تمثل قضية نصيب مصر من مياه نهر النيل واحدة من أهم القضايا الحيوية والمصيرية التي يعيشها المجتمع المصري في المرحلة الراهنة. حيث يتركز الصراع الحالي، وليس القادم، في المنطقة حول وفرة المياه في المنطقة ونصيب مصر منها، لاسيما في ظل ذلك التزايد السكاني الهائل والذي يتطلب بالتالي توفير كميات أكبر من المياه فضلاً عن الحرص في استخدامها. يأتي ذلك في الوقت الذي نتابع فيه، وعبر وسائل الإعلام المختلفة، مسألة حصة دول المصب (مصر والسودان) من مياه نهر النيل، وبالأخص بعد الخلاف القائم حالياً بين وزراء دول حوض النيل، حيث تطالب دول المنبع أن تحصل كل دولة علي حصص متساوية من مياه النهر، وهو الأمر الذي يخالف المواثيق والقوانين التي حددت هذه المسألة، كما تخالف أيضاً ما هو متعارف عليه من معايير واضحة تحدد هذا الأمر منها بل وفي مقدمتها عدد السكان في كل دولة. لذا فإن هذا الموضوع يحتاج إلي التحرك وبسرعة من أجل حفظ حقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل، وذلك من خلال- وحسب إسهامات عديدة متميزة- تدعيم العلاقات المصرية الأفريقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وتنشيط الدبلوماسية المصرية في دول أفريقيا وبالأخص في دول حوض النيل، فالأمر جد خطير يحتاج إلي استعمال كل الطرق المشروعة والمناسبة، وقد يتطلب الأمر الاستعانة بالمثقفين والأكاديميين المهتمين بأفريقيا ومنهم أساتذة معهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة وكذا المراكز البحثية المهتمة بالدراسات الأفريقية لطرح رؤاهم وأفكارهم من أجل تفادي تلك الأزمة والوصول إلي نتائج مرضية تناسب الوضع المصري. هذا بالإضافة إلي ضرورة دعم وتنشيط دور الأزهر الشريف، وكذا الكنيسة المصرية في أفريقيا.. ولعل من الأمور اللافتة للنظر أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي يقترب عمرها من ألفي عام، تهتم في الكثير من صلواتها وتعاليمها بالصلاة من أجل الوطن، لاسيما وأنها كنيسة اجتماعية تؤمن بخدمة المجتمع والصلاة من أجله كما أنها كنيسة ترفض العزلة عن المجتمع وترفض تقوقع المسيحيين وعزلتهم، بل إنها تحثهم دائماً علي العمل البناء والتحلي بالقيم الايجابية كمواطنين صالحين. من ذلك أنها تصلي من أجل أن يبارك الله في مياه نهر النيل. ففي صلوات أسبوع الآلام، وهو الأسبوع الذي يسبق عيد القيامة المجيد وتعيشه الكنيسة في نسك شديد وصلوات وتأملات روحية، تصلي الكنيسة صباحاً ومساءً من أجل طلبات عديدة من أجل الكنيسة والمسيحيين في كل المسكونة إلي جانب طلبات أخري خاصة من أجل الوطن. حيث يقول الكاهن الطلبة ويجاوبه الشعب من خلفه قائلين: (كيريي ليسون أي يا رب ارحم)، وهم يسجدون في الصباح بعد كل طلبة، أما في المساء فتقال الطلبات بدون سجود لأن الشعب يكون غير صائم. من طلبات الصباح يقول الأب الكاهن: "صلوا واطلبوا عن صعود مياه الأنهار في هذه السنة لكي يباركها المسيح إلهنا ويصعدها كمقدارها، ويفرح وجه الأرض بالنيل ويعولنا نحن البشر، ويعطي النجاة للإنسان والحيوان، ويرفع عن العالم الموت والغلاء والوباء والفناء وسيف الأعداء ويجعل الهدوء والسلام والطمأنينة في الكنيسة المقدسة ويرفع شأن المسيحيين في كل مكان وفي كل المسكونة إلي النفس الأخير، ويغفر لنا خطايانا". وفي المساء تصلي الكنيسة- كهنة وشعباً أيضاً- طلبات عديدة منها: "يا الله تراءف علي العالم بعين الرحمة والرأفة وبارك في كيل غلاتهم ومخازنهم، وفي القليل الذي عندهم، أصعد مياه الأنهار كمقدارها، وهب اعتدالاً للأهوية، ونيل مصر باركه هذا العام وكل عام، وفرح وجه الأرض وعلنا نحن البشر، نسألك يا رب اسمعنا وارحمنا".. هكذا فإن هذه الصلوات وغيرها يصليها المسيحيون في خشوع عظيم، راجين من الله أن يستجيب لهم وأن ينعم علي العالم بالسلام كما تبين لنا. زين الكلام في صيف 1938م انتهي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين- الأستاذ آنذاك بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً)- من وضع كتابه الشهير المعنون (مستقبل الثقافة في مصر) قال فيه أن الأزهر الشريف والكنيسة القبطية من مظاهر المجد المصري القديم ويجب أن يكونا عنواناً للمجد المصري الحديث.