من أعمالها الروائية الخمسة:( رائحة اللحظات),( أجنحة المكان),( مرايا الروح),( البيت), و(حكايات عادية لملء الوقت), حرصت الكاتبة بهيجة حسين علي أن تعكس الواقع المصري العام بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة علي السواء. وفي قلب هذا الواقع رصدت الواقع الخاص بالمرأة بكل آماله وإحباطاته ودخائله.. فهناك علي حد تعبيرها انعكاس قوي وعلاقة جدلية بينهما. تقول لنا: أقرأ الآن رواية( المواطن ويصا عبدالنور) للكاتب حسين عبدالعليم( صادرة عن دار ميريت) وهي تعد العمل التاسع له ما بين مجموعات قصصية قصيرة وروايات. الرواية تؤكد من عنوانها معني ومفهوم المواطنة, ولا ترتكز علي فكرة الدين كما قد يخيل للبعض. تبدأ أحداثها بسرد لحياة الشاب ويصا الذي يعيش في مدينة الفيوم مع أسرته وأصدقائه حياة هادئة وادعة.. لا فرق بين مسلم ومسيحي, فالكل هنا مجرد مواطنين سواسية.. الي أن تقع الأحداث الإرهابية التي شهدتها مصر في الحقبة الأخيرة, والتي ظهرت متفرقة منذ منتصف سنوات السبعينيات وحتي التسعينيات والتي واكب معها ظهور وانتشار لبعض الأفكار الوافدة علي النسيج المصري الواحد, والتي تفرق وتفصل معها بين المواطنين علي أسس الديانة, وكان هذا ما يسخر منه ويصا وجيرانه وأصدقاؤه من المسلمين والأقباط معا, مؤكدين أن هذه مرحلة سوف تنتهي ويعود النسيج الواحد الي الالتحام. نورد هنا فقرة قصيرة من الرواية حينما قرر ابن المواطن ويصا عبدالنور واسمه( متي) الهجرة في البداية هاج المواطن ويصا عبدالنور وماج لدرجة أنه ضرب( متي) بالقلم, قال له كلاما كثيرا عن الوطن لا يذكر منه حاليا سوي رائحة الهواء التي لا توجد سوي هنا تطهر الرئتين, طجرم الولد متي: عجبك عيشة الزفت والفقر دي, عاجبكم وجع الدماغ... يومها ردت عليه أمه اخرس دي بلدنا.. يا خسارة تربيتي فيك.. كل اللي بتقول عليه ده حايتكنس بمرور الوقت. هذه الرواية هي تعبير صادق وواضح معا عن الحالة الحقيقية التي تربط المصريين بعضهم بعضا.. وهي بمثابة تسجيل لحياة أسرة مصرية بسيطة, حيث يعرض هنا الكاتب للعديد من التفاصيل الصغيرة بأسلوب سهل وجذاب.. يشد القاريء بكلماته, وهو ما أستطيع أن أصفه بالسهل الممتنع.. فأي كاتب لم يخض مثل هذه التجربة لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يقدم لنا هذه المفردات المعبرة وهذه اللغة الحية المؤثرة والبسيطة في الوقت نفسه, وتلك الصور والحالات التي أضافت معها حميمية خاصة لشخوص الرواية, فجعلت معها القاريء وكأنه يعيش مع أبطال الرواية, ويحيا معهم أحداثها بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة علي السواء. هي رواية حياة.. ليست حياة الأسرة الصغيرة التي يعرض لها الكاتب هنا فحسب, بل أيضا الحياة في قلب مدينة صغيرة.. برغم صغرها إلا أنها تخص الحياة في مصر كلها.. اعتمد المؤلف علي حيلة إبداعية ليعرض عبرها رؤاه وأفكاره, إذ يسجل هنا المواطن ويصا عبدالنور مذكراته التي استند فيها علي التواريخ المفصلية والمهمة في حياته الشخصية, كما قد تبدو, لكنها تؤرخ معها في الحقيقة لمرحلة تاريخية كاملة, كأن يسجل تاريخ زواجه في عام1972 فيربطه بواقع اجتماعي معاش.. يحدثنا مثلا عن ازدهار السينما العالمية, وأبرز الأفلام التي حصلت علي الأوسكار, وانتشار دور العرض في المحافظات المصرية المختلفة. يسجل في مذكراته كذلك أنه من مواليد عام1942 ومعها يتحدث عن مولد بطل الملاكمة الشهير محمد علي كلاي ورحلة الكفاح التي اجتازها من أجل الحصول علي اللقب العالمي. يتوقف كذلك عند تاريخ حزين:1950/5/9 وهو تاريخ وفاة مقريء القرآن الشيخ العظيم محمد رفعت الذي تربي المواطن ويصا عبدالنور علي صوته في القرآن والأذان خاصة خلال شهر رمضان.. الرواية مفعمة بالتفاصيل التي تؤكد معها وحدة نسيج المجتمع المصري خلال هذه السنوات. * هناك( حالة) نشر عالية.. هذا أمر مؤكد, نشعر بثمراته جميعا.. هناك دور نشر جديدة.. أذكر أيضا مشروع الترجمة ومكتبة الأسرة, إضافتان مثمرتان بلا شك.. حركة كتابة عالية ومتصلة خاصة من قبل الشباب.. فالكتابة برأيي تعد بمثابة وسيلة مهمة ومؤثرة من رسائل التعبير, والحصاد هنا مفرح.. أتحدث عن الكم.. شيء رائع حقا.. إذا أردنا أن نحاكم الكيف, لأن ما يحدث الآن علي الساحة الأدبية بمثابة ظاهرة جديدة, فلنترك لها فرصة الاكتمال.. فهي ظاهرة إيجابية تستحق التشجيع والمؤازرة والأخذ باليد, نعم يستحق الشباب المساندة.. * عشنا سنوات وعقودا ونحن بالكاد نحصي علي أصابع اليد الواحدة, دون أن تكتمل عدد الكاتبات والروائيات.. حقا إن الكتابة وسيلة للتعبير عن الذات والنفس والهم العام والخاص, لكنها أيضا وسيلة محفوفة بالمخاطر والقيود الاجتماعية.. ربما لهذا السبب تحديدا ظل عدد الكاتبات لسنوات طويلة محدودا.. لكن ينبغي أن نؤكد هنا أن هذا العدد المحدود من الكاتبات هو الذي مهد الطريق.. هو الذي أفرز هذه الظاهرة الصحية.. لدينا الآن عدد كبير من الكاتبات المرموقات والمؤثرات.. فعل الكتابة فعل صحي, ومع التراكم يؤدي الي نقلة في الوعي وتغيير في المجتمع. مرحبا بكل كتابة جميلة ومؤثرة وفعالة. ظاهرة الكاتبات المصريات ظاهرة تستحق الفرحة. * لا يستطيع الإبداع أن يعيش ويبقي وينمو دون الحرية.. ونحن ككتاب ومبدعين نحتاج حقا الي مران لممارسة الحرية.. حتي نستطيع أن نطرد الرقباء الذين يسكنون داخل نفوسنا.. بداخلنا تاريخ طويل من القهر والعيب والحظر الاجتماعي يحتاج الي مواجهة بقوة. نحن بحاجة الي أن نعيد قراءة أنفسنا قراءة حرة, وبحاجة كذلك الي أن نؤمن بحرية المبدع.. علينا أن نقيم الإبداع عبر نظرة إبداعية مفتوحة وحرة وليس من خلال رؤية ونظرة مسبقة.. فلا نفتش خلف كلمات الكاتب كي نعرف ماذا يريد أن يقول عبر نصبه الإبداعي. نحتاج الي التعامل مع النص الأدبي في حد ذاته دون إسقاط لقيود ومحاذير عليه. * كل أشكال الإبداع والفنون بمثابة وسيلة يلجأ إليها المبدع كي يقدم رسالته.. قد تكون لوحة فنية أو ربما سطور رواية أو قصة قصيرة أو مقطوعة موسيقية, المهم هنا الصدق والجمال في الرسالة. استطاع يوسف إدريس بقصصه القصيرة أن يقدم مشروعا كبيرا مازلنا نرتكن عليه ومازلنا ننهل منه.. وقدم لنا نجيب محفوظ نفس الكنز برواياته العظيمة الخالدة, وصلاح عبدالصبور عبر أبيات شعره.. فلا يوجد نوع محدد أقدر علي( توصيل) الرسالة والتواصل مع المتلقي. نعم الرواية انتعشت في السنوات الأخيرة هذا صحيح, ربما لانها تحمل معها مساحة أوسع للتعبير, فهي قماشة واسعة ورحبة تضم في جنباتها خيوطا كثيرة متشابكة, والواقع المصري في أشد الحاجة للتعبير عن أحواله وتناقضاته ومشاكله.. ومن هنا جاء انتعاش الرواية.