في رسالته إلي شباب اليمن بمناسبة مرور عامين علي إندلاع ثورتهم السلمية التي أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح, حرص الرئيس عبدربه منصور هادي علي الإشادة بدور الشباب وتعهد بتنفيذ أحلامهم لكنه لم يصف ما حدث في اليمن بالثورة بل قال أنه التغيير ولم يستجب لطلبهم بإعتباره عيدا وطنيا.. ويعكس ذلك الحديث علي إستحياء عن الثورة وصفا للمشهد اليمني برمته والذي ضج بالتطورات الساخنة والمواجهات العسكرية والمبادرات السياسية علي مدار العامين الماضيين. في11 فبراير2011 خرج شباب اليمن في مسيرات هادرة في صنعاء وتعز أججها تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة ونجاح الثورة التونسية في الإطاحة بابن علي, رافعين شعارات تطالب بإسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح, وتوسعت الإحتجاجات إلي حوالي17 محافظة يمنية دفع فيها الشباب أكثر من ألف شهيد ومئات الجرحي بعضهم من النساء والأطفال حتي إضطرت دول الخليج بالتعاون مع المجتمع الدولي إلي التدخل لإنقاذ اليمن من حرب أهلية وشيكة نتيجة إنقسام الجيش اليمني علي نفسه بل إنقشام المجتمع اليمني كله ما بين مؤيد للثورة ومعارض لها. ووقعت مبادرة الخليج في21 نوفمبر2011 في السعودية لتضمن خروجا مقبولا لصالح من السلطة وخطوات تدريجية لنقل السلطة سلميا عبر إنتخابات رئاسية توافقية جاءت بنائبه السابق عبدربه منصور هادي ليكون رئيسا لفترة إنتقالية تنتهي في فبراير.2014 ومن خلال القراءة الفاحصة لمعطيات الساحة اليمنية بعد عامين من الثورة يتضح وجود أربعة إتجاهات واضحة المعالم تتنازع الرؤي والإجتهادات في تفسير ما حدث وأولها, الإتجاه المتفائل والذي يري أن الثورة نجحت في تحقيق أهم أهدافها وهو الإطاحة بصالح وإنهاء مشروع التوريث ويمثله تكتل اللقاء المشترك المعارض سابقا والشريك حاليا في السلطة ويضم خمسة أحزاب جعلتها الثورة حاكمة بعد أن كانت معارضة أهمها الإصلاح ذو التوجه الإسلامي والإشتراكي والوحدوي الناصري, ويدعم هذا التوجه كثير من النشطاء السياسيين وشباب الثورة وفي مقدمتهم توكل كرمان الحائزة علي جائزة نوبل للسلام علي خلفية نضالها الدؤوب في الثورة. ويري أنصار هذا الإتجاه أن الثورة أسقطت أقارب صالح من قيادات الجيش وجاءت بحكومة وفاق يتزعمها معارض لصالح وأعادت صياغة مجمل الحياة السياسية في اليمن. وتري توكل كرمان أن11 فبراير يوم مجيد من أيام الثورة الشبابية السلمية العظيمة, ففي هذا اليوم اندلعت الثورة في اكثر من محافظة يمنية ثم مالبثت بعد ايام أن عمت جميع المحافظات, ولم تتوقف حتي اسقطت علي عبدالله صالح وعائلته. وتجزم كرمان بأن الثورة اليمنية ماضية في طريقها لاستكمال بقية اهدافها في اقامة الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة. إنها أزمة والإتجاه الثاني في المشهد اليمني يمثله أنصار الرئيس السابق والذي أخرجته الثورة من مقعد الحكم لكنها لم تسقطه من المشهد السياسي رغم تعرضه لمحاولة إغتيال في3 يونيو2011, وربما يكون صالح هو الرئيس الوحيد في الربيع العربي الذي لم تغيبه الثورة كلية من الواقع سواء بالقتل أو الهروب أو السجن كما حدث لغيره في ليبيا وتونس ومصر, فهو ما يزال رئيسا لحزب المؤتمر الشعبي العام الشريك في حكومة الوفاق الوطني وينتمي إليه الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي, ويمتلك صالح صحيفة ناطقة بإسمه وقناة فضائية ويقوم بنشاطات سياسية وإجتماعات متواصلة, كما أن نجله العميد أحمد لم يبتعد إلي الآن عن المشهد وهو مرشح لمنصب عسكري رفيع وفقا لمصادر متعددة, وهذا كله يجعل صالح لاعبا رئيسيا لايمكن تجاوزه في الحراك السياسي وصساغة الأحداث علي الرغم من الضغوط الدولية والإقليمية لإجباره علي مغادرة اليمن أو تخليه عن رئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام, وأصحاب هذا التوجه لايعتقدون بحدوث ثورة أصلا في اليمن بل أزمة إفتعلتها أحزاب اللقاء المشترك وركبت فيها موجة الإضطرابات في المنطقة العربية للوصول إلي السلطة مستغلين براءة الشباب وحسن نيتهم, مستدلين في ذلك بأن قيادات الثورة كانوا أصلا من العاملين مع صالح في السابق والمستفيدين من التواجد حوله وإنشقوا عنه لمصالحهم الشخصية. أما الإتجاه الثالث علي الساحة اليمنية فهو تشاؤمي ويري أن نجاح الثورة اليمنية ضرب من الوهم والخداع, وأنها فشلت في تحقيق أهدافها وتواجه العديد من العثرات بسبب بقاء الرئيس السابق في الحياة السياسية وتحالفاته مع جماعات الحوثيين والحراك الجنوبي لإجهاض أي تسوية مقبولة. ويري أصحاب هذا التوجه أن منح صالح وكل العاملين معه حصانة من الملاحقة القضائية سواء علي قتل الثوار أو إعادة المال المنهوب كان بمثابة شهادة وفاة للثورة وتحصين في غير موضعه تماما, ويلاحظ أن أصحاب هذا التوجه يمثلهم كثير من النشطاء السياسيين وشباب الثورة وحتي المواطنين العاديين, والذين ينظرون إلي حكومة الوفاق الوطني علي أنها آلية للمحاصصة السياسية وتوزيع غنائم الثورة, كما ينظرون إلي البنية القبلية والإجتماعية في اليمن في المرحلة الإنتقالية علي أنها لم تتغير ضاربين المثل بإستبدال هادي لأبناء قبيلته في أبين بما كان يفعله صالح مع قبيلته سنحان ومنحهم الوظائف الكبري في الجيش والشرطة. ويستدل أنصار هذا الإتجاه بجمود المشهد وتباطؤ عملية التغيير, سواء عدم القصاص من القتلة وتزايد الإرهاب والتخريب وقطع أنابيب النفط والغاز وشبكة الكهرباء, وحتي أموال المانحين التي وعدت اليمن بها لم يصل أغلبها ولم يشعر بها الشباب سواء في خلق الوظائف أو التخفيف من الفقر والبطالة, كما أن الحوار الوطني الذي كان يفترض أن يبدأ في15 نوفمبر2012 وفقا لمبادرة الخليج تأجل إلي18 مارس القادم ولمدة أربعة أشهر وسيلتئم علي أنقاض ألغام عديدة أهمها التهديد بإنفصال الجنوب والتوسع الحوثي المدعوم من إيران وتوغل تنظيم القاعدة في عدة محافظات والحملات الإعلامية المحمومة بين شركاء التسوية السياسية. إتجاه واقعي ويبدو الإتجاه الرابع في المشهد اليمني واقعيا إلي حد كبير, فهو يري أن ثورة الشباب حققت بعض أهدافها لكنها لم تستكمل بقية الأهداف نتيجة تداخل عناصر عدة من بينها تعقد الواقع اليمني والتدخل الخارجي وحالة الإستقطاب الحادة في القوي السياسية ونشاط بقايا النظام السابق. ويتفق هؤلاء بأن الثورة أسقطت حاجز الخوف والتردد وأن الزمن كفيل بتحقيق بقية الأهداف, معتبرين أن التسوية السياسية أنقذت البلاد من حلاب أهلية طاحنة كان يمكن أن تأكل الأخضر واليابس خاصة مع تسليح الشعب اليمني وفي جردة حساب بمناسبة مرور عامين علي الثورة اليمنية الشبابية يقول الناشط السياسي علي الجرادي: نجحنا بخلع صالح وعائلته من الحكم واستغفلونا بمنحه الحصانة وتمييع قانون العدالة الانتقالية, ونجحنا بتغيير الرئيس ورئيس الحكومة ونصف وزرائها, وتعثرنا بطريقة الإدارة, فلا تزال نفس العقليات والأدوات الحاكمة لم تتغير, ونجحنا بإزاحة بعض الفاسدين وتعثرنا إذ لم نستمر في ثورة المؤسسات. ويضيف الجرادي: نجحنا بالخروج من خوف انفسنا في مواجهة الطغيان وتعثرنا بإدارة الثورة بعقليات ماقبل الثورة, ونجحنا في تشكيل حكومة وتزكية الرئيس هادي وتعثرنا في تشكيل البناء المؤسسي لإدارة المرحلة الانتقالية فلا زالت الإدارة فردية وشخصية, وبإختصار أنجزنا الكثير وتبقي من المهام أكثر وأصعب وأدق وهي الخلاص من الماضي بكل سوءاته وطريقة حكمه الشخصي والعائلي. وما بين التوجهات الأربعة لايملك المواطن اليمني إلي التذرع بالصبر والأمل إنتظارا لشهر فبراير2014 عندما تحط المرحلة الإنتقالية رحالها ويتم إستكمال الحوار الوطني وإنجاز الدستور الجديد وتجري إنتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة, وهي مهام تبدو صعبة كثيرا في نظر المراقبين بانظر إلي ضيق الوقت وحجم التحديات, لكنها في نظر الكثيرين ليست مستحيلة إذا صدقت النوابا وخرج الجميع من عباءة الماضي وتصفية الحسابات السياسية إلي رحاب مستقبل ينعم فيه الجميع بالأمن والإستقرار والمواطنة المتساوية وصياغة شكل أفضل من الوحدة, مستقبل بلا سلاح أو عنف وخال من القاعدة والإرهاب والفقر والبطالة.