أم لأن قلم المبدع قلم متمكن قادر علي الخوض في أوراق التاريخ وتأملها وصياغتها بلغة أدبية رفيعة تدعو الي الاعجاب. [email protected] حقا..؟ أيا كانت الأسباب فنحن أمام تأملات قصصية من وحي التاريخ كما أطلق عليها سلماوي تأملات أدبية تجعلنا نعيد النظر في أمور كثيرة تصادفنا في حياتنا.. نطيل النظر اليها.. ونعيد قراءتها وصياغتها.. وحينها فقط تكتسب بعدا جديدا مختلفا. الماضي العريق يرتبط هنا بالحاضر. خيوط متشابكة تجمع بينهما.. حقا تختلف التفاصيل.. ولكن يبقي الاطار العام واحدا.. وأحسب أن هذا تحديدا هو عظمة النص. دعونا نتأمل معا بعض السطور: ها هي كلمات إيبو أور تعبر في حزن وأسي عما آلت إليه أحوال البلاد من ترد وأزمات واضطرابات. كتب يقول في بردية يعود تاريخها الي عام(2260 قبل الميلاد): كل الأشياء الجميلة زالت واندثرت لم يبق لنا إلا القبح في كل مكان الأشياء الطيبة اختفت لم يبق حتي قلامة ظفر. البلاد تدور كدولاب الفخار ولا يخرج منها إلا الاشكال الممسوخة والأحوال المقلوبة وتطل كلمات الحب العذبة الناعمة من بين سطور البرديات.. ها هو كبتاح, ذلك الشاب اليافع المفتول العضلات يكتب لحبيبته لوتس بردية تشع نورا وضياء. أنت الأجمل بين النساء ليس كمثلك أحد أنت النجم المشرق في مطلع سنة جديدة أنت زخات الماء.. في يوم الفيضان أما أنا فغارق لرأسي تحت أمواج الحب ثغرك برعم زهرة نهدك ثمرة تين جبهتك طوق من عاج أما أنا فإوزة برية سقطت راضية في شرك الحب وفي إحدي البرديات القديمة يصف شاعر مصري مجهول, عهد تحتمس الثالث صاحب أطول مسلة فرعونية والتي تقف شامخة اليوم في قلب أحد ميادين روما والذي شهد عهده نهضة معمارية وزراعية عظيمة, وشهد كذلك رخاء وأمانا, فعرفت البلاد العدالة ونعمت بالاستقرار والهدوء. يقول الشاعر مخاطبا تحتمس اجلس وتحدث وأنت مرتاح البال اخرج للنزهة في الطريق الطويل لقد زال الخوف من قلوب الرجال لن نسمع اليوم من ينادي ليلا: حذار! فقد حضر من يتكلم غير لغة البلاد! الآن يروح الناس ويغدون وهم يغنون لم تعد هناك شكوي ولا أنين فمن يفلح الأرض هو الذي يأكل حصادها بعد أن قهر الملك أعداءه في الشرق والغرب. ها هي مصر القديمة تعايش عهودا عصيبة من الظلم والبطش تحت حكم الرومان الأغراب الذين ظلوا يستنزفون خيرات البلاد ويتفننون في اذاقة أهلها أفظع أنواع العذاب طوال ما يقرب من700 سنة وحتي الفتح الاسلامي في عام641 بعد الميلاد. يفوح الموت هنا عبر أوراق البرديات عاكسا خلفه أجواء من الارهاب والظلم عاني منها المصري القديم خلال الحكم الروماني. تقول كلمات بردية قديمة: الموت اليوم أمامي مثل الشفاء أمام المريض مثل أول خروج بعد المرض الموت اليوم أمامي مثل رائحة المسك كما لو كان المرء شراعا تدفعه الرياح القوية الي مرفأ الأمان الموت اليوم أمامي. وتختلط في أوراق البرديات القديمة الأحوال السياسية للبلاد مع مشاعر الحب ووهجه المشتعل.. العاشق الولهان الغارق في بحور الحب المتلاطمة خط احساسه البكر بقوة وشموخ.. وتتبدي كذلك نيران الثورة علي الظلم.. وهناك أيضا المشاعر النبيلة العذبة التي سكنت قلب المصري القديم وغمرت نفسه: مشاعر الخير والوفاء والأمل.. وتطل المرأة الفرعونية بقوة هنا في السطور: الحبيبة.. الزوجة.. الأم.. الحاكمة.. البرديات تحمل في طياتها نبضا إنسانيا دافئا يموج بالمشاعر والاحساسات البكر الطازجة التي مازالت الي يومنا هذا تخفق وتسري في شراييننا ودمائنا.. إعادة قراءة تاريخنا القديم عبر قالب قصصي وأدبي بديع, تجربة ثرية تستحق الاشادة والتحية. تجدر الاشارة هنا الي اللوحات الفنية الجميلة التي صممها الفنان رضا عبدالرحمن والتي أضافت للنص بعدا أخاذا وثريا. الكتاب صادر عن الدار المصرية اللبنانية