تعد منطقة المربع' الافتراضي' المحصورة بين المغرب والجزائروإسبانيا وبريطانيا نموذجا حيا وقريبا من الناحية الجغرافية علي النزاعات الحدودية في عصرنا الحديث. وأيضا علي جدوي الجدران الفاصلة في تأمين الحدود فالخلاف الحدودي بين الجزائر والمغرب لا يعبر عن مشكلة أراض متنازع عليها فحسب, وإنما هو عبارة عن مشكلة ظهور كيان ثالث بين الاثنين يبحث عن اعتراف دولي وعن حسم لقضيته المستمرة منذ سنوات طويلة. كما أن الخلافات الحدودية بين المغرب وإسبانيا من جانب آخر حول ثغري سبتة ومليلة, إضافة إلي الخلاف الحديث الذي اندلع بين الجانبين قبل سنوات حول جزيرة' ليلي', كلها أمور مازالت تبحث عن حل, والوضع القائم حاليا هو' الأمر الواقع' الذي فرضته ظروف وأحداث معينة. فقضية الصحراء مازالت تثير بين الحين والآخر توترا جزائريا مغربيا, حيث تتهم كل دولة الأخري منذ سبعينيات القرن الماضي بمسئوليتها عن تصاعد الأزمة التي لم تشهد أي تقدم في الآونة الأخيرة, كما ترتبط بهذه المشكلة قضية أخري هي قضية اللاجئين المقيمين في المعسكرات الواقعة جنوب غربي الجزائر عند تندوف, ويقدر عددهم بتسعين ألف شخص. وكانت الحرب مع جبهة البوليساريو قد انتهت بوقف إطلاق النار الذي رعته الأممالمتحدة عام1991, غير أن الاستفتاء الذي دعت المنظمة الدولية إلي إجرائه في الصحراء الغربية لتقرير مصير تلك المنطقة تعرض للتأجيل أكثر من مرة, إلي أن قدمت المغرب في أبريل عام2007 مشروع خطة للحكم الذاتي إلي الأممالمتحدة لتسوية المشكلة, وهي الخطة التي اعتبرتها الولاياتالمتحدة مرضية وقابلة للتطبيق إلي حد ما, كما قدمت البوليساريو خطة أخري في عام2007 تدعو إلي الاستقلال, ومنذ ذلك العام التقي ممثلون عن حكومة المغرب والبوليساريو أربع مرات من أجل حسم مصير هذا الإقليم, ولكن المحادثات توقفت بعد أن أقر مبعوث الأممالمتحدة في أبريل2008 بأن استقلال الصحراء أمر غير واقعي! وإلي الآن, بقي الوضع القانوني لهذه المنطقة غير قابل للحل برغم إعلان البوليساريو في فبراير عام1976 بعد الانسحاب الإسباني مباشرة عن إقامة حكومة في المنفي تحمل اسم' جمهورية الصحراء العربية الديمقراطية' برئاسة محمد عبد العزيز, مع الإشارة إلي أنها تحمل عضوية منظمة الوحدة الإفريقية منذ عام.1984 وقد عادت قضية الصحراء تلك الأرض التي يبلغ طول سواحلها علي المحيط الأطلنطي1110 كيلومترات, ويبلغ عدد سكانها أقل من نصف مليون نسمة إلي السطح من جديد في أواخر العام المنصرم عندما تردد اسم الناشطة الصحراوية أمينة حيدر, ومشكلتها مع السلطات المغربية. والجدير بالذكر هنا أن المغرب, ومن أجل تأمين سيادتها علي أراضيها, بدأت منذ عام1976 تدافع عن حقها هناك بشكل عملي, وسعيا وراء ذلك لجأت إلي بناء جدار في الصحراء قالت إنه يهدف إلي الدفاع عن نفسها من هجمات البوليساريو, فضلا عن الإغلاق المستمر لحدودها مع الجزائر. واكتمل العمل في بناء هذا الجدار في عام1987, وهو عبارة عن تركيبة من ستة حوائط أمنية ودفاعية متلاحمة, وطولها الإجمالي يبلغ أكثر من2700 كيلومتر, وارتفاع أكثر من ستة أمتار, وهي مصنوعة من خليط من الرمال والصخور والأسلاك الشائكة, والجدار مزود بوسائل تقنية حديثة للمراقبة بما في ذلك الكاميرات. أما بالنسبة لسبتة ومليلة, فقد اندلع خلاف بين المغرب وإسبانيا في عام2002 حول ملكية جزيرة صغيرة تدعي بيريخيل, وأحيا هذا الخلاف من جديد قضية السيادة علي جيبي سبتة ومليلة الصغيرين المطلين علي البحر المتوسط, واللذين يقعان جغرافيا داخل الأراضي المغربية, وتصر المغرب علي المطالبة بهما, ولكنهما يخضعان فعليا لإسبانيا. ولتأكيد سياسة الأمر الواقع, فرضت إسبانيا منذ التسعينيات من القرن الماضي سياجا من الأسلاك الشائكة بطول أكثر من ثمانية كيلومترات في سبتة و12 كيلومترا في مليلة, وقامت بتطوير تعزيزات الأمن في كل من السورين أو الجدارين منذ هذا التاريخ, وأبرز ما تم عمله في هذا السياق زيادة ارتفاع الجدارين إلي ستة أمتار, مع تزويدهما بكاميرات المراقبة وأجهزة حساسة للغرض نفسه. أما جزيرة ليلي, فقد ثار النزاع حولها بين المغرب وإسبانيا في عام2002 وكاد يتطور إلي نزاع مسلح, ولكن البلدين آثرا التفاوض من أجل إيجاد حل ودي للمشكلة, خاصة أن إسبانيا لا تري مبررا لدخول نزاع عسكري مع المغرب بسبب جزيرة صغيرة يطلق عليها اسم' صخرة ليلي', خاصة أن اندلاع نزاع من هذا النوع في تلك المنطقة سيوجه ضربة مدمرة إلي صناعة السياحة في شواطيء ومنتجعات جنوبإسبانيا, كما أن المغرب تتعامل بهدوء شديد للغاية مع القضية حتي يومنا هذا. وأخيرا, لا ننسي قضية جبل طارق أو' جيبرالتر' التي تنحصر فعليا بين إسبانيا وبريطانيا, حيث تحرص إسبانيا مرارا علي تأكيد سيادتها علي هذا الجيب الاستراتيجي الحيوي الذي تسيطر عليه بريطانيا وتقيم عليه عددا كبيرا من الإجراءات الأمنية الرامية إلي منع تسلل المهاجرين غير الشرعيين إلي أوروبا خاصة إلي إسبانيا, وهو ما يمثل خدمة مجانية للإسبان من الناحية الواقعية!