أولا: شعار «وطنى أولاً» أصبح الآن ملازمًا لخطاب الدول العربية: «مصر أولاً»، «السعودية أولاً»، «العراق أولاً»، «المغرب أولاً»، وهكذا، واختارت كل دولة أن تضع مصلحتها الوطنية فى مقدمة أولوياتها. ليس فى ذلك عيب، فإعلاء شأن المصلحة الوطنية العليا من أبجديات العمل السياسى الرشيد، وأحد أهم شروط السيادة والاستقرار، والدول الرشيدة هى من تسعى لتحقيق مصالح شعبها أولاً، وصون أمنها واستقرارها قبل كل شيء. مضى زمن الشعارات البراقة والخطابات الحماسية، وكان معظمها يُستخدم غطاءً للفشل الداخلى، ونحن أمام واقع عربى جديد، يعتمد شعار الوعى السياسى الجريء، تأكيدا على الحق المشروع لكل دولة فى اختيار طريقها وفقاً لاحتياجاتها، لا وفقاً لحسابات الآخرين. شعار «وطنى اولا» ليس تنصلًا من القضايا المشتركة، بل هو مراجعة للمسار، فالتحالفات القوية لا تُبنى على الشعارات، بل على قوة الداخل، والتكامل العربى الحقيقى يبدأ عندما يكون كل طرف قويًا ومتماسكًا فى ذاته. ثانيا: لم تعد القضية الفلسطينية، بكل رمزيتها التاريخية، هى المظلة الجامعة التى توحّد الصف العربى وتلهم العمل المشترك، كما كانت لعقود مضت، وتغيرت الأولويات وتبدلت خارطة التهديدات، ولم تعد إسرائيل كذلك هى الخطر الأبرز الذى يهدد أمن واستقرار بعض الدول العربية. تتعدد المخاطر وعلى رأسها الإرهاب العابر للحدود، والتدخلات السافرة لقوى إقليمية تسعى كل منها إلى فرض نفوذها عبر توظيف الطائفية والتوسع الاستراتيجى على حساب وحدة الدول وسيادتها، وتراجعت القضايا القومية لصالح حسابات الأمن القُطرى ومصالح الأنظمة، ما أضعف مناعة النظام العربى، وجعل الساحة مفتوحة أمام التدخلات والمشاريع الأجنبية. ثالثا: النزاعات السياسية بين بعض الدول العربية تبرز الحاجة الملحّة لتفعيل آلية عربية موحدة وفاعلة حتى لا تنقلب الى مواجهات مسلحة، وتضمن الحوار وتُغلّب منطق الشراكة لا المغالبة. وما شهدته المنطقة من كوارث، وعلى رأسها جريمة غزو العراق للكويت عام 1990، ما زال شاهداً على خطورة غياب مثل هذه الآلية، وهذه الجريمة لم تمزق فقط الجغرافيا والسيادة، بل كسرت الثقة، وأعادت تشكيل الخريطة السياسية فى العالم العربى لعقود. لم تعد الخطابات وحدها كافية، ولا يمكن ترك المصير العربى رهناً لردود الأفعال، والمطلوب تحرك فعال لجامعة الدول العربية، لوضع ميثاق مُلزم لتسوية النزاعات، تدعمه إرادة سياسية صادقة، ويُترجم إلى مؤسسات وآليات تنفيذ حقيقية. رابعا: الاستثمارات المشتركة اصبحت اهم من المشروعات السياسية، ولم يعد تطابق السياسات بين الدول العربية شرطًا للتعاون، فالأهم اليوم هو تفعيل مساحات الاتفاق، وتوظيفها فى مشروعات استثمارية عربية مشتركة تمثل بديلاً آمنًا وفعّالًا أمام ما يواجه رؤوس الأموال العربية من مخاطر فى الخارج. لكن مسار الاستثمارات العربية المشتركة لن يكتمل دون تأسيس منظومة قانونية متماسكة تضمن حماية الاستثمارات وتمنح الثقة للمستثمر العربى فى بيئته العربية.