محمد حامد الجمل: لابد ألا تزيد فترة بقاء الوزير علي دورة واحدة للبرلمان الوجه الآخر لهذه الحادثة الذي لم يلفت انتباه أحد لا يكمن في كون وزير أهمل أو تكاسل بقدر ما هو كشف عن حالة سياسية رائجة تتمثل في بقاء الوزراء في مناصبهم مدداً زمنية قياسية قد تصل في بعض الأحيان إلي عشرين عاماً ونتيجة لذلك تصاب معظم الوزارات ب (الشيخوخة)، وهو الأمر الذي يزيد من تخلف أوضاع البلاد، ويلغي الكفاءات ويدعم ديكتاتورية المنصب، فالإهمال والتسيب والفساد الذي أصاب بعض الوزارات.. الوجه الآخر لاحتكار كرسي الوزارة. 1964 أما في الفترة من مارس 1964 وحتي وفاة عبدالناصر 1970 انخفض المتوسط إلي 14 شهراً. وشهدت فترة حكم الرئيس السادات من (1970 إلي 1981) 16 تشكيلاً وزارياً تولي أنور السادات به رئاسة الوزارة ثلاث مرات وبلغ متوسط عمر الوزارة 7 شهور وكان معظم رؤساء الوزارة من المدنين وتعتبر وزارة السادات الثالثة هي أطول الوزارات عمراً خلال فترة حكمه، حيث استمرت 17 شهراً وحتي اغتياله 1981.. اللافت خلال فترة تولي الرئيس السادات الحكم تكرار تولي شخص واحد لرئاسة الوزارة أكثر من مرة مثل ممدوح سالم الذي تولي رئاسة الوزارة بشكل متتالي 5 مرات ومحمود فوزي 4 مرات ومصطفي خليل مرتين.. وتعتبر وزارة محمود فوزي الأولي هي أقل الوزارات عمراً إذ استمرت نحو شهر واحد في 20 أكتوبر حتي 18 نوفمبر 1980. وبعد حكم الرئيس السادات توالت الوزارات وزاد عمر حكمها، حيث لم يتول في فترة حكم الرئيس مبارك سوي (8 رؤساء للوزارة هم علي الترتيب الرئيس محمد حسني مبارك والدكتور فؤاد محيي الدين وكمال حسن علي والدكتور علي لطفي والدكتور عاطف صدقي والدكتور كمال الجنزوري والدكتور عاطف عبيد والدكتور أحمد نظيف. وتتمتع الوزارة حالياً بأعلي درجة من الاستقرار وتعتبر وزارة عاطف صدقي هي أطول الوزارات في مصر عمراً منذ عام 1952، حيث استمرت عشر سنوات من 1986 إلي 1996 ويلي وزارة صدقي في العمر وزارة نظيف حيث بدأت عملها في 2004 وتستمر حتي الآن أي ما يعادل 6 أعوام في عمرها ويستمر معه 20 وزيراً احتفظوا بمناصبهم دون تغيير منذ قدوم حكومة نظيف مع تغيير 4 مقاعد فقط. فساد وشللية وينفرد فاروق حسني وزير الثقافة بأكبر فترة لتولي منصب (وزير) في مصر حيث وصلت إلي 27 عاماً في حكم وزارة الثقافة وسبقه الدكتور يوسف والي الذي استمر وزيراً أكثر من 10 سنوات وغيرهما من الوزراء، ورغم أن انفراد الوزير بمنصب وزارته فترات طويلة نظراً لخبرته الكبيرة إلا أن التجربة اثبت أن سيطرة وزير واحد علي حكم الوزارة لمدد قياسية لا يصنع سوي فساد وشللية يصعب علي الوزير الذي يخلفه أن يصلح أحوال الوزارة.. والتجربة واضحة مع وزارة الزراعة وحالياً وزارة الثقافة. تغيير الفكر ويعقب علي ذلك أحمد الفضالي رئيس حزب السلام ورئيس جمعية الشبان المسلمين أنه من الأفضل أن يكون هناك تغيير وزاري بشكل مستمر كل مدة محددة لا تتخطي 4 سنوات لتغيير الفكر والدماء المصرية.. لافتا إلي ان بقاء الوزير لمدة طويلة لا يؤدي إلي أي ابتكار وابداع في المنصب واستمراره يؤدي إلي تخمة من المسئوليات والمهام التي لا يستطيع ان يتحملها وحده فيحولها لغيره ويحدث التسيب فيما بعد في شئون مسئولياته.. ويقر الفضالي بأن كل قطاعات الدولة تحتاج إلي فكر جديد بعيداً عن الافكار الحالية التي يحملها مسئول متجمداً.. فالتجديد يصنع شخصاً متحمساً ومعطاءً للمنصب.. أما البقاء لمدد قياسية يدعم فكر الديكتاتورية في المنصب ويعطل الكثير من الكفاءات للوصول إلي هذا المنصب، هذا فضلاً عن اغفال الكثير من الكفاءات داخل الوزارة نفسها نظراً لوجود شلة الوزير التي لا تتغير وتتجنب أي فكر مختلف عن فكر الشلة حتي ولو فيه مصلحة المنصب والوزارة نفسها. ويقول الفضالي: إن فكر تمجيد وزير لدرجة بلوغه العام ال 27 في منصبه لا يتم الا عن فكر رجعي لا يبغي التقدم للأمام، وهذا نتاج فكر شعب عاطفي يري في المسئول المجد فلا يريد سواها رغم ان مصر ولادة ومليئة بالكفاءات التي تحتاج إلي فرصة. اعتبارات شخصية ومن جانبه يوضح المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الاسبق ان السبب الأول في بقاء الوزير في منصبه مدداً قياسية هو الاعتبارات الشخصية التي يتم اختياره علي اساسها، فاختيار الوزراء في مصر يتم وفقا لمبادئ لا يعلمها أحد.. ففي أوقات يتم اختيار الوزراء من البيرقراطية ثم التكنوقراط أو أساتذة الجامعات وبعددها تم الاختيار من رجال الأعمال فلا توجد مبادئ موحدة وواضحة لاختيار الوزير ولا مدة عمله.. المهم ان اختيار الوزير واقالته أو تغييره لا يتم وفقا لرغبات شعبية ولكن دائماً لاسباب غامضة ومعايير شخصية. ويؤكد الجمل أن طريقة الاختيار هذه تبقي عدداً كبيراً من الوزراء مدداً طويلة في مناصبهم دون محاسبة بل ويتحولون إلي مراكز قوي تدعمهم وتساندهم علي استغلال مناصبهم لأغراض شخصية وهذا ما ظهر مع وزراء رجال الأعمال والآن في وزارة الثقافة التي تظهر بها شهريا قضايا فساد وصلت لحد غير متوقع.. لافتا إلي أن وجود الشخص الأوحد في الوزارة ويسهل في التسيب وتفكك الرقابة الداخلية علي أجهزة الوزارة مما يصنع الفساد الذي تعاني منه البلد حالياً ويظهر في الانهيار الشامل للخدمات والمرافق. ويشير المستشار حامد الجمل إلي انه لابد ألا تزيد مدة بقاء الوزير في منصبه سوي فترة انعقاد مجلس الشعب وبعد انتخابات مجلس جديد يتم اختيار وزراء جدد لتغيير الدم والفكر وانعاش البلد.. مؤكداً أن المطلوب تغيير الدم لانقاذ البلد من الركود الذي تعيشه ومن المحسوبية التي تحولت لثقافة لظلم المصريين والحرب علي العقول والأفكار الجديدة. وبنظرة متشائمة يري الدكتور عبدالله الأشعل.. أستاذ القانون الدولي والسياسية ومساعد وزير الخارجية الاسبق أن ما يحدث في مصر لا يخرج عن إطار (المؤامرة).. مؤكداً أن بقاء الوزير في منصبه إلي ما شاء الله وفقا لمعيار الرضا عنه يؤدي إلي انهيار وضرر بالغ علي البلد، فالاستمرار إذا كان لاتقان العمل والتقدم واحداث طفرة في المنصب يكون بدوافع محمودة ولكن ما يظهر في معظم المناصب والوزارات أن الوزير يصل بالوزارة إلي كارثة محققة وليس إلي تطور، ويقر بأن غياب مبدأ مساءلة الوزراء عن افعالهم هو السبب الاكبر لفسادهم واهمالهم وخروجهم دون أي حساب أو عقاب.. وبقاء الوزير لمدة طويلة يخلق المحسوبية والوساطة ويدعم مبدأ الرضا والقبول لدي النظام ويهمل اختيار الكفء. ويستغرب الاشعل بما يحدث قائلاً هو فيه وزير في العالم كله بيهدد انه يمشي ويقول كل لما يحدث فساد ومشكلة في وزارته (انا عاوز امشي).. موضحاً أن هذا الكلام لا يمكن ان يعقل، فالوزير المصري استفحل في منصبه لدرجة التهديد نظراً للامتيازات التي يأخذها والمصالح المشتركة مع من يدعمه في وجوده في الوزارة. ويقول: إن الحل في وضع معايير محددة للمنصب الوزاري لا تخلق له أي امتيازات سوي خدمة منصبه دون حصانة ودون محسوبية ودون مصالح، وبعقاب محدد علي المخطئ وإعلان رسمي عند تغييره عن سبب التغيير.