'ما هو موقف الولاياتالمتحدة؟'سؤال يتردد علي ألسنة المصريين من مختلف المشارب والاتجاهات عندما يتصل الأمر بكيفية تعاطي واشنطن مع الأوضاع الداخلية في مصر. المفارقة أن هناك مراكز بحثية كبري في العاصمة الأمريكية تطرح سؤالا مشابها اليوم وهو'ماذا تريد المنطقة من الولاياتالمتحدة؟'.السيولة السياسية في الشرق الأوسط لا تسمح بإجابات قاطعة عن السؤالين السابقين علي اتساع الهوة والتباين الكبير بينهما ولكن يمكن قراءة أبعاد المواقف السياسية من أطراف عدة للوصول إلي صورة تقريبية. علي صعيد السياسة الأمريكية, هناك تباين بين موقف الإدارة الديمقراطية وموقف الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ولكنه تباين لا يصل إلي المستوي الذي تتصوره قوي المعارضة في مصر, فالإدارة تجيد تسويق موقفها الراغب في إقامة علاقة مشاركة مع الحكم الجديد والتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين حيث يبدو الديمقراطيون والجمهوريون يتقاطعان في الموقف عندما يتصل الأمر بقضايا بعينها مثل أمن إسرائيل والموقف من الحرب علي الإرهاب ومواجهة شبكة القاعدة.في الأسابيع الأخيرة, بدت علامات التوتر علي مسئولي الإدارة الأمريكية-علي حد قول مسئولة سابقة في الإدارة الأمريكية ل'الأهرام'-من أداء السلطة في مصر وتصاعد التوتر الداخلي وعدم قدرة البيت الأبيض علي تطوير مستوي العلاقات إلي ما كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما يأمله في بداية الفترة الثانية لحكمه وهو ما يشكل معضلة لتيار كبير يدعم تعميق العلاقات مع الرئيس محمد مرسي في تلك المرحلة الفارقة في تاريخ الشرق الأوسط.وحسب معلومات حصل عليها'الأهرام'مؤخرا في واشنطن, زادت قبضة الفريق الراغب في تدعيم العلاقة مع حكومة محمد مرسي في الإدارة الأمريكية بعد خروج عدد ليس بقليل من'المتحفظين'علي بناء المشاركة مع جماعة الإخوان المسلمين قبل تقديم ضمانات بشأن الحريات العامة وبناء مؤسسات الديمقراطية حتي لا تجد الولاياتالمتحدة نفسها في موقف شديد الحرج في المستقبل لو لم تلتزم القوي الإسلامية بالعملية الديمقراطية في البلاد.وما سبق, يتناقض مع بعض الإشارات الواردة من العاصمة الأمريكية حول العلاقات مع الحكومة المصرية وتفسير الأمر بأن واشنطن تفضل ممارسة ضغوط في الخفاء دون التسبب في حرج للسلطة الجديدة مع إطلاق تصريحات معتادة عن ضرورة أن تلتزم حكومة مرسي بالعملية الديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية.ويمثل الموقف الراهن في مصر معضلة للإدارة الأمريكية, من جانب آخر, وهو عرقلة التفاهم بشأن ملفات إقليمية كبري ومنها الوضع في سوريا والتنسيق في الحرب علي الإرهاب, حيث أجهضت المواجهة بين السلطة ومعارضيها التقدم علي مستويات عدة منها دعم موقف الحكومة المصرية أمام صندوق النقد الدولي للحصول علي قرض ال64 مليار دولار لإسعاف الإقتصاد المصري بشكل عاجل او تقديم حصة مساعدات جديدة عبر الكونجرس وهي المهمة التي تصادف صعوبة اليوم بعد ظهور لقطات فيديو الرئيس محمد مرسي, التي حملت لغة عدائية لليهود, حيث لا يبدي مشرعون أمريكيون اقتناعا بالتفسيرات التي قدمت أو برغبة الإدارة الأمريكية في تجاوز الموقف وتجاهل أزمة التصريحات وهو ما دعت إليه السفيرة الأمريكية في القاهرة والبيت الأبيض حيث أكدا لنواب الكونجرس أن اللغة العدائية بين كل الأطراف في الشرق الأوسط هي حقيقة واقعة ولا يمكن إنكارها وما يمكن فعله هو مراقبة التصريحات والأفعال من الآن فصاعدا وليس التوقف عند إرث الماضي غير الخفي علي أحد.وقد كانت زيارة عبد الموجود درديري النائب السابق عن حزب الحرية والعدالة وعضو لجنة العلاقات الخارجية في الحزب لواشنطن خلال الأسبوع الماضي وقيامه باتصالات واسعة مع كل الأطراف المعنية خطوة في اتجاه تفسير المواقف الحالية للجماعة والحزب.والمعروف أن درديري كان ضمن أول وفد لحزب الحرية والعدالة لواشنطن قبل أكثر من عام وهي الزيارة, التي مهدت الطريق لعلاقات أوسع مع الإخوان قبل وصول محمد مرسي للحكم بفترة قصيرة.كما تحدثت مصادر دبلوماسية في واشنطن عن نشاط غير عادي في القنوات الخلفية بين الإدارة الأمريكية ورجال السلطة في مصر من أجل تجاوز الأوضاع الحالية, إلا أن عدم قدرة السلطة علي تحقيق المصالح الداخلية وزيادة الاستقطاب السياسي تحول دون قطف ثمار التقارب بين الجانبين.وينعكس غياب الرؤية أو عدم وجود استراتيجية واضحة لإدارة أوباما في التعامل مع مصر في تصاعد النقد, في وسائل الإعلام الأمريكية, ضد مجمل أداء البيت الأبيض حيال دول الربيع العربي وصعود الإسلاميين وتفشي وباء القاعدة من باكستان إلي المغرب العربي وفتح جبهات جديدة, مثلما هو الحال في دولة مالي اليوم.وهناك أصوات تري أن الوضع الداخلي في مصر هو فرصة حقيقية للولايات المتحدة للحصول علي تنازلات في ملفات تهم الامن القومي الأمريكي ربما لم يكن ممكنا الحصول عليها في السابق بينما تري أصوات أخري أن إضعاف الدولة في دول الربيع العربي سيسفر عن تبعات غير محمودة علي الأمن القومي الأوروبي والأمريكي وبالأخص في مسألة انفراط عقد الجماعات الجهادية وإرتفاع معدل الهجرات إلي الغرب كنتيجة مباشرة لاستمرار التدهور الإقتصادي وحينها يصبح التدخل بمواقف حازمة من حكومات الولاياتالمتحدة وأوروبا أمرا حتميا.في المقابل, تسعي الإدارة المصرية إلي توسيع مظلة نفوذها الإقليمي الناشئ من خلال لعب دور في التقريب بين الولاياتالمتحدة وإيران(زيارة نجاد إلي مصر لحضور القمة الإسلامية)وطرح مبادرة جديدة حول المصالحة في سوريا بمشاركة أطراف فاعلة في الإقليم والتمايز في موقفها بشأن الوضع في مالي بتقديم نفسها ضد التدخل الأجنبي في بلد إخترقه تنظيم القاعدة بقوة وسيطر علي جزء معتبر من أراضيه.في المواقف الثلاثة السابقة, تبدو الإدارة المصرية أقرب إلي إتباع المنهج التركي الحالي في العلاقات الإقليمية من حيث لعب أدوار الوساطة في القضايا الحرجة والتشدد في قضايا أخري تتصل بشعبية الحكم في الداخل.وفي ظل الوضع المضطرب وأزمة الحكم في مصر, لن تقدم شخصية جون كيري, وزير الخارجية الأمريكية الجديد, تقدما علي مستوي العلاقات الثنائية بين القاهرةوواشنطن برغم خبراته العريضة في شئون المنطقة العربية وقضايا الشرق الأوسط بما فيها مستقبل عملية السلام التي وضعها في مقدمة إهتماماته إلا أن فوز بنيامين نيتانياهو بفترة ثانية في إسرائيل وإنشغال مصر بالوضع الداخلي وصعوبة التقريب بين اليمين الإسرائيلي واليمين الديني في مصر وانشطار الدولة السورية بما يبعدها عن لعب دور في عملية السلام في المستقبل القريب سيجعل أي جهدللتقريب بين الأطراف مجرد حملات علاقات عامة تستفيد منها أطراف بعينها لبعض الوقت ثم تتبخر الامال بفعل الظروف غير المواتية.هكذا, سؤال'ما هو موقف الولاياتالمتحدة؟'تصعب الإجابة عنه في عبارات قليلة محددة بفعل تعقيدات الموقف الداخلي في مصر وغموض السياسة الأمريكية في أهدافها وتوجهاتها الإستراتيجية في الشرق الأوسط.سيناريو تخبط السلطة في مصر هو آخر ما تتمناه الإدارة الأمريكية بعد أن عملت لعدة شهور علي تهيئة الأجواء لبناء علاقة مشاركة مع رئيس جديد يقوم بمد الجسور ويبدي رغبة في طمأنة واشنطن علي مصالحها في المنطقة وهو جل ما يتمناه البيت الأبيض من رئيس منتخب في مصر ما بعد الثورة.. لعبة'السلم والثعبان'هي الأكثر تعبيرا اليوم عن حالة العلاقات المصرية-الأمريكية حيث الرهان علي إلقاء'النرد'علي رقعة اللعبة غير مضمون والوصول إلي النهاية ليس اختيار الطرف الأقوي فيها-أعني الولاياتالمتحدة فكلما صعدت السلم درجات عادت للهبوط مجددا باختيارات النرد نفسه الذي ألقته بيديها علي رقعة اللعب قبل أن تعيد الكرة من جديد!