ما يحدث علي الساحة السياسية الآن لا ينبيء بخير, وبات الصعود إلي الهاوية وشيكا جدا, والسعي إلي انهيار الدولة أقرب مما نتصور, ومازالت الدولة والمعارضة يتجاذبون ويتعاركون. متهما كل منها الآخر بالسعي لانهيار الدولة, ولم يسع أي منهما إلي التنازل عن مطالبه من أجل الدولة. وانهيار الدولة لم يعد في الاقتصاد والأمن فقط, بل صار مفهوما راسخا لدي رجل الشارع العادي, وملموسا علي الارض لكل من له عين تري واذن تسمع. في وصفه للدولة الرخوة وانهيارها يجد اللواء حمدي بخيت المحلل الاستراتيجي والعسكري أن ذلك يعود لعدة أسباب يأتي في مقدمتها أنه لا يوجد قرار سيادي ينفذ, ولا توجد وزارة أو مجلس وزراء يعلم أدواته التي من الممكن استخدامها طبقا للموقف, إذ إن جميع القرارات التي تتخذها الرئاسة ومجلس الوزراء وإن كانت في مصلحة المواطن غير أنها تحمل صفة الرشوة, ولا تحمل صفة حل مشكلة استراتيجية, كما أن هناك بعض القرارات كان من المفروض اتخاذها ولم تتخذ, مثل الأسلحة المنتشرة في الشوارع والمحافظات,فلو أن الحكومة والنظام لديهما نية لتأمين الدولة ونشر مظلة الاستقرار لكانت أصدرت قانونا بتجريم كل من يحمل سلاحا إلا من يسلمه بإرادته وخلال فترة معينة. ومن ملامح الدولة الرخوة كما يري اللواء حمدي أن تكون الإرادة ضعيفة من كل الأطراف حكومة ومعارضة وأحزابا سياسية وتنظيمات, فإضافة إلي توقف التنمية فلا يوجد أي ظاهرة أو عمل أو إجراء يدفع معادلة الناتج القومي إيجابيا إلي الأمام, إذ الانهيار الاقتصادي والأمني من أهم المعالم التي تثبت رخاوة الدولة وانهيارها, يضاف إلي ذلك عدم انصياع المواطنين لقرارات تصدر بصفة سيادية, فهي بلا قيمة أو وزن عند المواطن العادي ناهيك عن المثقف. ويري اللواء حمدي أن من أسباب رخاوة الدولة إن إدارتها تحكم لمصلحة فئة بعينها, وهي فئة محدودة, وهذا إيذان بشرذمة الدولة إلي فئات أخري. بينما لا يجزم بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بدخول مصر مرحلة الانهيار من عدمه, بيد أن المؤشرات منذ فترة طويلة تذهب باتجاه أن مصر تنزلق تدريجيا إلي وضع مأساوي بسبب عدم وجود رؤية سياسية لتجاوز المأزق الذي تواجهه البلاد خلال العامين الماضيين, إذ إنها سارت في طريق خطأ منذ عدم وضع الدستور أولا, وبالتالي فنحن نواجه وضع سلطات محلقة في القرار, ولا تتمتع بدعم شعبي واسع سوي دعم حزبي وديني ضيق. ويدلل بهي الدين علي ما ذهبت إليه المؤشرات بالأجهزة الأمنية التي فقدت ثقة الشعب منذ قبل الثورة, ولم تستطع أن تنجح في استعادة الحد الأدني من هذه الثقة حتي اللحظة الآنية, كما أن لدينا دستورا وافق عليه20% ممن لهم حق التصويت, مما يؤكد أنه لا يحظي بالتوافق الشعبي من كل المصريين, وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأنه لا توافق علي دستور ولا سلطة حاكمة ولا أمن, وكل ذلك يسهم في انهيار الدولة, فالنظام وصل إلي قمة الثقة في يوليو الماضي فقط وقت انتخابه, ومنذ ذلك التاريخ وهو كل يوم يخسر رصيدا جديدا, برغم أن قمة الثقة هذه كانت51%. ويشير بهي إلي أنك حين تجمع كل تلك المؤشرات ستجد أننا في منحدر خطير, وأن المسافة التي تفصلنا عن هذا الانهيار لم تعد بالسنين بل هي أشهر قليلة وذلك بحسب بيوت الخبرة الدولية, كما أننا, والحال كذلك, لم نجد الحد الدني من الجهد الرشيد الذي يبذل في بناء توافق مجتمعي, فالصورة قاتمة للغاية, وهذا له انعكاسات سلبية خطيرة علي وضع حقوق الإنسان وستتفاقم أكثر وأكثر هذه الانعكاسات السلبية. علي الجانب الآخر يرفض الدكتور أحمد عارف المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين رفضا شديدا فكرة الحديث حول انهيار الدولة, فيقول: ليس صحيحا أن مصر دخلت مرحلة الانهيار, وهذا الكلام يدور فقط في أذهان من لا يريد أن يري مصر تسير إلي الأمام, فبدراسة الدول التي مرت بتحول ديمقراطي شبيهة, نجد أن مثل هذه السنوات مرت علي تركيا لمدة ثلاث سنوات, وإندونيسيا وماليزيا مرت بما يقرب7 سنوات من سياسات غير أخلاقية وتهم مهينة إلي سياسة راشدة, وأيضا أمريكا الجنوبية وجدنا أنها أخذت من الوقت في مواجهة تحديات كبيرة أكبر بكثير من بعض الأوضاع المفتعلة في مصر مثل مافيا السلاح والعنف والمخدرات. ويشير عارف إلي أن ما يميز مصر أنها بطبيعتها وسطية في كل أمورها, ولا تعرف المغالاة أو التشتت أو التفكيك المجتمعي, فالمجتمع هو دائما القرص الصلب في أي دولة من أجل أن تقوم وتنهض. وعن الاقتصاد وانهياره يدحض ذلك عارف بقوله: سريعا سوف ينتقل الاقتصاد المصري من الاقتصاد الريعي إلي الاقتصاد الانتاجي وتفعيل الاستثمارات الحقيقية بعيدا عن الأنماط التقليدية القديمة. إلي ذلك يري الدكتور ماجد عثمان مدير المركز المصري لبحوث الرأي( بصيرة) أنه من الناحية الاقتصادية لا اعتقد أن مصر انهارت اقتصاديا, إذ إن هناك مصادر قوي ما زالت موجودة, فالهيكل الاقتصادي متنوع وفيه مصادر قوي كامنة, تستطيع إذا أردنا أن نعود سريعا لمستوي اقتصادي معقول, بينما القضايا الأمنية تحتاج حلا سياسيا, فهي ليست مسئولية وزارة الداخلية وحدها, بل مسئولية كل شركاء المجتمع, والمواطنون قلقون من عدم استتباب الأمن, فهم يرون أن ذلك من أهم متطلبات الحياة, وأهم من الطعام والشراب, فإذا نجح الأمن عاد الاقتصاد, فعودة السياحة بحد ذاتها الممثلة في15 مليون سائح تعني15 مليار دولار, وذلك أفضل مئات المرات من الجري وراء قرض صندوق النقد الدولي البالغ نحو4 مليارات دولار.