بات وضع مصر الاقتصادي في مرحلة صعبة بعد أن قامت وكالة موديز للتصنيف الأئتماني بتخفيض السندات المصرية للمرة السادسة علي التوالي ليصل إليB3 منB.2 وقالت موديز إنها ربما تخفض التصنيف مجددا, خاصة وأنها أعلنت في أوقات سابقة عن نيتها لخفض تصنيف مصر درجتين. وأرجعت موديز خفض تصنيف مصر إلي عدم الاستقرار السياسي المستمر في البلاد وتصاعد الاضطرابات المدنية في الآونة الأخيرة, كما أبدت شكوكا بشأن قدرة مصر علي الحصول علي قرض من صندوق النقد الدولي, مؤكدة أن هذا أحد أسباب خفضها للتصنيف الائتماني, بالإضافة إلي حالة الطواريء وحظر التجوال في مدن القناة الثلاث في الاسماعيلية وبورسعيد والسويس بسبب الاضطرابات وأعمال العنف التي شهدتها مؤخرا. استندت الوكالة إلي أنه من بين العوامل أيضا إعلان البنك المركزي المصري تراجع حجم احتياطات النقد الأجنبي خلال شهر يناير الماضي بنحو1.4 مليار دولار ليصل إلي13.61 مليار دولار مقابل15.014 مليار دولار في نهاية ديسمبر الماضي. وحول المشكلات التي تواجه مصر ائتمانيا وروشتة تفادي تخفيض التصنيف الأئتماني لمصر مجددا كانت لنا هذه السطور مع الدكتور عمرو حسنين رئيس مؤسسة ميريس الشرق الأوسط للتصنيف الإئتماني. ماهي خطورة الوضع الحالي, وما هي المراحل التالية لها في جدول التصنيف الائتماني عالميا؟ بداية إن تخفيض وكالة موديز لسندات الحكومة المصرية تعني ارتفاع المخاطر وبالتالي ارتفاع فائدة هذه السندات عالميا, ويترتب عليها زيادة في خدمة أعباء الدين, كما أن هناك مخاطر من التخفيض القادم لأنه سيضع مصر في المرتبةC وتعني أننا من الدول القريبة من التعثر. واستمرار الأوضاع علي المستوي السياسي والاقتصادي علي ماهي عليه في الوقت الرهن سينذر بكارثة, متوقعا أن السيناريو الأسواء حال عدم تقدم الحوار الوطني والتوافق المجتمعي سيؤدي إلي عدم قدرتنا بعد عام من الآن علي شراء الغذاء من الخارج, لأن الاقتصاد المصري لن يستطيع بوضعه الحالي الصمود لآكثر من عام. ماهي أسباب تراجع التصنيف الائتماني لمصر؟ هناك سببان لتراجع تصنيفنا الأئتماني الأول كمي والآخر نوعي, أما النوع الأول فيعني أن هناك خللا في الأرقام مثل تراجع الأحتياطي لمستويات حرجة, وارتفاع نسبة إجمالي الدين العام مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي وهي في مصر قارب علي نحو100%, في حين أن النسب العالمية تتراوح بين70% إلي80%, وهذه هي الأسباب الكمية, التي أدت إلي اختلال واضح في الاقتصاد المصري, وقادت إلي النوع الثاني وهذه هي الأسباب النوعية وتتمثل في عدم قدرتنا علي زيادة مواردنا بسبب الوضع السياسي الداخلي, كما أدي عدم استقراره إلي التأثير سلبا علي الوضع الاقتصادي, فالسياحة تكاد تكون وصلت لمرحلة التوقف, وبالتالي تراجعت مصادرنا بالعملة الصعبة من هذا القطاع الحيوي, نتيجة تردي الوضع السياسي, فضلا عن تراجع معدلات الإنتاج بسبب تصاعد واستمرار الاضرابات والاحتجاجات. وتحذير الخارجية الأمريكية لرعاياها من السفر إلي مصر من شأنه التأثير سلبا علي قطاع السياحة, لآن هذا يؤثر علي السياحة الأمريكية وتحذو حذوها العديد من الدول الأخري, كما أن التحذير يبين أن الخارجية الأمريكية استشعرت شيء ما, خاصة وأن انتخابات مجلس الشعب علي الأبواب, كما أن الفترات الماضية شهدت اضطرابات عديدة, فأحداث محمد محمود الأولي سبقت انتخابات مجلس الشعب الذي تم حله وكذلك عقب الاعلان الدستوي وكذلك الاستفتاء علي الدستور. وحظر السفر يترتب عليه نقص شديد في العملة الصعبة, واليوم لدينا مصدرين للعملة الصعبة هما قناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج فقط خاصة بعد تردي وضع السياحة وتراجع حجم الصادرات المصرية. هل هناك روشتة سريعة للخروج من هذا المأزق؟ الروشتة الوحيدة لتجنب تراجع تخفيض مصر الائتماني هو التوافق الوطني, كما أن قرض صندوق النقد الدولي ارتهن بالتوافق العام بين كافة القوي السياسية, خاصة التوافق واسع المدي. وطلب صندوق النقد الدولي من مصر وضع برنامج اقتصادي يحقق قبولا واسع المدي بين كافة أطياف المجتمع, ولم يفرض علي مصر أي شروط, وعندما تعثر تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي, طلبت مصر عدم عرض طلب القرض علي مجلس إدارة الصندوق, لأننا لم نستطع الوفاء بالتزاماتنا أمام الصندوق وفق البرنامج الذي وضعناه بأيدينا, وبالتالي فإن الوضع يزداد صعوبة كلما تأخرنا, كما أن تخفيض التصنيف الائتماني لمصر يزيد من صعوبة الموقف, أمام قرض صندوق النقد الدولي, خاصة أن موافقة الصندوق علي القرض تعد خطوة مهمة للاقتصاد المصري, لأنها شهادة دولية علي قدرتنا علي الوفاء بالتزاماتنا أمام العالم. والقرض يفي فقط بثلث احتياجاتنا, لكن أهميته تكمن في أنه يعد خطوة أو كوبري للحصول علي قروض أخري من مؤسسات مالية عالية. وكافة وكالات التصنيف الائتماني حاليا في حالة قلق شديد جدا حول مستقبل القرض, لأننا إذا لم نستطع تنفيذ البرنامج الإصلاحي والخاص بمعالجة عجز الموازنة العامة للدولة عن طريق إعادة هيكلة الدعم وغيرها من المشكلات المزمنة في هيكل الموازنة بهدف الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي, سيبعث برسالة سيئة لوضعنا الاقتصادي أمام وكالات التصنيف الأئتماني, وبالتالي فالحل هو التوصل لبرنامج وطني سياسيي يتفرع من برنامج وطني اقتصادي ينال قبولا وتوافقا واسع المدي, مما يعيد ثقة المؤسسات الدولية في الاقتصاد المصري مرة أخري, أما النقطة الثالثة والهامة في هذا الإطار فهي الحالة الأمنية وعودة الانضباط للشارع مرة أخري, وتعد هذه النقاط الثلاثة مثلث الخروج من أزمة التخفيض الأئتماني لمصر, وهذه العناصر لابد من تحقيقها الأمس قبل اليوم, وبالتالي فخلاصة القول أن مستقبل التصنيف الأئتماني لمصر مرهون بأستقرار الوضع علي المستوي السياسي قولا واحدا. والتوافق السياسي سيعزز من التواقف علي المستوي الاقتصادي, بالتالي هدوء علي المستوي الأمني, وطالما هناك اضطرابات فلن يأتي مستثمر إلي مصر. هل الحل صعب لهذه الدرجة؟ الحل ليس صعبا, فكل المطلوب هو العودة مجددا إلي مائدة الحوار الجادة التي تجمع كافة القوي السياسية, والعمل خلالها من منطلق وطني فقط وهذا ليس مستحيلا طالما أن الحوار هدفة التوصل إلي قرارات وسطية, بعيدا عن الأيدولوجيات أو القناعات المسبقة قبل البدء في الحوار الجاد, أما إذا كان الحوار من طرف واحد فإن الأمور ستصل إلي الأسو, وبالتالي فعلي الحزب الحاكم القيام بمبادرات واسعة وملموسة يشعر بجديتها كافة الأحزاب المعارضة, وعلي أن يتم تقديم مصلحة مصر فوق أي اعتبار, لكن الوضع الحالي يقوم علي أساس الحوار علي حافة الهاوية, وإذا وصل الطرفان لحافة الهاوية سيقع الطرفان وستقع مصر معهما. ماهي المستويات الحرجة لحجم الاحتياطي النقدي من وجهة نظركم؟ تراجع الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة إلي مستويات حرجة, خاصة أن حجمه حاليا عند13.5 مليار دولار, وهو منخفض جدا, أما إذا وصل إلي نحو9 مليارات دولار, سيكون من الصعوبة بمكان الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي. ماهي أهم القطاعات القادرة علي مساندة الاقتصاد المصري للخروج من عثرتة؟ السياحة هي طوق النجاة للاقتصاد المصري في هذه المرحلة الحرجة, لأنها تنمو بسرعة ومواردها من النقد الأجنبي سريعة, وتعمل علي تشغيل باقي القطاعات الاقتصادية بصورة سريعة. هل تري أن سعر صرف الجنيه أمام الدولار سيشهد تطورا جديدا, بعد انفلات أسعاره حاليا؟ الانفلاتة الأخيرة في سعر صرف الجنيه أمام الدولار طبيعية, وأننا لم نشهد إنفلاتة بعد, وبالتالي إذا لم تستقر الأمور فسنشهد انفلاتة حقيقية, وقد يصعد خلالها الدولار لمستويات8 جنيهات وأكثر. والأمور علي المستوي الاقتصادي تشهد حالة من الانفلات علي نطاق كبير, واذا اردنا أن نضبط الأمور فعلينا أن نسعي لتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي, بهدف الحصول القرض, وهذه النقطة هي بداية الحل الحقيقي لمشكلتنا الاقتصادية, ولا توجد مشكلة أو صعوبة في تنفيذ البرنامج خاصة أن إطاره الرئيسي يقوم علي هيكلة الدعم وتوجيهه لمستحقيه, وهيكلة دعم الطاقة. وعدم البدء في برنامج الإصلاح الاقتصادي إلي الخلافات علي المستوي السياسي فقط, وليس في صعوبة تنفيذ البرنامج نفسه, لأن مشكلتنا أمام صندوق النقد حاليا أننا وضعنا برنامجا ولم نستطع تنفيذه. هل تري أن الجهاز المصرفي قادر علي قيادة عجلة التنمية؟ الجهاز المصرفي قادر علي تمويل المشروعات والتوسع في الاستثمارات, لكن العجز الكبير الذي تعاني منه الحكومة جعلها تدخل بقوة وتنافس القطاع الخاص في الحصول علي القروض, وبالتالي بات الجهاز المصرفي ممولا لعجز الحكومة عن طريق سندات الخزانة, علي حساب تمويل المشروعات, خاصة أن إقراض الحكومة يتسم بانخفاض المخاطر إلي جانب رفع سعر الاقراض, وبالتالي زاحمت الحكومة القطاع الخاص, في الاقتراض, وباتت الأرباح الكبيرة للجهاز المصرفي ناتجة عن إقراض الحكومة. هل تري أن الاقتصاد المصري سيتعافي مجددا؟ أتوقع أن يصبح الاقتصاد المصري قوة كبري بعد10 سنوات من الآن, لكن علي المدي القريب وبالتحديد خلال العامين المقبلين فالرؤية غير واضحة علي الإطلاق.