أنت هتعلمني الأدب؟ هكذا صاحت مقدمة أحد برامج التوك شو علي قناة مصرية خاصة في وجه ضيفها. لم يتوقف الأمر علي المذيعة, فالضيف الآخر, هاجمه أيضا, لأنه لا يدع له فرصة الحديث. بل ويسخر منه ويستعلي عليه. حتي المشاهدين الذين اتصلوا بالبرنامج, صبوا جام غضبهم علي الضيف الذي كان, بالمناسبة, يدافع عن حزب الحرية والعدالة. بالطبع, أتفهم صعوبة أن يدافع شخص ما, سواء كان متحدثا رسميا أو غير رسمي عن حزب حاكم في أي دولة, فهو الحزب المستهدف من الجميع.. ببساطة لأنه الذي يتولي السلطة وتعلق في رقبته كل المشكلات, فما بالك بمصر, التي تتكالب عليها المصائب والكوارث كما تتداعي الأكلة إلي قصعتها. لكننا هنا لا نتحدث عن مدي قدرة الحزب أو خيبته في مواجهة المشكلات, بل نحاول تقييم هؤلاء الذين يخرجون علينا في الفضائيات والبرامج والصحف لإقناعنا, بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان, وأن المعارضة, وحتي الأشخاص العاديين الذين يظهرون علي الشاشات مهاجمين منتقدين, لا يفعلون ذلك إلا لأنهم يكرهون فكرة وصول حزب إسلامي إلي السلطة, وبالتالي, فإن ما يقولونه نقدا أيديولوجي وليس عمليا حقيقيا. ولأن التعميم أمر خاطيء, فإن أول ما ألاحظه علي بعض هؤلاء المتحدثين, أو الذين يظهرون تحت لافتة قيادي بالحرية والعدالة, أنهم يفتقدون إلي بديهيات تعارف عليها العاملون في هذا المجال, ومن بينها, ألا تهاجم مشاهدا عاديا حتي لو هاجمك, لأنه, بغض النظر عن انتماءاته, ممثل للجمهور أي للناخبين, وهو ليس سياسيا, متاحا لك أن تكيل له ما تشاء من نقد. أيضا لا يجب مطلقا أن تتعارك مع المحاور, لأنك لو فعلت ذلك تكون قد خسرت المعركة. وأتذكر أنني قبل عدة سنوات شاهدت برنامجا إخباريا, في القناة الثانية لتليفزيون بي بي سي, وجه فيه المذيع سؤالا لوزير الداخلية البريطاني, وعندما لم يرد بشكل مباشر, كرر المذيع سؤاله14 مرة دون أن يحتد الوزير أو يترك البرنامج, ولو فعل ذلك لكانت فضيحة مدوية. قارن ذلك- من فضلك- بما يحدث عندنا من غلق لسماعة التليفون من وزير أو متحدث خلال حوار علي الهواء, أو تهديد المذيعة بأن المتحدث يعرف منين بتقبض عشان تعمل كده!, أو اشباع المحاور أو الجمهور المتصل سخرية و اتهاما بالجهل دون إدراك أن هذه التصرفات تجعل المتحدث وحزبه يخسران كثيرا. الغريب في الأمر, أن هؤلاء المتحدثين يظهرون مرارا وتكرارا دون أن ينتبه الحزب إلي مدي الضرر الذي يصيبه من ظهورهم. وبالمناسبة, هذا ما كان يحدث قبيل الثورة, عندما كان المتحدثون باسم الحزب الوطني يهاجمون الإعلاميين, ويكاد أحدهم أن يفقأ عين المذيع لمجرد أنه سأل سؤالا علي غير هواه. وذاكرة القراء مازالت تحتفظ بالكثير من هؤلاء. ولأننا لا نخترع جديدا, فإن أبحاث الإعلام, تفترض فيمن يتولي هذه المهمة القدرة علي العمل في بيئة غير محايدة بل معادية, وأن يكون سريع البديهة, دارسا للصحافة والإعلام وعلم النفس, وأن يتعلم متي يظهر ومتي يختفي؟ وألا يتعالي علي الناس ويسفه كلامهم. لكن أصل الداء لدينا أن السياسة تتغلب علي المهنية, فأغلب المتحدثين, في الأصل نشطاء سياسيون, وبعضهم رجال دين, ثم أصبحوا متحدثين أو معبرين عن أحزابهم أو منظماتهم, ولذلك لا تستهويهم كثيرا معرفة أساليب جذب المشاهدين أو كيفية اقناعهم, فالهدف بالنسبة لهم, القاء بيان سياسي مباشر لا يعنيه كثيرا أن يكون جافا ومملا ومليئا بالألفاظ الثقيلة علي أذن المشاهد. ولا عجب, فالعديد من هؤلاء المتحدثين يسبق أسماءهم حرف د. دلالة علي الدكتوراة التي حصلوا عليها في أي مجال إلا الإعلام. وللأمانة, فإن هذا المتحدث يمكن أن نلتمس له العذر, لأن المذيعة أو المذيع الذي يحاوره غالبا ما يتخلي عن المهنية ويتقمص دور الناشط السياسي, حتي ولو كان إعلاميا في الأساس. وانظر حولك, ستجد الكثيرين والكثيرات الذين لا يفرقون بين ميكروفون التليفزيون وميكروفون المؤتمر الجماهيري. أي أننا أمام إعلامي تحول إلي ناشط دون أن يؤرقه ضميره المهني.. وناشط يتقمص دور المتحدث الإعلامي دون توافر صفات المتحدث فيه. وللأمانة أيضا, فإن ماسبق لا ينطبق فقط علي المتحدثين أو المعبرين عن الحرية والعدالة بل علي الأحزاب الأخري, و لكن لأنه الحزب الحاكم, فإنه يتحمل المسئولية الأكبر في اختيار متحدثين جديرين بالحديث باسمه, وليس مجرد شبيحة يظهرون لإخافة المذيعين والضيوف والجمهور. وللأمانة, ثالثا, فإن المتحدثين الإعلاميين ليسوا سوي مشهد في مسرحية تدور أحداثها الآن في مصر المحروسة, لا أحد فيها يؤدي دوره المناسب, بل الجميع يدعي أنه يصلح لكل الأدوار بما في ذلك البطل, والممثل المساعد نهاية بالكومبارس. المزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام