استطاعت ايران كسب جولة جديدة من معركة التصدي لبرنامجها النووي حيث سجلت هدفاً قاتلاً في المرمى الامريكيالاسرائيلي بتوقيع الاتفاق مع كل من تركيا والبرازيل . في الدقائق بل في الثوانيالاخيرة قبل نجاح الجهود الامريكية في استصدار قرار عن مجلس الامن الدولي بفرضعقوبات اقتصادية ضدها. فقد اثبتت القيادة الايرانية قدرة غير عادية على المناورة وكسبالوقت في تعاطيها مع الضغوط الامريكية الاسرائيلية المتعلقة ببرنامجها النووي بعد تسليمها نص الاتفاق خطيا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا اعلنت بلكنتها المتعالية المعهودة انها ستنتظر رد مجموعة فيينا وفي حال موافقتها ستدخل في مفاوضات مباشرة معها لابرام اتفاقية مكملة تتضمن تفاصيل التبادل. ومحذرة ايضا من أن أي تحرك ضد ها او أي تمرير للعقوبات سيلغي الاتفاق نهائيا في اشارة الى ان مساعي فرض عقوبات جديدة في مجلس الأمن من شانه ان ينسف جهود تركيا والبرازيل. فطهران تعرف جيداً كيف تلعب اوراقها فيالتوقيت المناسب، دون ان تخسر مواقفها الاستراتيجية والسيادية، فقبولها بمبدأالتبادل، ودون ان تتعهد بوقف عملية التخصيب التي تمارسها بفاعليةهذه الايام، خلط جميع الاوراق، واعطى اصدقاءها في مجلس الامن ذخيرة جيدة لمعارضةالعقوبات التي تريد امريكا فرضها. و بذلك تكون طهران رائدة الشطرنج قد لاعبت الغرب على الحبلين و احدثت شرخا بين الدول الغربية ما بين مؤيد و معارض لمسالة العقوبات ضدها.
فالدبلوماسية الامريكية التي كانت تسعى لحشد التأييد لجولة عقوبات جديدة ضد ايران منيت بضربة قوية، وعادت الى المربع الاول، ولو بصفةمؤقتة، فالتنازل الذي قدمته الحكومة الايرانية يتماشى مع عرض امريكي فرنسي سابق،والفارق الابرز هو اختيار تركيا كمكان لحدوث عملية التبادل المذكورة. ايران ضربتعصفورين بحجر واحد، الاول 'تنفيس' الضغوط الامريكية على الدول دائمة العضوية فيمجلس الامن وخاصة الصين وروسيا، واحراج الادارة الامريكية دبلوماسيا، والثاني كسبكل من تركيا والبرازيل العضوين غير الدائمين في مجلس الامن الى صفها، عندماكافأتهما بانجاح وساطتهما وتقديم هذا التنازل الكبير لهما دون غيرهما. منالطبيعي ان تحاول الادارة الامريكية، التي لا تقبل بالهزيمة ان تطلب وقتا ميتا من المباراة في محاولة لاستعاب ما حصل للنهوض مرة ثانية لمواصلة المعركة و ذلك بالتشكيك في هذا الاتفاق،والنوايا الايرانية من خلفه، وفرص نجاحه، من خلال التذكير بعدم التزام ايرانباتفاقات سابقة، حيث اكد البيت الابيض ان نقل ايراناليورانيوم المنخفض التخصيب الى خارج اراضيها سيكون خطوة ايجابية، ولكن اصرارها علىمواصلة التخصيب بنسبة عشرين في المئة يشكل انتهاكا مباشرا لقرارات مجلس الامنالدول ممهدين الطريق لجولة جديدة من العقوبات التي ياملون ان يقرها مجلس الامن في اوائل يونيو. و بذلك تكون واشنطن و حلفائها قد ردوا ضربة طهران بتسجيل هدف التعادل لتنسف الجهود الدبلوماسية البرازيلية التركية و اذا استمرت النتيجة فستكون القوى الكبرى هي الفائزة لا محالة بعدد النقاط. الا ان المحللون و المختصون في الشان الايراني يدركون ان السلطات الايرانية تتمتع 'بمرونة' تتسم بالواقعية تسمح لها بالتراجع في اللحظة الاخيرة، ويشيرون الى قبولالسيد الامام الخميني باتفاق على وقف اطلاق النار مع العراق بعد ثمانية اعوام منالحرب، ومقولته الشهيرة بانه اتفاق مثل كأس السم يتجرعه مكرها. فالاتفاق مع تركياوالبرازيل كان تراجعا ملموسا يعكس 'واقعية' محسوبة بشكل دقيق، يمكن فهم اهميتها منخلال حالة الارتباك التي تسود حاليا المعسكر الغربي بزعامة الولاياتالمتحدة وعضويةكل من اسرائيل وفرنسا والمانيا وبريطانيا، و يجرون المشهد الايراني 7 اعوام الى الوراء حيث ادعت واشنطن ان العراق تملك اسلحة دمار شامل و طالبتها بتدمير اسلحتها بنفسها و الا استخدمت القوة العسكرية ضدها و بالفعل قامت بغداد بتدمير صواريخها الواحد تلوى الاخر و مع ذلك اقدمت واشنطن و حلفائها على حربها و اسقاطها ليكتشف العالم فيما بعد ان بغداد خالية من اي سلاح دمار شامل و من اي سلاح يمكنها من الدفاع عن نفسها من هذا المنطلق يمكننا فهم نهج الغرب الذي بحوزته اجندة دول يدعي انها مصدر خطر و مهما قدمت هذد الدول المسجلة خطر من تنازل الا ان الغرب يصر على نسفها.