نهر النيل واستدعاء الدور الوطني للكنيسة المصرية

بقلم :رامي عطا

يتابع الكثير من المصريين والمهتمين بالشأن العام مسألة حصة دولتي المصب‏(‏ مصر والسودان‏)‏ من مياه نهر النيل‏,‏ وبالأخص بعد الخلاف القائم حاليا بين دول حوض النيل‏.‏ كاتب وباحث ماجستير في الإعلام
ومن ثم فإن الصراع الحالي‏,‏ وليس المقبل‏,‏ إنما يتركز حول وفرة المياه في المنطقة ونصيب مصر منها‏,‏ لاسيما في ظل ذلك التزايد السكاني الذي يتطلب توفير كميات أكبر من المياه‏,‏ فضلا عن الحرص في استخدامها‏,‏ لذا فإن هذا الموضوع يحتاج الي التحرك وبسرعة من أجل حفظ حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل‏,‏ وذلك من خلال وحسب إسهامات عديدة متميزة تدعيم العلاقات المصرية الافريقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية‏,‏ وتنشيط الدبلوماسية المصرية في دول افريقيا وبالأخص في دول حوض النيل‏,‏ فالأمر جد خطير يحتاج الي استعمال كل الطرق المشروعة والمناسبة‏,‏ وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمثقفين والأكاديميين المهتمين بافريقيا ومنهم أساتذة معهد الدراسات الافريقية بجامعة القاهرة‏,‏ وكذا المراكز البحثية المهتمة بالدراسات الافريقية لطرح رؤاهم وأفكارهم من أجل تفادي تلك الأزمة والوصول الي نتائج تناسب الوضع المصري‏.‏ هذا بالاضافة الي ضرورة تنشيط دور الأزهر الشريف‏,‏ وكذا الكنيسة المصرية في افريقيا‏..‏
لاسيما وأن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية قد ارتبطت علي مر التاريخ‏,‏ وربما منذ نشأتها في أواسط القرن الأول الميلادي علي يد القديس مرقس الرسول‏,‏ بعلاقات قوية مع الكثير من الدول الافريقية وبالأخص اثيوبيا‏,‏ حيث كانت الكنيسة الإثيوبية بمثابة ابنة روحية للكنيسة المصرية‏,‏ وكان البابا‏/‏ البطريرك المصري يقوم بسيامة‏(‏ رسامة‏/‏ تنصيب‏)‏ مطران إثيوبيا والذي كان يتم اختياره من بين الرهبان المصريين ليتولي رعاية مسيحيي إثيوبيا‏,‏ وقامت الكنيسة المصرية بإقامة الكثير من الكنائس والأديرة في بعض دول افريقيا‏,‏ كما أوفدت الرهبان الي تلك الدول للقيام بخدمات رعوية روحية ودينية‏.‏
وشهد التاريخ زيارات عديدة قام بها باباوات وآباء الكنيسة المصرية لإثيوبيا وبعض دول افريقيا‏,‏ بعضها لأسباب رعوية وبعضها الآخر لمهام وطنية‏.‏
ولعل من المهام الوطنية البارزة في هذا الشأن زيارة قام بها البابا كيرللس الرابع الملقب بأبي الاصلاح القبطي في مصر الحديثة‏(1854‏ 1861‏م‏),‏ عام‏1856‏ م‏,‏ حيث سافر البابا كيرلس الرابع الي بلاد الحبشة‏(‏ اثيوبيا‏)‏ بتكليف من سعيد باشا والي مصر‏(1854‏ 1863‏ م‏),‏ وكان ملك الحبشة قد تعدي علي بعض الجهات من إقليمي هرر وزيلع‏,‏ اللذين كانا تابعين لحكومة الباب العالي‏,‏ فأوعز السلطن عبد المجيد الي سعيد باشا بأن يرسل بطريرك الأقباط الي الحبشة لعقد اتفاقية سلام وصلح مع ملكها‏,‏ وكان اختيار بطريرك الأقباط يرجع الي تلك العلاقة الوطيدة التي تربط بين الكنيستين المصرية والحبشية‏,‏ وقد استمرت مهمته حوالي سنة ونصف‏,‏ عاني فيها الكثير من المصاعب والمتاعب ودسائس البعض‏,‏ ولكن مهمته انتهت بنجاح‏,‏ حيث عاد الي القاهرة مزودا بالهدايا الكثيرة له وللباشا سعيد من قبل ملك الحبشة‏,‏ كما حضر الي مصر ومعه كاهن النجاشي‏(‏ الملك‏)‏ الخاص وكذا وزير حبشي كبير يحمل نص اتفاق السلام والصلح حتي يوقعه والي مصر‏,‏ وكان مع الوزير الحبشي كتاب من مولاه‏,‏ فأحسنت الحكومة المصرية استضافته إذ أنزلته بدار الضيافة الخاص‏,‏ ثم رجع لبلاده ومعه رد الكتاب‏.‏ وهكذا فإننا بحاجة الي استدعاء الدور الوطني للكنيسة المصرية في افريقيا‏,‏ وفي مقدمتها اثيوبيا‏,‏ وهو بالأساس دور وطني أكثر منه دور سياسي‏,‏ وهو مايؤيده تاريخ مصر القديم والحديث‏,‏ وقد يتحقق ذلك من خلال تكثيف الزيارات الرعوية في افريقيا الي جانب الاهتمام بالأفارقة المسيحيين المقيمين في مصر والذين تتولي الكنيسة المصرية رعايتهم روحيا‏,‏ اذ من شأن ذلك تدعيم العلاقات الاجتماعية والثقافية بين مصر وغيرها من الدول الافريقية‏,‏ وتأكيد الحضور المصري في القارة السمراء‏.‏
الجدير بالذكر هنا أن نهر النيل حاضر باستمرار في صلوات الكنيسة المصرية في الكثير من المناسبات والاحتفالات‏,‏ حيث تهتم الكنيسة بالصلاة من أجل مياه نهر النيل‏,‏ وكثيرا ماتتكرر في صلواتها عبارة‏.‏ نيل مصر يارب باركه‏.‏