طارق عبد القادر العربي-ميت حديد-مركز دمنهور محافظة الغربية(22 عاما) خرج من مصر قبلته باريس في2008 وكان عمره آنذاك17 عاما وحينما سألناه عن الأسباب . قال: وجدت ان المستقبل مظلم وانه حينما أصل الي سن الزواج قد تكون الحياة أصعب.كما انني تمنيت ألا أعيش وأعاني مما يعانيه أهلي ومحيطي فطمحت ان احقق مستقبلا أفضل. ووجدت نفسي مضطر الي السفر لتكوين مستقبلي. هل فكرت في العمل داخل مصر قبل الهجرة؟ -جربت الشغل في بلدنا ولكنه كان غير مجد لذلك ذهبت للعمل في شرم الشيخ حينما كان عمري15 عاما وللاسف كان المقابل بسيط لدرجة انه لايكفيني بمفردي. كيف جاءتك فكرة الغربة ولماذا فرنسا بالذات؟ -أصحابي هم الذين زينوا لي طريق الغربة فمنهم من سبق ان سلك طريق فرنسا ولما جاءتني الفرصة وافقت بدون تردد. هل كنت علي علم بمخاطر الرحلة وحوادث الموت؟ -كنت أسمع الكثير ولكني قلت العمر واحد والرب واحد وتقبلت المخاطر في سبيل الخروج من المستقبل الحالك في مصر.فقبل خروجي مباشرة شهدت بلدنا حادث وفاة25 شابا في البحر ومع ذلك قررت السفر بالرغم من غضب امي التي رفضت ان تسلم علي قبل المغادرة. كيف تم الترتيب لهذه الرحلة.. وما تكاليفها؟ التكاليف حوالي30 الف جنيه وبالاتفاق مع اخ لصديق لي كان الوسيط وعلمت منه ان السفر سيكون من ليبيا.وبالتالي جهز لي تذكرة سفر بالطائرة حتي ليبيا وعند وصولي كان في انتظاري شخص بالمطار اصطحبني الي منزله لانتظر عنده يومين حتي تجهيز اجراءات السفر. وطبعا البيت عبارة عن خيمة والنوم كان علي الارض والاكل قليل جدا ومر اليومان ودفعت مايقرب من50 دولارا. حتي جاء موعد ما أسموه التخزين الصغير وهي عبارة عن شقة صغيرة في مكان شبه مهجور ولا تصلح لاقامة خمسة افراد كنا فيها حوالي35 شخصا. ما هي قصة التخزين الصغير والتخزين الكبير؟ -علي ما اعتقد ان سياسة التخزين هي سياسة تجويع متعمد مقصود به عمل رجيم حتي يتمكنوا من تحميل أكبر عدد منا في مركب واحد.. مدته شهر ونصف الشهر من العذاب ليس فقط لضيق الشقة انما ايضا كميات الاكل كانت لاتكفي طفل وكنا نحصل عليها بعد شجار وكنا في سجن فلا نستطيع الخروج لشراء اي شيئ.حتي جاء موعد التخزين الكبير وهو مكان علي البحر مباشرة لتسهيل عملية ترحيلنا من ليبيا عبر البحر لايطاليا. والمكان في قلب الصحراء بالقرب من البحر عبارة عن ارض فضاء محاطة بسور ارتفاعه2 متر يحجب رؤية الخارج وكان يتم نقلنا من الشقة لهذا المكان بطريقة تهريب والنسبة لما حدث معي فكنا3 أشخاص.تم شحننا في شنطة سيارة وكدت ان افارق الحياة من ضيق التنفس لان المدة كانت ساعة الا ربع بداخلها. وعشنا4 أيام في ظروف صعبة جدا فكنا ننام ونقوم في الهواء الطلق. كيف خرجتم من هذا المكان؟ في اليوم الرابع قالوا لنا استعدوا للرحيل الساعة الرابعة فجرا تقريبا تم خروجنا في أفواج كل فوج عشرة أشخاص..قطعنا الطريق حتي البحر جريا علي الأقدام لمسافة كيلو تقريبا حتي وجدنا قارب مطاطيا-زودياك- ليصطحبنا حتي المركب الذي كان ينتظرنا علي مسافة نصف كيلو-تقريبا-في قلب البحر..والمشكلة انه من أجل الوصول للقارب المطاطي لابد وان ننزل في البحر ونسبح مسافة50 متر.وكان من بيننا من لايجيد السباحة وبالطبع وسطاء الموت لايعنيهم ان كنا سننجو أم سنغرق فهم يقذفون بنا في المياه والأعمار بيد الله. هل توفي من بينكم احد؟ -لا الحمد لله استطعنا مساعدة بعضنا البعض حتي وصلنا الي القارب لكنهم كانوا يتعاملون معنا كما لو كنا' أقفاص طماطم' بل كان عقاب من يتراجع خوفا من ركوب البحر الضرب..فلا تراجع.المهم ركبنا في مركب14 مترا بما يعني إنه لا يتحمل اكثر من30 شخصا الا ان عددنا كان250 فردا وكنا علي متنها, كما لو كنا في علبة سردين. كم استمرت بكم الرحلة في البحر و كيف مر الوقت بكم؟ -خوضنا المسافة من ليبيا حتي جزيرة ايطالية28 ساعة لصعوبة الرحلة ومخاوفها كانت طويلة جدا الا انها ارحم بكثير من المسافة التي يقطعها آخرون للوصول الي ايطاليا من مصر فهم يستغرقون سبعة أيام في عرض البحر. ماهي الجنسيات الاخري التي كانت معكم؟ -كان معنا تونسيين ومغاربه بينهم فتيات صغيرات في السن فضلا عن قليل من الأفارقة. كيف كانت أحاسيسك وانت وسط البحر؟ -حينما وصلنا لمنتصف البحر وانعدمت بنا الرؤية من شدة الظلام ليلا- توقف المركب لعطل في الموتور..نظرت حولي ولم اجد اي شيء..هنا فقط انتابني خوف شديد وبدأت انطق الشهادة يقينا بأننا نواجه لحظة الموت..ووقتها تمنيت ان اعود الي الشاطئ وان ارجع الي وطني حتي لو خسرت كل ما دفعته من اموال..بعدها عاد المركب يعمل من جديد وتكرر العطل مرة اخري ثم انطلقنا بعده وكتب لنا ان نصل بسلام الي الحدود الايطالية.وحينما لمحتنا باخرة الصليب الاحمر جاءت لنجدتنا. كيف تعاملوا معكم؟ تعاملهم معنا محترما جدا فوجدنا في انتظارنا سيارات للإسعاف وأتوبيسات اصطحبتنا الي معسكر خاص للوافدين عن طريق البحر وقبل دخول هذا المكان تم فحصنا طبيا والتعرف علي هويتنا وبعض المعلومات كتاريخ الميلاد.ذلك لأنهم اخذوا منا جوازات السفر في ليبيا.وبالنسبة لي لم انكر اني مصري كما كان يفعل البعض وينتحل جنسية أخري حتي لايتم اعادته لمصر.ذلك لعلمي ان صغار السن لن يتم ترحيلهم حسب القانون الايطالي.بل تدرج حالتي تحت بند(بنبينو) لان عمري كان وقتها17 عاما.ومن هنا تم اعتمادي كمهاجر في ايطاليا.والتي استقبلتنا بمنتهي الإنسانية ووفروا لنا كل احتياجاتنا من الملابس والاحذية وأماكن آدمية للاقامة. اعتمادك كمهاجر في ايطاليا يعني حصولك علي أوراق رسمية؟. - كان من المفترض أن أدخل مدرسة مخصصة لتعليمي-وامثالي- اللغة الايطالية ثم نتعلم مهنة لنخرج بعدها لسوق العمل ولكني لم أمكث في المدرسة بايطاليا وتركتها بعد ثلاثة أسابيع متوجها الي فرنسا. كيف سمحوا لك بالسفر ولماذا فرنسا؟ -هربت لانني لما خرجت من مصر كانت قبلتي باريس وايطاليا ماهي الا وسيلة للعبور..ولماذا فرنسا لاني اعلم ممن سبقوني اليها من اهل قريتي ان فرص العمل أوفر.لان هدفي الوحيد سداد الديون التي اقترضتها من اجل السفر.فلا سبيل سوي العمل وكسب النقود ولم يكن في اهتمامي تصحيح اوضاع الاقامة ولا تعليم لان انا أساسا تركت التعليم في مصر واضطررت للعمل بعد وفاة والدي كي اصرف علي نفسي وأساعد أمي وأسرتي. كيف تمكنت من دخول فرنسا؟ - ذهبت الي روما عند احد الأصدقاء وهو الذي سهل لي عملية ركوب القطار بعد ان طلبت من خالي المقيم في باريس ان يبعث لي نقودا وعندما وصلت أقمت عنده لأيام لحين ان وجد لي سكنا مع بعض المصريين. هل وجدت في فرنسا ماكنت تطمح اليه؟ -مطلقا...فرنسا في مخيلتي كانت جنة والواقع مخالف تماما لانه مع مرور الايام ولما بدأت افهم اكثر من الاول ايقنت انه من الممكن ان تكون بلدنا افضل منها كنت متوقع انني في فرنسا ساجد كل شيئ سهلا ومتوفرا من العمل المحترم والسكن النظيف...الخ. كيف واجهت الواقع وفي اي المجالات تعمل وما رأيك في احوال المصريين؟ -للأسف لا استطيع التراجع..اعمل في مجال الدهانات والمعمار واسكن مع مجموعة من المصريين لااستطيع ان اجزم بان المصريين يخافون علي بعضهم البعض في الغربة لانني اجد ان كل واحد يفكر في نفسه فحسب..ومن يمد يد العون للاخر مرة لا يكررها. هل تفكر في العودة خاصة مع أمل تحسين الاوضاع في مصر بعد ثورة يناير؟ انا في انتظار ربما يتحسن الوضع في فرنسا من حيث الاقامة والعمل والسكن.ولو بلدنا ستوفر لنا عيشة كريمة بالطبع ساعود خاصة واني لم أري أمي وأخواتي منذ أربعة سنوات.