الخارجية الإيرانية: تلقينا رسائل من واشنطن للعودة إلى المفاوضات    مرشحو «العدل» ينتهون من الكشف الطبي استعدادًا للانتخابات.. والدريني: مفاجأة مرتقبة قريبًا    الجبهة الوطنية: قادرون على إحداث نقلة حقيقية في تاريخ الحياة الحزبية    حزن ببورسعيد لوفاة القمص بطرس الجبلاوى.. خطب على منبر مسجد ضد العدوان الثلاثى    عيار 21 بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الذهب اليوم الأربعاء 9 يوليو بالصاغة محليا وعالميا    تراجع أسعار سيارات بيستيون B70 S في السوق المصري    البدوي: تعافي الاتصالات سريعًا بفضل «عقل الدولة الإلكتروني» بالعاصمة الإدارية    رابط تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. مؤشرات كليات ومعاهد دبلوم التجارة نظام 3 سنوات    صحيفة عبرية: ترامب مارس ضغطا شديدا على نتنياهو لوقف النار والأخير يغادر الاجتماع دون تصريحات    عاصفة جوية تؤخر رحلة ريال مدريد لمواجهة باريس بمونديال الأندية    الرمادي: اسم الزمالك أكبر مني ولم أفكر في ترك معسكر نهائي الكأس    «مهاجم مفاجأة».. سيف زاهر يكشف عن صفقة سوبر في الأهلي لتعويض وسام أبوعلي    أيمن الرمادي، تصريحات وائل القباني خطأ ولم يكن هذا وقتها    خبر في الجول - الزمالك يستقر على استمرار بدر حامد رئيسا لقطاعات الكرة    مقتل سيدة بطلق ناري على يد مستشار سابق في الممشى السياحي بأكتوبر    «الطقس× أسبوع».. شديد الحرارة رطب والأرصاد تحذر من نشاط الرياح على بعض الشواطئ والشبورة بالمحافظات    بنحبك يا أستاذنا.. الجمهور يحتفي بيحيى الفخراني في عرض «الملك لير»    بعد ترميمهما.. وزير السياحة ومحافظ القاهرة يفتتحان قبتين نادرتين بالفسطاط    إلى عشاق البطيخ، هل الإفراط في تناول هذه الفاكهة الصيفية ضار؟    مجلس الكنائس العالمي يدعو لحماية حرية الدين في أرمينيا: "الكنيسة الرسولية الأرمينية تمثل إرثًا روحيًا لا يُمس"    رئيس الوزراء الفلسطيني يأمل في أن تتكلل مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة بالنجاح سريعا    مدرب الزمالك السابق: يجب أن نمنح جون إدوارد الثقة الكاملة    حامد حمدان ينتقل إلى الزمالك مقابل إعارة ثنائي الأبيض ل بتروجت    الفيفا يفتتح مكتبا داخل برج ترامب استعدادا لمونديال 2026    ارتفاع حصيلة احتجاجات كينيا المناهضة للحكومة إلى 31 قتيلاً    فلسطين.. «الرئاسية العليا»: كنيسة الخضر والمقبرة في بلدة الطيبة ليستا هدفًا للاحتلال    عقب تداول الفيديو.. «الداخلية» تعلن القبض على طفل يقود سيارة في القليوبية    النيابة العامة تذيع مرافعتها فى قضية حادث الطريق الإقليمي (فيديو)    وفاة سائق قطار داخل كابينة القيادة بمحطة دسوق    مصرع طالبين أثناء عبورهما شريط السكة الحديد بسوهاج    هدوء ما قبل الإعلان.. آخر تطورات نتيجة الدبلومات الفنية 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 9 يوليو 2025    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الاربعاء 9 يوليو 2025    بعد سرقتها لوحاته.. الفنان الفرنسي "سيتي": سأقاضي مها الصغير    بعد 12 سنة.. هل يقدم ناصر القصبي نسخة كوميدية من «فبراير الأسود» بعد خالد صالح؟    محافظ قنا يعتمد تنسيق القبول بالمدارس الثانوية للعام الدراسي 2026/2025    غالبًا ما تمر دون ملاحظتها.. 7 أعراض خفية لسرطان المعدة    "إنستاباي شغال".. وزير الشئون النيابية يرد على نائب بشأن أزمة الخدمات بعد حريق سنترال رمسيس    ولي العهد السعودي يبحث مع وزير الخارجية الإيراني تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة    رئيس الوزراء يعود إلى القاهرة بعد مشاركته في قمة "بريكس" نيابة عن الرئيس    مصادر طبية في غزة: مقتل 100 فلسطيني بغارات إسرائيلية منذ فجر الثلاثاء    وزيرا الكهرباء وقطاع الأعمال يبحثان التعاون في مجالات تحسين كفاءة الطاقة    معشوق القراء... سور الأزبكية يتصدر المشهد بمعرض الكتاب الدولي بمكتبة الإسكندرية    مينا رزق لإكسترا نيوز: الدعم العربى والأفريقي سببا فى فوزى برئاسة المجلس التنفيذى لمنظمة الفاو    وراءها رسائل متعددة.. الاحتلال يوسّع استهدافه بلبنان ويصفي مسؤولًا بحماس شمالًا    80 شهيدًا منذ الفجر.. قصف إسرائيلي عنيف يضرب غزة وأوامر إخلاء شاملة لخان يونس    مستقبل وطن: القائمة الوطنية الخيار الانتخابي الأفضل لتوحيد القوى السياسية    جهاز تعمير مطروح: الانتهاء من تصميمات المنطقة السكنية بشرق مدينة مرسى مطروح    أمين الفتوى يحذر من الزواج العرفي: خطر جسيم على المرأة    محافظ الجيزة يعقد اللقاء الأسبوعي لبحث شكاوى المواطنين بعدد من الأحياء    مرشحان في اليوم الرابع.. 7مرشحين يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس الشيوخ بالأقصر    رئيس جامعة بنها يتفقد مستشفى الجراحة: تطوير ب350 مليون جنيه لخدمة مليون مواطن سنويا    تطورات الحالة الصحية للإعلامية بسمة وهبة بعد إجراء عملية جراحية    دينا أبو الخير: الجلوس مع الصالحين سبب للمغفرة    رئيس جامعة بنها يتفقد سير العمل والاطمئنان على المرضى بالمستشفى الجامعي    الخميس.. الأوقاف تنظم 2963 مجلسا دعويا حول آداب دخول المسجد والخروج منه    أمينة الفتوى: «النار عدو لكم فلا تتركوا وسائل التدفئة مشتعلة أثناء النوم»    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة الجديدة وثورة الضمير العالمي
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 06 - 2010

ثورة الضمير العالمي التي تجلت في تجمع مئات من المتضامنين مع الشعب الفلسطيني في غزة المحاصرة منذ سنوات‏,‏ تحتاج الي تحليل علمي عميق‏,‏ ذلك ان هؤلاء المتضامنين الذين سقط منهم في اسطول الحرية تسعة أتراك‏, وجرح العشرات واعتقل المئات ينتمون الي حوالي خمسة وأربعين جنسية‏.‏
ويعني ذلك بالضرورة أنهم ينتمون الي ثقافات شتي وأديان مختلفة‏.‏
ولكل ثقافة من هذه الثقافات رؤية محددة للعالم‏,‏ بمعني نظرة خاصة للكون والمجتمع والانسان‏,‏ فالثقافة العربية لها رؤية للعالم تختلف بالضرورة عن رؤية العالم الغربي‏,‏ فكيف حدث انه بالرغم من تباين رؤي العالم الكامنة في صميم وعي المتضامنين‏,‏ اتفقوا علي رؤية واحدة للعالم تقوم علي اساس رفض الهمجية الاسرائيلية وإدانة السياسات العدوانية التي يتبناها قادة اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني‏,‏ ليس ذلك فقط بل التجمع في سياق مؤسسات مجتمع مدني عالمي أصبح له صوته المدوي في العلاقات الدولية‏,‏ لجمع المعونات وإعداد الاساطيل البحرية والتوجه الي غزة لفك الحصار عنها‏,‏ بالرغم من الخطر الذي قد يتعرضون له من قبل جيش الدفاع الاسرائيلي‏,‏ الذي سبق له ان هدد بمنع هذه السفن من العبور الي غزة؟
وكيف نفسر انه بعد مذبحة اسطول الحرية قامت باخرة اخري هي راشيل كوري والتي سميت باسم الناشطة الأمريكية اليهودية التي قتلت تحت جنازير جرافة اسرائيلية وهي تتضامن في مظاهرة مع الفلسطينيين في غزة ضد العدوان الاسرائيلي؟
وما الذي يفسر تصريحات احد الزعماء الاشتراكيين الفرنسيين مؤخرا لقناة الجزيرة‏,‏ بأنه يعد اسطولا للتوجه الي غزة وأن الاساطيل لن تتوقف حتي يتم فك الحصار عن الشعب الفلسطيني؟
كل هذه الظواهر بالاضافة الي المظاهرات الحاشدة التي قامت في عواصم العالم احتجاجا علي البربرية الاسرائيلية تحتاج الي تأمل‏,‏ خصوصا ان اسرائيل لها هيمنة علي وسائل الاعلام الغربي وتغرقه كل يوم بأكاذيبها‏,‏ بالاضافة الي التحيز الأمريكي الفاضح لصالحها؟
لقد قررنا في مقالنا الماضي بناء علي بحوث علمية موثقة ان هناك وعيا كونيا تبلور في العقود الأخيرة مما أدي الي ظهور نسق جديد من القيم تبناه ملايين الناس في مختلف القارات‏,‏ وأدي ذلك الي وحدة في الشعور وتشابها في الاتجاهات‏,‏ واجماعا علي رفض العنف والحرب والعدوان‏,‏ واحتراما للخصوصيات الثقافية لشعوب العالم‏,‏ وتسامحا واضحا ازاء الاختلافات الدينية والعرقية والثقافية‏,‏ بل تفهما لمنطق عديد من الثقافات غير الغربية‏.‏
والعنوان الذي رصد فيه العلماء الاجتماعيون هذه التحولات الكبري في القيم والاتجاهات هو بزوغ نموذج حضاري جديد ويقررون انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة‏,‏ سقطت النماذج القديمة التي كانت سائدة في العلاقات الدولية والسياسة والاقتصاد والثقافة‏,‏ وهو ما رصدناه مبكرا في كتابنا الوعي التاريخي والثورة الكونية‏)‏ القاهرة‏1995).‏
وبرز بالتدريج نموذج حضاري جديد اطلق عليه تغير الوعي الكوني وقد قرر فيه العلماء الاجتماعيون الذين قاموا بمسح علمي متكامل للكشف عن مؤشراته انه يأتي بعد مرحلة تاريخية سابقة اتخذ فيها المجتمع الصناعي الرأس مالي الغربي مسارا صداميا مع الطبيعة‏,‏ واتخذ هذا الصدام صورا شتي مثل ثقب الاوزون والتغيرات المناخية وتجريف الغابات والتلوث البيئي‏,‏ ويمكن القول ان الأزمة الايكيولوجية الغربية ترافقها تحديات اجتماعية واقتصادية وروحية بالغة الخطورة‏.‏
إن الغرض الأساسي من صياغة النموذج الحضاري الجديد هو اكتشاف ماإذا استطاع تغير الوعي الكوني أن يؤدي الي تأسيس نماذج جديدة للقيم واتجاهات مستحدثة للحياة ؟
لقد أجاب أصحاب هذا النموذج من العلماء الاجتماعيين علي هذا السؤال بنعم قاطعة‏,‏ وإثباتا لرأيهما قسما البحث الي عدة مناطق تعبر كل منطقة عن موضوع محدد‏,‏ من أهمها سؤال رئيسي هو‏:‏ هل ستؤدي الثورة الكونية في الاتصالات الي صياغة وعي كوني جديد ؟ وسؤال آخر لا يقل أهمية هل هناك نقلة جارية الآن تجاه قيم اجتماعية مابعد حداثية‏(‏ إنسانية وتقديمة‏)‏ مثل التسامح واحترام كل الثقافات‏,‏ ورفض الحرب والعنف والعدوان ضد الشعوب المحتلة ؟
لقد تبين من البحث أن هناك بزوغا لحضارة إنسانية جديدة وثقافة كونية آخذة في النمو علي إنه العالم‏,‏ وهذه النقلة الكيفية أشبه بالنقلة من المجتمع الزراعي الي المجتمع الصناعي‏.‏
وتكنولوجيا الاتصالات هي القوة الدافعة وراء بداية هذه الحقبة‏.‏ وهذا التغير في الوعي الكوني له سمتان أساسيتان‏.‏ فهناك أولا يقظة في مجال قدرتنا الفريدة علي التأمل الذاتي في أحوال العالم‏,‏ بعيدا عن هيمنة وسائل الإعلام وتحيزاتها في نقل الأخبار وتحليلها‏.‏ وهناك ثانيا اتجاه سائد في النظر الي الأرض بل إلي الكون‏cosmos‏ بأعتبارها انسياقا حياتية متصلة ببعضها اتصالا وثيقا‏,‏ ولذلك يطلق أصحاب هذا النموذج علي هذا التغير في مجالات الثقافة و الوعي النموذج التأملي والأنساق الحياتية‏.‏
بعبارة أخري أدت سرعة إيقاع الزمن في عصر العولمة‏,‏ والتدفق الهائل للأحداث العالمية والمعلومات والأفكار‏,‏ الي ظهور الحاجة الشديدة الي إرهاف القدرة التأملية للبشر في كل مكان‏,‏ حتي يستوعبوا مايحدث أمام أعينهم كل يوم علي شاشات التليفزيون‏,‏ التي أصبحت تنقل كل الأحداث في زمن وقوعها الحقيقي‏RealTime.‏
ولو تابعنا مسلسل الأحداث العالمية الكبري التي وقعت بعد نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي ومن أبرزها حرب البلقان ومادار فيها من تطهير عرقي وإبادة للشعوب‏,‏ والعدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني‏,‏ وحوادث الارهاب ضد الولايات المتحدة الأمريكية في‏2001/9/11‏ والحرب الأمريكية ضد أفغانستان‏,‏ والغزو العسكري للعراق‏.‏ كل هذه أحداث بالغة الخطورة أيقظت بالأهوال التي وقعت فيها الوعي الانساني‏,‏ وشحذت القدرة التأملية والنقدية لدي البشر‏,‏ وأصبحوا يميزون بالرغم من اختلاف المستويات التعليمية بين الحق والباطل‏,‏ والظلم والعدل في مجال العلاقات الدولية‏,‏ بل إنهم ببصيرة نفاذة اخترقوا حجب التعتيم الاعلامي علي المذابح المروعة التي ارتكبها الجيش الأمريكي في أفغانستان والعراق‏,‏ وحرب الربادة التي قامت بها إسرائيل ومازالت ضد الشعب الفلسطيني‏,‏ واستطاع الناس بفعل ثورة الاتصالات تكوين مصادر إعلامية مستقلة لهم اكتشاف الحقيقة‏,‏ عن طريق شبكة الانترنت والرسائل البريدية والمناقشات المباشرة عبر وسائل الاتصال الحديثة‏.‏
إن الوعي الكوني البازغ الذي يعبر عن ظهور حضارة إنسانية جديدة أصبح مفزعا للنظم الشمولية والسلطوية‏,‏ لأن ثورة الاتصالات قدمت للناس عموما وللمناضلين وللناشطين سياسيا أدوات جديدة لا تستطيع الحكومات المستبدة أن تراقبها أو تسيطر عليها‏,‏ مثل المدونات والفيس بوك والتوفير‏.‏
وهكذا يمكن القول أن ظلمة الاستعمار والاحتلال وخرق حقوق الانسان وجرائم الحرب‏,‏ بدأت تنقشع في ضوء مؤشرات الوعي الكوني البازغ الذي بدأت مؤشراته في التبلور‏,‏ سعيا وراء تحقيق تنمية مستديمة تحفظه حق الأجيال القادمة ولا تضحي بالأجيال الراهنة‏,‏ وترنو الي ممارسة حياة زوجية طليقة تتجاوز التقاليد الدينية العتيقة التي لم تعد تشبع حاجات الإنسان المعنوية‏,‏ وسعيا لايجاد عالم متناغم بناء‏,‏ علي عقد اجتماعي جديد بين الانسان والطبيعة‏,‏ وبين الانسان والانسان‏,‏ شعاره لا حرب ولا عنف ولا استعمار ولا احتلال بعد الآن‏.‏
ليس ذلك فقط‏,‏ بل إن نزول من يؤمنون بقيم الحضارة الجديدة الي الميدان للنضال المباشر ضد قوي البغي والعدوان كما فعل المتضامنون مع الشعب الفلسطيني‏,‏ والذين ركبوا البحر بالرغم من الأخطار المتوقعة يعد إعلانا جهيرا عن أن الصمت لم يعد ممكنا والجهر بكلمة الحق أصبح مسئولية كل إنسان علي ظهر الأرض‏.‏
المزيد من مقالات السيد يسين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.