الاقتصاد الرقمي.. وتصريحات الرئيس    مصر تؤكد الاستعداد للتعاون مع الشركاء الأوروبيين لتنفيذ برامج تعاون ثلاثي بأفريقيا    اشتهرت بمصائد الموت.. مؤسسة غزة الإنسانية تنهي أنشطتها في القطاع بعد أشهر مثيرة للجدل    الهجرة الدولية: 645 شخصا يفرون من قريتين في جنوب السودان بسبب انعدام الأمن    الدحيل يكتسح اتحاد جدة برباعية في دوري أبطال آسيا للنخبة    ماريسكا يطمئن جماهير تشيلسي بشأن عودة بالمر قبل مواجهة برشلونة    21 ألف متقدم للبعثة الطبية.. وزارة الصحة تجتمع لمتابعة استعدادات حج 1447ه    محافظ شمال سيناء ل"الحياة اليوم": إقبال كثيف للسيدات على لجان الانتخابات    الأوقاف الفلسطينية تشيد ببرنامج دولة التلاوة المصري وتثمن إحياء مدرسة الأداء الأصيلة    وزير الخارجية يشدد على أهمية تنفيذ قرار مجلس الأمن بشأن غزة    محافظ الدقهلية يتابع سير اللجان الانتخابية ليلا ويشيد بالمشاركة الإيجابية    هل يجوز طلب الطلاق من زوج لا يحافظ على الصلاة؟.. أمين الفتوى يوضح!    رئيس الوزراء يشارك بالقمة السابعة بين الاتحادين الأفريقى والأوروبى فى أنجولا.. صور    ارتفاع سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 24 نوفمبر 2025    الداخلية تكشف حقيقة فيديو إلقاء زجاجة مشتعلة داخل لجنة انتخابية بالدقهلية    منتخب الطائرة يفوز على السويحلي الليبي وديا قبل المشاركة في بطولة التحدي بالأردن    مفتي الجمهورية: الإسلام دين عدل ورحمة وأفعال المتطرفين لا تمت له بِصلة    حنان مطاوع تشارك محمد إمام بطولة الكينج في أول تعاون بينهما    اليوم.. افتتاح الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ للمسرح الشبابى    بعد أزمته الصحية الأخيرة.. أول ظهور ل تامر حسني رفقة أسماء جلال في عمل فني جديد    مدحت شلبي يحضر لنقابة الإعلاميين بشأن شكوى النادي الأهلي ضده    محمد صلاح فى قلب العاصفة.. روني يطالب سلوت بإبعاده عن التشكيل الأساسي    غرفة العمليات المركزية لحزب الإصلاح والنهضة تتابع التصويت بانتخابات مجلس النواب    ارتفاع نسبة التصويت بلجان جنوب سيناء وحضور كثيف للناخبين    أحمد المسلماني يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب    الهلال الأحمر المصري يشارك في تقديم الدعم للناخبين خلال المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    ننشر قرار زيادة بدل الغذاء والإعاشة لهؤلاء بدايةً من ديسمبر    مسلم يفجر مفاجأة ويعلن عودته لطليقته يارا تامر    يسرا ودرة يرقصان على "اللي حبيته ازاني" لحنان أحمد ب "الست لما"    محمد مسعود إدريس من قرطاج المسرحى: المسرح فى صلب كل الأحداث فى تونس    وزير التعليم: التحضير لتوقيع بروتوكولات تعاون مع إيطاليا لإطلاق 89 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية جديدة    الرئيس التنفيذي لهونج كونج يشكك في جدوى العلاقات مع اليابان بعد النزاع بشأن تايوان    خلال زيارته لوحدة بني عدي.. محافظ بني سويف يوجه بمتابعة رضيعة مصابة بنقص هرمون الغدة الدرقية    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص فى ترعة على طريق دمياط الشرقى بالمنصورة    «الرزاعة»: إنتاج 4822 طن من الأسمدة العضوية عبر إعادة تدوير قش الأرز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فاجتهد ان تكون باب سرور 000!؟    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن:حين يختلط التاريخ بالخطابة الانتخابية.    ضبط 1038 مخالفة مرورية لعدم ارتداء الخوذة    إصابة 8 عمال زراعة بتصادم سيارة وتوكوتك ببني سويف    122 مستوطنا يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلى    كأس العرب - متى يتحدد منافس مصر الأخير في دور المجموعات    رغم بدء المرحلة الثانية…انتخابات مجلس نواب السيسي تخبط وعشوائية غير مسبوقة والإلغاء هو الحل    المرأة الدمياطية تقود مشهد التغيير في انتخابات مجلس النواب 2025    الداخلية تواصل عقد لقاءات مع طلبة المدارس والجامعات للتوعية بمخاطر تعاطى المواد المخدرة    استقبال 64 طلبًا من المواطنين بالعجوزة عقب الإعلان عن منظومة إحلال واستبدال التوك توك بالمركبات الجديدة    اليوم.. إياب نهائي دوري المرتبط لكرة السلة بين الأهلي والاتحاد    هبوط المؤشر الرئيسي للبورصة بمنتصف التعاملات بضغوط تراجع أسهم قيادية    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل 26 ألف مواطن خلال شهر نوفمبر الجاري    الصحة: لا توصية دولية بإغلاق المدارس بسبب الفيروسات التنفسية لعدم جدواها    كيفو: محبط من الأداء والنتيجة أمام ميلان.. وعلينا التركيز أمام هجمات أتلتيكو مدريد المرتدة    د. أحمد ماهر أبورحيل يكتب: الانفصام المؤسسي في المنظمات الأهلية: أزمة حقيقية تعطل الديمقراطية    زيلينسكي يتحدث عن تحقيق تقدم في محادثات السلام رغم الحاجة إلى مزيد من الجهود    بيلد: ليفربول قد يفضل بيع كوناتي خلال يناير في هذه الحالة    وزير الصحة يستعرض المنصة الرقمية الموحدة لإدارة المبادرات الرئاسية ودمجها مع «التأمين الشامل»    الرعاية الصحية بجنوب سيناء تتابع خطة التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب    رئيس جامعة القاهرة يشهد افتتاح مؤتمر المعهد القومي لعلوم الليزر    انطلاقة قوية للانتخابات.. الخصوص تحتشد أمام اللجان منذ فتح الأبواب    أدعية المظلوم على الظالم وفضل الدعاء بنصرة المستضعفين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القضاة و المحامون‏..‏ رفقاء وليسوا فرقاء
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 06 - 2010

لم يكن يدر بخلدي يوما ما أن أكتب عن العلاقة بين القضاة والمحامين‏,‏ ذلك أن تلك العلاقة من أبجديات العمل القضائي‏,‏ وبديهيات آلياته‏,‏ فهما رفقاء طريق واحد . هو القوامة علي تحقيق العدل‏,‏ فلا يستقيم العدل إلا من قاض استقام تجردا ووجدانا‏..‏ يؤمن بالحق دستورا وكيانا‏..‏ فإذا ترافع أو حكم كان العدل غاية وعنوانا‏...‏ فالقضاة والمحامون صنوان‏,‏ فكلاهما رجل قانون‏,‏ الأول يسهر علي تطبيقه والثاني يترافع لأجله‏,‏ ويتساند كلاهما في حمل وتحمل الأمانة العظمي التي ناءت عن حملها الجبال الرواسي فقبلوها طائعين‏,‏ طامعين في ثواب الله عاجله وآجله‏.‏
والحرص علي تدعيم توقير القضاة وترسيخ هيبتهم هو من أوجب واجبات المحامين أنفسهم‏,‏ لأنهم يستمدون منهم وقارهم وهيبتهم‏,‏ الكامنة في نفوس وضمائر المتقاضين الذين يهرعون إليهم طالبين الذود عن حقوقهم وحرياتهم من عسف وإعنات الآخرين بهم بما يؤكد مبادئ حقوق الإنسان‏..‏ وفي مقولة خالدة للسيد الرئيس محمد حسني مبارك في مؤتمر العدالة عام‏1986‏ قال‏:'‏ إن احترام المنصة العالية التي ترعي بكل الهيبة والجلال سيادة القانون العادل‏,‏ هي أولي مسئوليات الحكم والتزاماته‏,‏ وهي معيار إيمان جميع الأطراف في الحركة الاجتماعية بجوهر الديمقراطية والحرية‏.'‏ ذلك لأن القضاء‏-‏ كما عرفه المرحوم المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق‏_‏ هو‏:'‏ قبس من نور الله الحق‏;‏ به بعث أنبياءه ورسله ليقيموا حجته علي خلقه‏,‏ ومن هنا كانت ولاية القضاء من أعلي الولايات قدرا وأجلها خطرا وأعزها مكانا وأعظمها شأنا‏;‏ لأن بها تعصم الدماء وبدونها تسفك‏.‏ وتحرم الأعراض‏,‏ وبدونها تهتك‏.‏ وبها تصان الأموال‏,‏ وبدونها تسلب‏.‏ وبها أيضا نعلم ما يجوز في المعاملات وما يحرم منها‏,‏ ويكره‏,‏ ويندب‏'.‏
والمحاماة من الحماية والمحامون هم وجهة التنوير والإرشاد والمعاون للقضاة‏,‏ ومن أبلغ ما قيل في وصف المحاماة وتقديرها ما قاله دوجيسو رئيس مجلس القضاء الأعلي بفرنسا في عهد لويس الخامس عشر‏:(‏ المحاماة عريقة كالقضاء‏-‏ مجيدة كالفضيلة‏-‏ ضرورية كالعدالة‏..‏ هي المهنة التي يندمج فيها السعي إلي الثروة مع أداء الواجب‏-‏ حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان‏-‏ المحامي يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبدا له‏-‏ ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلا بغير ولادة‏,‏ غنيا بلا مال‏,‏ رفيعا من غير حاجة إلي لقب‏,‏ سعيدا بغير ثروة‏)..‏ فالقضاة والمحامون‏_‏ والحال كذلك‏-‏ هم حملة مشعل واحد ورسالة واحدة وهما توأمان لا يفترقان وجزءان يتمم كل منهما الآخر فلا ينفصلان إذ لا قضاء بدون محاماة ولا محاماة بدون قضاء‏.‏
بيد أن ما شهدته تلك العلاقة مؤخرا من نتوءات طفيلية في الجسد القضائي الواحد‏,‏ وتداعياتها المؤلمة أمام الرأي العام بأنهم فرقاء‏..‏ هو ما دعاني‏_‏ فقط‏_‏ إلي التذكرة بتأصل وتجذر تلك العلاقة حتي النخاع‏,‏ وتحضرني هنا صورة بديعة سطرها بقلمه الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي نقيب محامي مصر الأسبق‏,‏ في معرض تقديمه لكتاب‏,‏ نشر في ايطاليا سنة‏1936‏ و ترجمه إلي العربية سنة‏1957‏ المحامي حسن جلال العروسي‏,‏ وهو عبارة عن لوحة قلمية من أدب القضاء رسمها مؤلفه الفقيه الايطالي الكبير بيرو كالمندري‏..‏ يحدثنا فيه عن أن أول واجبات المحامي هو الإيمان بالقضاء‏,‏ وعن آداب السلوك في المحكمة‏,‏ وعن أوجه الشبه و التباين بين القاضي والمحامي‏,‏ وعن الخطابة القضائية و ما ينبغي أن تكون عليه‏,‏ ويلخص المحامي حاله فيقول‏:'....‏ هذه حياتنا يا أخي القاضي إذا قصرت استنفدتنا بانطلاق لا يعرف التريث وجهد موصول لا يعرف الراحة‏..‏ و إذا استطالت أسلمتنا للنسيان‏,‏ والضياع والجحود‏...‏ هذا مصيرنا‏,‏ مصير عجيب‏.‏
فالقضاء والمحاماة لا غني لأحدهما عن الآخر‏.‏ وهما شركاء في إقامة ميزان العدالة‏,‏ شركاء في الثقافة‏,‏ شركاء في الحياة القانونية‏,‏ شركاء في الهدف‏,‏ شركاء في التضحية‏.‏ فللقضاء ضحاياه من القضاة‏,‏ وللمحاماة ضحاياها من المحامين‏,‏ فكم من قضاة يضحون بصحتهم وحياتهم في أداء مهمتهم السامية ويرهقهم العمل إلي درجة الإعياء ثم الاستشهاد‏.‏ وكم من محامين يضنيهم الجهد بعد أن بذلوا عصارة حياتهم فيسقطون ضحايا المهنة‏.‏ فهؤلاء وأولئك هم ضحايا القضاء و المحاماة‏.‏ وقد كان والدي‏_‏ رحمه الله‏_‏ واحدا من هؤلاء الضحايا‏..‏ إذ سقط شهيدا في محراب المحاماة وهو يؤدي واجبه المقدس قبل نحو خمسة عشر عاما‏,‏ ولا زالت سيرته ومسيرته العظيمة موضع تقدير واحترام لكل من عايشه سواء من القضاة والمحامين‏.‏ و لنا في العالم الجليل الأستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور الأسوة الحسنة‏;‏ إذ يعد واحدا من أهم رجال القضاء و المحاماة في مصر في العصر الحديث‏;‏ إذا بدأ حياته العملية وكيلا للنيابة العمومية عام‏1953‏ ثم اختير بنيابة النقض الجنائي عام‏1956‏ ليسجل بذلك سابقة رائدة و يحوز تقدير واحترام كبار المحامين حينذاك‏..‏ ثم انتقل عام‏1959‏ للجامعة وعمل بالمحاماة لسنوات عديدة حتي تعيينه وزيرا للتعليم عام‏1986‏ لتظل محاضراته و مرافعاته في ساحات المحاكم نبراسا يسير عليه القضاة وأعضاء النيابة العامة في أحكامهم و قراراتهم ومذكراتهم‏.‏
أيا حكماء القانون ورجالاته‏..‏ تعالوا إلي كلمة سواء‏..‏ تجمع ولا تفرق‏..‏ تتكامل ولا تتنافر‏..‏ تخضع لسلطان القانون ولا تعلو عليه‏,‏ فأنتم القوامون علي سيادة تطبيق القانون دون سواه‏..‏ تعالوا ننفض غبار الضغينة والبغضاء‏..‏ ويعود القضاة والمحامون كدأبهم دوما رفقاء وليسوا فرقاء‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.