قبل عقد ونصف تقريبا حاول شاب قبرصي مدفوع غيرة علي وطنه إنزال العلم التركي بالقوة المرفوع علي ساريته في الخط الفاصل بين الجزء القبرصي اليوناني والآخر الذي يسكنه القبارصة الأتراك في الجزيرة المقسمة منذ عام1974. علي أثر هذا انطلق صفير الانذار مصحوبا بتحذيرات مرة وثانية وثالثة ولكن الفتي اليافع أبي استمر في غيه فما كان من الجندي التركي المرابط سوي أن يطلق عليه رصاصة أصابته في مقتل يومها هاج الروم حسب وصف أهل الشمال لأقرانهم شاغلي الجنوب وهؤلاء هم فقط المعترف بهم من قبل العالم وفي اليونان استخدمت اشد العبارات قسوة في إدانة الحادث البربري وقرر رئيس وزرائها آنذاك المشاركة في جنازة المغدور' الشهيد' بنيقوسيا, أما الخارجية الامريكية فقد جاءت إدانتها وهي تحفظ أقرب منه إلي شئ آخر فرد الفعل بدا مغاليا علي الفعل نفسه فكان يمكن إبعاد الشاب' المخطئ' بوسائل شتي بعيدة عن قتله! يومها ردت تانسوتشيللر رئيسة الحكومة آنذاك قائلة: لوتكرر الأمر مرة ثانية سيكون الرد نفسه وربما أكثر. وعدلت أثينا عن المشاركة في العزاء بنصيحة من واشنطن حتي لا تؤجج مشاعر لا مبرر من اشتعالها!! والآن ألا توحي تلك القصة ببعض من التشابه لما هو حاصل الآن, بعض الاقلام لم تجد حرجا وبعد أن هدأت نسبيا موجات الغضب العارمة في أن تقول الاجابة فالقافلة التي انطلقت مدفوعة بمشاعر إنسانية لكسر الحصار عن غزة وكان يمكن أن تفعل ذلك باكثر من طريقة دون تعريض مصالح تركيا للخطر. وهكذا ووسط ثورات الغضب العارمة جاء موقف عبد الله جول رئيس الجممهورية متوازنا دون شطط وفي ذات الوقت عبر عن ادانته للاستخدام المفرط للقوة من قبل إسرائيل أي أن رد الفعل كان مغاليا من الفعل نفسه وكان هذا ايذانا واشارة إلي القائمين علي السياسة الخارجية للبلاد بإعمال العقل وتغليب لغة المصالح بيد أن خطاب أحمد داود أغلوفي مجلس الأمن حمل تراجعا واضحا مقارنة بما قاله الوزير من تصريحات حادة فور وقوع الهجوم وخلال النقاشات التي دارت طوال الساعات الماضية برزت أصوات مهمة وقد تساءلت عن الفائدة التي ستجنيها تركيا من كسب صديق في وقت تخسر فيه آخر في إشارة إلي تصعيد حزب العدالة الحاكم لنبرته العدائية تجاه إسرائيل في السنوات الاربع الماضية والصحف في معظمها حفلت بتعليقات ابتعدت عن إطلاق النعوت التوصيفات منصرفة إلي الحديث عن الاثار المترتبة لما حدث أمام سواحل غزة قائلة إن هجوم القوات البحرية الاسرائيلية علي اسطول الحرية سيضر تل ابيب فقط لأنه ببساطة سيشكل عائقا إضافيا امام تقدم مرحلة السلام بالشرق الاوسط البطيئة في الاصل فضلا علي ذلك هوأن اسرائيل قدمت هدية كبيرة لاعدائها وفي مقدمتهم: ايران وسوريا وحزب الله. اما عن العلاقات التركية الاسرائيلية, فالمراقبون أكدوا أنها لن تصل أبدا الي درجة القطيعة لان كلا البلدين بحاجة ماسة للآخر وتربطهم مصالح سياسية وعسكرية وتجارية واقتصادية والدليل علي ذلك أنه رغم العلاقات المتوترة منتخب الشباب الوطني التركي لكرة القدم كان متواجدا في اسرائيل اثناء هجوم قواتها البحرية علي سفن الحرية. وبخصوص التعاون بين البلدين فهوقائم بالعديد من المجالات بمقدمتها التصنيع الدفاعي حيث تحتل الدولة العبرية مكانة مهمة بمشاريع التصنيع العسكري التركي والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات واهمها نصب رادارات حساسة طرازSAR للطائرات الحربية المقاتلة إف16 التركية لمراقبة ورصد تحركات كافة الاجسام علي الارض بقيمة160 مليون دولار وحصول الشركة الاسرائيليةHatehof علي تزويد تركيا بعربات مضادة للالغام وطائرات التجسس هيرون بدون طيار. ومنذ أن وقعت تركيا اتفاقية التجارة الحرة مع تل أبيب في عام1997 ازداد حجم التبادل التجاري بين البلدين خاصة بعد الغاء الضرائب المفروضة علي البضائع وخلال العام الماضي فقط وصل حجم الصادرات التركية لاسرائيل الي مليار وخمسمائة مليون دولار, وعلي مدي الاشهر الاربعة الاولي من العام الجاري2010 وصلت قيمة تلك الصادرات نصف مليار دولار مقابل400 مليون دولار واردات من الدولة العبرية أي أن الميزان التجاري في صالح أنقرة وهناك200 شركة اسرائيلية تعمل في الاسواق التركية باستثمارات تبلغ ملايين الدولارات مقابل ذلك تعمل العديد من شركات المقاولات التركية في تركيا بتنفيذ العديد من المشاريع العمرانية التي يصل قيمتها الي583 مليون دولار.