حياة كريمة فى الغربية.. المبادرة الرئاسية تغير الواقع بقرية دمنهور الوحش    أنا الوحيد الذي تخليت عنه مبكرا، ترامب يكشف أسرارا عن إبستين في رسالة "عيد الميلاد"    بالأسماء.. إصابة 7 أشخاص في حادثي تصادم بالدقهلية    شعبة الأدوية: موجة الإنفلونزا أدت لاختفاء أسماء تجارية معينة.. والبدائل متوفرة بأكثر من 30 صنفا    مسئول بمحافظة الجيزة: عقار إمبابة المنهار عمره يتجاوز 80 عاما.. والسكان لم يبلغوا الحي بالشروخ    عمرو صابح يكتب: فيلم لم يفهمها!    100 مليون في يوم واحد، إيرادات فيلم AVATAR: FIRE AND ASH تقفز إلى 500 مليون دولار    الزكاة ركن الإسلام.. متى تجب على مال المسلم وكيفية حسابها؟    فلسطين.. جيش الاحتلال يداهم منازل في قرية تل جنوب غرب نابلس    وداعا ل"تكميم المعدة"، اكتشاف جديد يحدث ثورة في الوقاية من السمنة وارتفاع الكوليسترول    أول تعليق نيجيري رسمي على "الضربة الأمريكية"    ريهام عبدالغفور تشعل محركات البحث.. جدل واسع حول انتهاك الخصوصية ومطالبات بحماية الفنانين قانونيًا    انفجار قنبلة يدوية يهز مدينة الشيخ مسكين جنوب غربي سوريا    موسكو تتوسط سرّاً بين دمشق وتل أبيب للتوصّل إلى اتفاق أمني    الشهابي ورئيس جهاز تنمية المشروعات يفتتحان معرض «صنع في دمياط» بالقاهرة    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    ارتفاع حجم تداول الكهرباء الخضراء في الصين خلال العام الحالي    اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    استمتعوا ده آخر عيد ميلاد لكم، ترامب يهدد الديمقراطيين المرتبطين بقضية إبستين بنشر أسمائهم    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    أمم إفريقيا - تعيين عاشور وعزب ضمن حكام الجولة الثانية من المجموعات    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب: لماذا أطالب برئيس وزراء عسكري؟
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 12 - 2009

انزعج الكثيرون منى عندما طرحت فكرة أن يكون رئيس الوزراء رجلا عسكريا مع الإعلامية منى الشاذلى فى برنامجها الأشهر العاشرة مساء على قناة دريم.. لقد كتب بعض الأصدقاء رافضين الفكرة من أساسها.. بينما حاول البعض الآخر التنبيه إلى خطورة هذه الدعوة..
لقد تناول القضية الدكتور على السلمى العالم الجليل والأستاذ السيد الغضبان الإعلامى الكبير والنائب المحترم أبوالعز الحريرى وهم جميعا عارضوا الفكرة على أساس أنها عودة للوارء.
قالوا إننى أريد العودة إلى بدايات ثورة يوليو عندما استولى الضباط الأحرار على كل مقاليد الحكم ابتداء بالوزراء وانتهاء بالمحافظين مرورا على المؤسسات الكبرى المهمة التى جلس على قمتها رجال الجيش المصرى، فى ذلك الوقت كان من الممكن فى هذه الفترة أن تجد ضابطا يدير بنكا أو مؤسسة صحفية كما حدث مع دار أخبار اليوم والجمهورية وروزاليوسف وكان من السهل أيضا أن تجد ضابطا فى مؤسسة للتأمين أو التجارة الخارجية أو أجهزة الخدمات..
والحقيقة أننى حين تحدثت عن رئيس وزراء عسكرى لم أكن أتحدث عن زى عسكرى ولكننى كنت أتحدث عن غياب الانضباط والحسم فى أجهزة الدولة المسئولة وكنت أطالب بروح العسكرية المصرية فى العمل وليس برتبها وزيها ومناصبها كنت أتحدث عن روح أكتوبر التى صنعت نصرا.. وروح التحدى التى شيدت السد العالى.
كنت أتحدث عن غياب هيبة الدولة بكل ما يعنيه من مظاهر التسيب.. والانفلات فى الأجهزة الحكومية وفى سلوكيات الشارع المصرى.. كنت أتحدث عن ضرورة الحسم فى القرارات والحزم فى إدارة شئون الدولة لأن ما وصلنا إليه من مظاهر الانفلات والتسيب تجاوزت كل الحدود ابتداء بغياب القدوة وانتهاء بما يحدث فى الشارع المصرى أمام فشل تجارب كثيرة فى الإدارة ما بين رجال الأعمال وأساتذة الجامعات ورجال القضاء وفئات أخرى كثيرة نحمل لها الكثير من التقدير ولكنها عجزت عن تقديم نموذج متميز فى العمل والإدارة ورعاية شئون الناس.
إن قضايا الحريات والديمقراطية لا ترتبط بزى أو مؤسسة سواء أكانت عسكرية أم مدنية فما أكثر العسكريين الذين دافعوا عن قضايا الحريات وما أكثر المدنيين الذين تنكروا لها وعصفوا بها.. لن أتحدث هنا عن عسكريين وقادة أمثال إيزنهاور أو تشرشل ولكننى سأتحدث عن نماذج رفيعة عاشت بيننا وشاهدناها.. فى عتمة الاستبداد فى السودان الشقيق ظهر الفريق سوار الذهب الرجل العسكرى الذى قاد انقلابا وصل به إلى السلطة ثم ترك المنصب بكل التجرد والترفع والقناعة ليترك للشعب السودانى حقه فى اختيار من يحكمه.. وفى موريتانيا جاء العقيد محمد ولد فال للسلطة بانقلاب عسكرى ولكنه سرعان ما انسحب من السلطة ليجرى انتخابات حرة تأتى برئيس اختاره الشعب.
وبين ثوار يوليو العسكريين أشخاص وهبوا أنفسهم لقضايا الديمقراطية كان فى مقدمتهم الرئيس محمد نجيب الذى اختلف مع رفاقه من البداية وطلب الحوار بين الثورة والأحزاب السياسية ودعا للديمقراطية ودفع ثمن ذلك حين اختفى فى السجن.
وبين صفوف الضباط الأحرار أيضا ظهرت وجوه بارزة كانت تمثل فكرا حقيقيا يؤمن بالحريات تجسد ذلك فى مواقف يوسف صديق وخالد محيى الدين وثروت عكاشة وعبدالقادر حاتم وصدقى سليمان ويوسف السباعى وجمال حماد وأحمد حمروش.. وكان آخر رجل عسكرى تولى منصب رئيس الوزراء فى مصر هو السيد كمال حسن على منذ أكثر من 25 عاما.. وفى عهد الرئيس السادات كان معظم رؤساء الوزارات من المدنيين ابتداء بالدكتور محمود فوزى وانتهاء بفؤاد محيى الدين.. وفى عهد الرئيس مبارك كان جميع رؤساء الوزارات من المدنيين ولم يأت عسكرى واحد باستثناء السيد كمال حسن على.. وفى مصر الآن شخصيات عسكرية تتولى مسئولية قطاعات مهمة مثل الوزير عمر سليمان وبين يديه أخطر الملفات المصرية ابتداء بالقضية الفلسطينية وانتهاء بملف مياه النيل والسودان.. وقد شهد قطاع الطيران طفرة كبيرة فى عهد الوزير أحمد شفيق.. ولن ننسى تجربة محمد عبدالسلام المحجوب فى الإسكندرية محافظا وفى الحكومة وزيرا..
كنت ومازلت أرى أن منصب رئيس الوزراء يحتاج إلى درجة عالية من الحسم والقدرة على اتخاذ القرار والانضباط فى العمل وهذه أشياء تراجعت كثيرا فى السنوات الماضية.
مازلت أرى أن المؤسسة العسكرية فى مصر من أكثر مؤسسات الدولة انضباطا حتى الآن فى العمل والسلوك والحسم وأنها مازالت تخضع لمعايير ثابتة فى اتخاذ القرار والمحاسبة السريعة وتغليب المصلحة العامة على كل شىء..
هناك مشروعات كثيرة فى مصر قامت بتنفيذها وحدات من المؤسسة العسكرية وأدت مهامها بكفاءة وتميز.. وعلى الجانب الآخر وحدات مدنية قدمت نماذج غاية فى السوء من حيث مستوى الإجادة والعمل والالتزام.. تجد أحيانا طريقا قامت المؤسسة العسكرية بتنفيذه وبجواره طريق آخر قامت به شركة مقاولات أهلية وتشعر أن الفارق كبير جدا.. انظر إلى عمارات القوات المسلحة والعمارات التى تقوم بإنشائها الوزارات المختلفة تشعر أن العمل هنا غير العمل هناك.. وفى منشآت كثيرة كان الإهمال واضحا فى الجانب المدنى بينما كان متكاملا ومميزا فى أداء المؤسسة العسكرية.. مازال الانضباط يمثل أحد الأركان المهمة والرئيسية فى عمل أجهزة القوات المسلحة..
من هنا أجد أن الفوضى التى لحقت بأجهزة الدولة المصرية كانت نتيجة طبيعية لغياب الحسم فى القرار والالتزام فى العمل والحرص على مصالح المواطنين.. نحن الآن أحوج ما نكون لقدر كبير من الانضباط.. والانضباط هنا لا يعنى الصوت المرتفع أو الصراخ والضجيج ولكنه يعنى وضوح الرؤى وشفافية القرار وأمانة المسئولية.
إن الأزمة الحقيقية التى يعيشها الجهاز الإدارى فى مصر الآن هى انفلات دورة العمل والإنتاج.. هناك مؤسسات لا تعمل وموظفون كسالى لا يؤدون واجباتهم ورغبة فى الحصول على أى شىء وكل شىء حلالا كان أم حراما وهذه الصورة القاتمة تهبط عليك من أعلى أجهزة الدولة حتى قاع العمل الإدارى.. ومن السهل فى هذه الحالة أن يفقد العمل الإدارى انسيابيته وتلقائيته وشفافيته لأن القرارات العليا تتعثر فى المناطق الأقل ثم تتعثر مرة أخرى فى منحنيات كثيرة أمام البيروقراطية وغياب المحاسبة والاستهتار وعدم الجدية..
حينما تتعثر الرؤى أمام الوزير يصعب أن تجدها عند مساعديه ومستشاريه حتى تهبط إلى أسفل السلم لتجد واقعا كئيبا فى كل شىء.. أن أخطاء الصغار تسبقها عادة خطايا الكبار.. وحين تغيب الشفافية والمصداقية عن مسئول كبير يصبح من حق الصغار أن يسيروا على نفس الدرب.
إن المشكلة الحقيقية فى مصر الآن أن الجهاز الإدارى للدولة أصيب بالشيخوخة وهى هنا لا تعنى أبدا التقدم فى العمر ولكنها تعنى غياب الرؤى وحين تغيب الرؤى يسقط معها جانب خطير يسمى التخطيط والمتابعة.. ثم تغيب الرغبة فى الحساب ثوابا أو عقابا.
إن هناك مشكلة حقيقية فى علاقة الوزراء برئيس الحكومة.. فى وزارات متتالية ومتعددة كان رئيس الحكومة وزيرا من الوزراء وتم تصعيده ليصبح رئيسا للوزراء.. حدث هذا فى عهد الرئيس السادات مع د. عزيز صدقى وكان وزيرا للصناعة.. ود. حجازى وكان وزيرا للمالية ود.عبدالقادر حاتم وكان وزيرا للإعلام.. والسيد ممدوح سالم وكان وزيرا للداخلية.. ثم جاء د.على لطفى رئيسا للوزراء وكان وزيرا للمالية.. ود.الجنزورى وكان وزيرا للتخطيط.. ود.عاطف عبيد وكان وزيرا لقطاع الأعمال ثم د.أحمد نظيف وكان وزيرا للاتصالات.
فى أحيان كثيرة كان اختيار رئيس الوزراء من بين الوزراء يوجد حساسية شديدة فى قمة السلطة.. هناك من ينتظر دوره ليكون رئيسا للوزراء وقد حدث ذلك فى فترة من الفترات بين ثلاثة وزراء هم د. عبدالعزيز حجازى.. ود.عبدالقادر حاتم.. والسيد ممدوح سالم وتولوا جميعا منصب رئيس الوزراء بالتعاقب فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
لقد ترتب على ذلك فى أحيان كثيرة أن بعض الوزراء كان أقوى من رئيس الوزراء وقد حدث ذلك كثيرا فى تاريخ العمل الوزارى فى مصر ومازال يحدث حتى الآن وقد أدى ذلك إلى منافسات وصراعات وخصومات والسبب فى ذلك أن انتقال الوزير بين زملائه ليصبح رئيسا لهم قضية تحمل الكثير من الحساسية والرفض أو على الأقل تطرح هذا السؤال لماذا كان هو وليس أنا رئيسا للوزراء؟
وفى السنوات الأخيرة دخل عنصر جديد فى هذه المعادلة أن الحزب الوطنى أصبح يمثل ضلعا مهما وخطيرا فى الأداء الحكومى لأن الوزارة تنفذ سياسة حزب ولا تنفذ سياسة حكومة أو وزراء.. وقد تداخلت هذه العلاقة بدرجة خطيرة حتى أصبح من السهل أن يشعر المراقب أنه أمام جهتين وزارة وحزب.. وأنه بين أكثر من رئيس حكومة وأكثر من وزير.. وفى الوقت الذى أصبحت الحكومة فيه تنفذ برامج حزب كانت هناك مناطق أخرى تعارضت فيها الرؤى بين رجال الحزب.. ورجال الحكومة ورجال مجلسى الشعب والشورى ورجال الأعمال سواء أكانوا فى الحكومة أم خارجها.
هناك وزير للاقتصاد والمالية وهناك رئيس للجنة الخطة والموازنة وهو مسئول فى الحزب.. هنا أيضا تضاربت القرارات والسياسات والمصالح ولم يعد رئيس الوزراء صاحب الكلمة الأولى ولم يعد الوزير صانع القرار وحده ولكن الحزب يمارس دوره فى توجيه الحكومة وتحديد أولوياتها بل وإصدار قراراتها بل إن فى الحزب نفسه مستويات تتجاوز صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء.. ومع تعدد جهة القرار بين الحزب والحكومة ورجال الأعمال فى المجالس التشريعية غاب دور رئيس الوزراء وتراجعت مسئولياته وأصبح من الصعب عليه أن ينفرد بقرار أو أن يمارس المسئوليات التى تتناسب مع موقعه كرئيس للحكومة.
هذه الأسباب جميعها فتحت أبوابا كثيرة للصراعات حول سلطة القرار وفى ظل اعتقاد خاطئ لدى المسئولين بأن كل قرار حتى ولو كان صغيرا جاء بتوجيهات من السيد الرئيس أصبح من الصعب أن يكون الوزير صاحب فكر أو موقف أو رؤى.. إن المطلوب منه أولا أن ينفذ توجيهات الرئيس حتى ولو لم تصدر.. وأن ينفذ بعد ذلك قرارات الحزب.. وفى آخر المطاف يسمع لرئيس الوزراء إن وجد له مكان.. أما رأيه وسياسته وفكره فهذه أشياء لا محل لها من الإعراب.. ومن هنا يأتى الوزير ويحاول أن يرضى كل هذه الأطراف وحتى ولو لم يفعل شيئا غير ذلك.
وقد يجلس الوزير ويمارس حقه فى الحلم بأن يصعد فى لحظة ما إلى منصب رئيس الوزراء.. ولماذا لا يحدث ذلك؟، هل من جاءوا قبله فى هذا المكان كانوا أفضل منه؟
هذه التركيبة فى العمل الوزارى فى مصر ترتبت عليها نتائج خطيرة.
أنها فتحت أبواب الصراع والمنافسة على المنصب الأعلى دائما حتى ولو كان الشخص غير مؤهل لذلك.. وفى زحمة العشوائيات فى الاختيار والبقاء لفترات طويلة فى السلطة وغياب المراجعة والحساب كان من السهل أن يختفى الانضباط وأن يتراجع الحسم وأن يصبح الانفلات والتسيب سمة العمل الإدارى فى مواقع كثيرة.
إن التداخل بين مسئوليات الوزارة ومسئوليات السلطة التشريعية أوجد شكلا غريبا فى العلاقة بين هذه الأجهزة جميعها وإذا أضفنا لذلك دخول رجال الأعمال كطرف أساسى فى هذه اللعبة السياسية لاكتشفنا إلى أى مدى اختلفت الموازين والقيم والحسابات.. إن رجل الأعمال هو الوزير.. وهو صاحب العمل.. وهو رئيس اللجنة فى مجلسى الشعب أو الشورى وقبل هذا كله هو المسئول الحزبى بكل ما يفرضه المنصب على الحكومة كسلطة تنفيذية.. ومجلس الشعب كسلطة تشريعية..
إن شيوع المسئولية أدى إلى غيبة المساءلة والحساب.. فمن يحاسب من.. هل يحاسب الحزب الحكومة أم يحاسب مجلس الشعب.. أو الشورى أم أن سلطة مجلس الشعب قد سقطت تماما أمام سلطة الحزب وسطوة رجال الأعمال وغياب سلطة الحكومة وضياع هيبتها أمام سطوة الفساد فى أجهزة الدولة على كل مستويات العمل؟
إن بقاء الوزراء فترة طويلة فى مواقعهم مع غياب الرؤى والبرامج والسياسات ترتبت عليه نتائج خطيرة من حيث الإنجاز والإنتاج والتقدم والمتابعة فقد اكتفى كل وزير بأن يرتب أحواله ومبررات بقائه أمام سلطة القرار بحيث لم يعد يعنيه مصالح مواطن أو حساب مسئول أو نتائج مرحلة.. إن الأهم دائما والأجدى أن يبقى فى السلطة بكل ما تمثله من المصالح والمكاسب والبريق أطول فترة ممكنة..
هذه العوامل جميعها تقف وراء ترهل الجهاز الإدارى للدولة المصرية.. حيث الوجوه هى نفس الوجوه.. والمؤسسات هى نفس المؤسسات وفى ظل غياب الضوابط.. يغيب الحسم.. وتختفى المسئولية.. وتسقط قيمة الحساب والعقاب..
لكى تعود كل هذه العلاقات مرة أخرى يجب أن نبحث عن هذه المعادلة.. الانضباط هو الابن الشرعى للحسم.
وفى ظل غياب المسئولية.. يصعب الحساب أو العقاب وتختفى الأسس التى تحدد العلاقات بين مؤسسات الدولة حيث لا رابط بينها..
وما أطالب به هو أن تعود هذه المعادلة مرة أخرى فى صورة مؤسسات مسئولة.. وعلاقات محددة واضحة المعالم وواجبات ملزمة لكل طرف.. مع سيادة تامة لمبدأ الحساب والعقاب والمساءلة..
أقول للأصدقاء الذين اعترضوا على طرح هذه الفكرة إن آخر رئيس وزراء عسكرى كان السيد كمال حسن على منذ أكثر من ربع قرن من الزمان وأن الذين وضعوا سياسة الدولة المصرية طوال هذه السنوات كانوا من المدنيين.. فقد كانوا وراء سياسة الانفتاج الاقتصادى.. ثم برامج الخصخصة وبيع القطاع العام.. ثم نهب البنوك وسيادة طبقة رجال الأعمال.. ثم تجارة وتوزيع أراضى الدولة.. ثم هروب أصحاب القروض للخارج ثم انهيار منظومة التعليم والإعلام والثقافة والبحث العلمى ثم احتكار الحزب الوطنى للساحة السياسية كل هذا حدث فى السنوات الماضية دون أن يكون هناك رئيس وزراء عسكرى..
هذا ما قصدته من المطالبة برئيس وزراء عسكرى.. بمعنى أننا نريد الانضباط ونبحث عن الحسم.. والشفافية والمصداقية والانتماء الحقيقى ووضع أسس لحماية المال العام.. مال الشعب كل الشعب وإنقاذ ما بقى لهذه الأمة من جوانب القوة والتميز والريادة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.