ينفرد عالم السياسة في المجتمع الياباني بظاهرتين أصبحتا من العلامات الممميزة له أولاهما قصر مدة بقاء رؤساء الوزارة في مناصبهم. بحيث لا تتعدي في بعض الاحيان عدة أشهر فقد توالي خمسة أشخاص علي المنصب خلال الثلاث سنوات الماضية والظاهرة الأخري أن معظم من شغل هذا المنصب الرفيع جاء من عائلة سياسية معروفة والدليل علي ذلك أن الأربعة الذين سبقوا ناوتوكان رئيس الوزراء الجديد كانوا إما أبناء أوأحفاد لرؤساء وزارة سابقين. من هنا فانه بمجرد الاعلان عن اختيار كان عقب الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء السابق يوكوهاتوياما والحديث لا يتوقف عن كون الرجل يشكل ظاهرة فريدة في عالم السياسة اليابانية لأسباب متعددة. أهمها أنه لا ينتمي للنخبة السياسية داخل المجتمع, ولا ينحدر من نسل عائلة سياسية معروفة كما أنه لم ينتم الي الحزب اللييبرالي الذي حكم اليابان لمدة تزيد علي نصف قرن تقريبا, ولكنه علي العكس من ذلك بدأ مسيرته السياسية من الصفر الأمر الذي يدفع للتساؤل عن ملامح نشأته الأولي وكيف وصل لقمة الهرم السياسي في اليابان رغم افتقاده للشروط التي حكمت دوائر السياسة خلال الفترة الماضية وجعلت من اختياره حدثا يتوقف عنده الكثيرون. ولد كان63 عاما بمحافظة ياماجوتشي الواقعة جنوب البلاد لاسرة عادية وكان والده مديرا لأحد المصانع وتخرج في معهد طوكيو للتكنولوجيا عام1970 حيث أدار عملا خاصا لفترة قصيرة قبل أن يصبح ناشطا في مجال المجتمع المدني, وتحتل قضايا البيئة والمرأة قائمة أولوياته. وقد شهد عام1980 بداية دخوله مجال العمل السياسي وبعد ثلاث محاولات فاشلة استطاع أن يفوز بمقعد في مجلس النواب ثم مضي في مسيرته السياسية وشارك في تأسيس الحزب الديمقراطي مع يوكوهاتوياما عام1996 وقد تولي عدة مناصب مهمة أبرزها وزير الصحة في منتصف التسعينات ووزير المالية منذ يناير الماضي وحتي اختياره رئيسا للوزراء في الرابع من الشهر الجاري كما رأس حزبه لدورتين. وتعد الفترة التي شغل فيها منصب وزير الصحة علامة بارزة في مسيرته السياسية حيث كشف عن تورط الحكومة في فضيحة تلوث أكياس دم بفيروس الايدز ونجح في اجبار عدد من المسئولين علي اظهار الوثائق الدالة علي ذلك فحصل علي تأييد واسع من المواطنين وارتفعت شعبيته بشكل ملحوظ وتأكدت الفكرة المأخوذة عن جرأته علي خوض المناقشات وتميزه في التواصل مع الناخبين, وهوما وضعه في موضع افضل من سابقه وان كانت الصحافة المحلية تأخذ عليه أنه سريع الغضب وسهل الاثارة. ولكن هذه المسيرة الناجحة لا تخلومن عقبات فسجله الشخصي في رأي البعض ليس ناصع البياض فقد اضطر للاستقالة من رئاسة الحزب عام2004 بعد اعترافه بعدم سداد بعض الرسوم المالية خلال الفترة الي قضاها وزيرا للصحة مفضلا مصلحة الحزب علي مصلحته الشخصية, ليعود بعد خمس سنوات ويصبح نائبا لرئيس الوزراء, ثم يتولي وزارة المالية في ظل ظروف حرجة تسبقه سمعته كأحد المعارضين لسيطرة الجهاز البروقراطي علي صنع السياسة. ولكن الترحيب الذي قوبل به اختياره لا يعني أن الطريق أصبح ممهدا امامه تماما فهناك عدة انتقادات توجه له, أهمها أنه لم يحاول أن يبعد نفسه عن الاتهامات التي واجهت كل من رئيس الوزراء السابق وسكرتير عام الحزب السابق' ايتشيروأوزاوا' حول وقوع تجاوزات في تمويل الحملة الانتخابية للحزب في الوقت الذي يتخوف فيه البعض من أن يعتبره الناخبون مجرد دمية في يد أوزاوا السياسي الياباني المحنك. وهو ما يضع رئيس الوزراء الجديد أمام أكثر من تحد. فإلي جانب التحدي الرئيسي الخاص بانعاش الاقتصاد وانتشاله من حالة الركود التي تلاحقه فهناك مهام أخري عاجلة في انتظاره أولاها يتعلق بانتهائه من تشكيل الحكومة الجديدة وثانيتها يتعلق باتخاذ قرارحول مشروع قانون اصلاح النظام البريدي المثير للجدل خاصة أن الفترة المتبقية علي انتهاء الدورة البرلمانية قصيرة للغاية وثالثتها الاستعداد لانتخابات التجديد النصفي لمجلس المستشارين بالبرلمان المقرر عقدها في الحادي عشر من شهر يوليوالماضي والتي ستعد استفتاء علي اداء الحكومة. ثم تأتي بعد ذلك قضية اصلاح علاقة بلاده بحليفها الأساسي, أي الولاياتالمتحدة, والتي تعكر صفوها مؤخرا بسبب الجدل المثار حول نقل القاعدة العسكرية الامريكية الموجودة في أوكيناوا وكانت السبب المباشر لاستقالة هاتوياما. لتبقي بعد ذلك المهمة الأصعب وهي بلا شك استعادة روح التفاؤل التي صاحبت وصول الحزب الديمقراطي للسلطة. لقد ابدي' كان' عقب توليه منصبه اعتزازه بأصوله العادية واعتبر ما حدث خطوة ايجابية ودليلا علي التغيير الذي حدث في عالم السياسة اليابانية فهل سيتمكن من التصدي لهذة التحديات واجتيازها ليبرهن علي نجاح هذا التوجه الجديد أم لا؟ هذا ما سوف تكشف عنه الايام المقبلة.