه عام2011/2010, رغم الارتفاع المتوقع في الأسعار عالميا بما يعني انخفاض نصيب الفرد من السلع المدعومة, رغم أهميتها في تخفيف وطأة الفقر. وتبدو أسعار استيراد السلع التموينية والقمح مضطربة ومختلفة عما يجري في السوق العالمية, بما يطرح ضرورة استيراد الحكومة لها مباشرة دون وسطاء يقتاتون علي المال العام, علما بأن تفاوض الحكومة بصورة مباشرة مع الموردين يمكن أن يمنحها شروطا سعرية ونوعية أفضل, مع الاسترشاد بحركة الأسعار في بورصات السلع ووضع عمليات الشراء تحت رقابة صارمة من الحكومة والمعارضة وأجهزة الدولة. كما يجب التفكير جديا في الدعم المباشر للخبز وليس للدقيق لإنهاء تهريب الدقيق المدعوم. أما دعم المواد البترولية فقد ارتفع في الموازنة الجديدة إلي67.7 مليار جنيه, مقارنة بنحو57.1 مليار جنيه عام2009/.2010 وإذا أضفنا دعم الكهرباء وقدره6.3 مليار جنيه إلي هذه المخصصات, فإن إجمالي مخصصات دعم الطاقة يصل إلي نحو74 مليار جنيه في موازنة2010/.2011 وهذا الدعم الكبير يذهب في معظمه إلي الرأسمالية الكبيرة من مالكي شركات الحديد والأسمنت والأسمدة والألومنيوم وكل الشركات المستهلكة للطاقة بكثافة, إضافة إلي المعدات الثقيلة والآلات ووسائل النقل والمخابز. وكان من الممكن قبول مثل هذا الدعم الذي تدفعه الأمة بأسرها من إيراداتها العامة, لو كانت تلك الشركات تبيع إنتاجها بأسعار منخفضة, لكنها تبيع إنتاجها بالأسعار العالمية وتزيد عليها كثيرا لتحقيق أرباح استثنائية من دم هذا الشعب, بما يجعل إلغاء الدعم المقدم لها ضرورة منطقية وأخلاقية, مع عدم المساس بدعم الطاقة للشركات الصغيرة والمتوسطة وبالذات في القطاعات كثيفة الاستخدام للعمالة وأيضا للاستخدمات المنزلية للفقراء والطبقة الوسطي. واستمر دعم الصادرات عند مستوي4 مليارات جنيه في موازنة2011/2010, رغم كل الانتقادات التي وجهت إليه من عدم وجود قواعد واضحة له ومن أن حفنة من المصدرين أصحاب النفوذ السياسي وبعض الرأسماليين المتعاونين مع نظرائهم الصهاينة في مناطق الكويز, هم من يحصلون عليه. وبالمقابل بلغت قيمة دعم تنمية الصعيد نحو200 مليون جنيه أي5% من دعم الصادرات, ودعم الأدوية والتأمين الصحي نحو421 مليون جنيه, ودعم المزارعين والحاصلات الزراعية نحو2.2 مليار جنيه. أي أن الدعم الذي تحصل عليه حفنة من المصدرين النافذين سياسيا تزيد عن دعم الفلاحين والأدوية والتأمين الصحي وإسكان محدودي الدخل وتنمية الصعيد, وهو نوع من التعدي علي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفقراء والطبقة الوسطي لصالح الطبقة الرأسمالية الكبيرة. ولا تقدم الحكومة إعانات للعاطلين رغم أن الهند التي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل أقل من نصف نظيره في مصر, تقدم تلك الإعانات منذ عام2006 بواقع أجر100 يوم عمل لكل عاطل. وهذا الأمر لا يتعلق بغياب الموارد وإنما بترتيب الأولويات. ولو قدمت الحكومة ال4 مليارات جنيه التي تقدمها كإعانات للمصدرين, إلي العاطلين بواقع2000 جنيه في العام لكل عاطل, فإنها ستغطي نحو2 مليون عاطل وهو الرقم الرسمي للعاطلين في مصر, بغض النظر عن كونه غير دقيق, وستتحول هذه الأموال إلي طلب فعال علي السلع والخدمات يحفز إنشاء مشروعات لتلبية هذا الطلب. كما تراجع الدعم المخصص لإسكان محدودي الدخل من1.3 مليار جنيه في العام المالي2010/2009, إلي1 مليار جنيه في موازنة العام المالي2011/2010, بنسبة انخفاض قدرها23.1%. والأسوأ من هذا الانخفاض في المخصصات, هو أن هذا الدعم يذهب للرأسماليين من أصحاب الشركات الخاصة التي تنفذ المشروع وليس للمستفيدين الذين هم أيضا ليسوا من محدودي الدخل أصلا, بما يفرض ضرورة إصلاحه وإخراج الرأسماليين نهائيا من تنفيذه لينفذ عبر علاقة مباشرة بين المواطنين والدولة.