التظاهر تجاوز حق النقد المباح.. الأعمال التخريبية والتدميرية والإجرامية في كل مكان.. الرئيس يعلن حالة الطوارئ في مدن القناة.. مصر علي أعتاب صندوق النقد الدولي تنتظر القرض لتحل المشكلة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد.. الكل يعترض ويتظاهر عن كل شيء.. يطالبون بإسقاط الرئيس والدستور.. والبلاك بلوك يحاصر مكتب النائب العام المشهد كئيب ويدق ناقوس الخطر في كل مكان ذهبنا إلي المستشار الدكتور محمد عبدالمجيد اسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وزميل المجمع الملكي للمحكمين الدوليين بانجلترا وعضو الجمعية الفرنسية للتحكيم والحائز علي جائزة الدولة في القانون الدستوري لنستمع إلي خبراته بشأن الهم العام لعله يرشدنا إلي طريق لحل أزمتنا, والقضاء علي الفوضي والانهيار وقراءة المشهد السياسي من المنظور القانوني في هذا الحوار سوف نجد الأمل واعادة رسم خارطة طريق ذات تسلسل زمني وإليكم نص الحوار: كقاض كيف تري إعلان الرئيس مرسي تطبيق قانون الطوارئ علي مدن القناة؟ أزعم أن إعلان الرئيس عن حالة الطوارئ قد جاء صحيحا, وفي توقيته الملائم ومتزامنا مع أحداث جسيمة مرت بها مدن القناة تتمثل في خطر محدق يهدد أمن المواطن عقب صدور حكم محكمة الجنايات عن مذبحة بورسعيد وعقب أحداث الشغب وبالتالي العلة الدستورية والتشريعية خلف إعلان مثل هذا الاعلان جاءت في محلها وسليمة وليس من شك أن تأقيت مدة اعلان حالة الطوارئ ب30 يوما أمر منطقي جدا, وهو يختلف بالكلية عن اعلان حالة الطواريء لمدة30 عاما التي عاشتها مصر منذ الثمانينيات وحتي قيام ثورة يناير2011 فاعلان حالة الطواريء من الضرورة, والضرورات تبيح المحظورات مادامت أن الضرورة تقدر بقدرها, وهذه قاعدة شرعية قانونية فالرئيس استعمل السلطات المخولة له بموجب الدستور والقانون ولم يخرج عن اطار الشرعية الدستورية. الناس كانت تنتظر المطالبة بالغاء قانون الطواريء من الاساس وليس بتعديله في الدستور؟ الظروف الراهنة تملي علينا أن نحتفظ بقانون الطواريء بعض الشيء مادام ليس هناك استعمال للسلطة الممنوحة للدولة في فرض حالة الطواريء وخاصة أن فرض حالة الطواريء تم لمدة مؤقتة, وفي نطاق جغرافي محدود وبالتالي أنا إزاء استعمال تم ترشيده لحالة الطواريء, وهو بمثابة حفظ للأمن والسلم, والمواطن في أمس الحاجة اليهما خاصة, أن مفاوضات صندوق النقد الدولي معلقة حتي تحصل مصر علي القرض المزمع الحصول عليه علي الاستقرار واستتباب الأمن في البلاد فضلا عن أن جميع المؤسسات التمويلية الدولية سوف تحجم عن اعطاء أي قرض أو تسهيل ائتماني اما إذا رفض صندوق النقد الدولي أن يمنح مصر هذا القرض فانا أري أن فرض حالة الطواريء في هذا التوقيت وعقب هذه الأحداث الجسيمة جاء في منطقة جغرافية محددة, وهو أعمال للقاعدة الشرعية التي تقول الضرورات تبيح المحظورات. ربما مايحدث بعد الاقتراح بتعديل القانون سببه الرعب من كلمة طواريء؟ طبعا هذا السبب الموروث الثقافي التاريخي والسياسي لمصر في الحقبة الأخيرة, فمصر عاشت في حالة الطواريء لعقود طويلة, وبالتالي المواطن المصري عندما يسمع كلمة طواريء يصاب بالذعر والهلع والخوف وحالة من فقدان الشرعية الدستورية, ولكننا كنا بصدد طواريء كانت تفرض في النظام السابق بدون سقف وعلي سبيل الدوام وعلي القطر المصري بكامله. لماذا لم يتم انتظار انتخاب مجلس شعب جديد لإقرار مقترحات تعديل قانون الطواريء؟ الخطر الداهم الذي تحقق بالفعل وسقوط عدد كبير من القتلي والمصابين كان من الأجدر فرض حالة الطواريء دون انتظار انتخاب مجلس شعب جديد فضلا عن أن الدستور الذي وافق عليه8,63% من الشعب المصري أي بأغلبية تقرب الثلثين قد منح مجلس الشوري اختصاصات تشريعية إلي أن يتم انتخاب مجلس النواب. البعض اقترح تشديد قانون العقوبات هل لو تم ذلك لكان بديلا عن قانون الطواريء الموجود حاليا؟ لاشك أن أول خطوة شهدتها مصر في مرحلة التحول الديمقراطي هي أن الطواريء تفرض بهذه الكيفية كما حدث وهي الفرض المقيد لقانون الطواريء وهو يخالف الطريقة التي كانت تفرض بها الطواريء خلال العقود الماضية فلا أستطيع الغاء الطواريء مرة واحدة بعد فرضها لعقود طويلة خاصة مع وجود خلل أمني جسيم في الشارع المصري, فالشريعة الاسلامية جاءت متدرجة فالتحريم جاء علي مراحل وبالتالي الغاء حالة الطواريء بالكلية يستلزم أن يأتي علي مراحل ففي المستقبل عندما يستتب الأمن وتستقر الأمور نقوم بتضمين نصوص تشريعية داخل قانون العقوبات تكفل للدولة وللجهاز الأمني مجابهة حالات الشغب دون حاجة إلي قانون الطواريء. ما رأيك في موافقة مجلس الشوري بمنح القوات المسلحة الضبطية القضائية؟ لا أري غضاضة في منح القوات المسلحة الضبطية القضائية, لسبب واضح وصريح, وهو أن جهاز الشرطة في حالة من حالات اعادة البناء, وبالتالي مجابهة الانفلات الأمني الراهن الذي لايمكن ان يكن تحت مسمي ثورة, ويفتقد إلي الشرعية الدستورية يجب أن يساعد فيه جهاز الشرطة ويقف إلي جانبه القوات المسلحة, ولم يتسن ذلك في ضوء نصوص قانون الإجراءات الجنائية وضوء التطبيق الصحيح لنصوص قانون العقوبات وهذا لا يتم إلا بمنح القوات المسلحة سلطة الضبطية القضائية, وتخويل القوات المسلحة ضبط مثيري الشغب وتحرير محاضر ضبط لذلك تعرض علي النيابة العامة. ما رأيك في أن البعض ينادي بالتعجيل بانتخابات رئاسية, وألا يكمل الرئيس مرسي مدته؟ هناك دول مثل الارجنتين كان يتناوب علي رئاستها عدد من الرؤساء خلال ال3 سنوات كل سنة رئيس, وأن هذا ليس ضد الديمقراطية وأيضا هناك من يقول ان هناك دولا أخري تغير رئيسيها وبرلماناتها كل عام, وأنا أقول بأن هذا أمر خطير لأنه ضد الاستقرار والديمقراطية, والشرعية الدستورية, لأن الرئيس مرسي يستمد شرعيته من الصندوق الانتخابي وعبر الناخبون عبر اقتراع سليم تحت اشراف قضائي مصري, ويشهد العالم أجمع بمؤسساته الحقوقية والمؤسسات الحقوقية الداخلية بل ومنظمات المجتمع المدني بنزاهة وشفافية عملية الانتخابات الرئاسية التي أفرز الصندوق نتيجتها, وهي اختيار جموع الشعب بالأغلبية الرئيس مرسي, كل ذلك في اطار من النصوص الدستورية والتشريعية التي جعلت مدة الرئيس4 سنوات ففكرة الشرعية الدستورية هنا تملي نفسها وتفرض أن يحترم الشعب, والغاضبون إرادة الصندوق, ووجود رئيس الجمهورية واستمراره في مدته هو ضمانة للاستقرار والذي هو مفتاح لجذب الاستثمارات الأجنبية ولتحسين التصنيف الائتماني لدي العالم الخارجي, وحل المشكلات الاقتصادية بداية من سعر الجنيه المصري أمام الدولار وانتهاء برغيف العيش للمواطن وانتهاء بأزمة السولار والبنزين الطاحنة. أهالي بورسعيد يرون أن القضاء في حكمه الاخير قد جامل شباب الألتراس ما تعليقك؟ القضاء لا يجامل, فقضاؤنا شامخ وعادل, هذا فضلا عن أن ما صدر ليس حكما, وإنما هو قرار بإحالة الأوراق إلي مفتي الجمهورية لاستطلاع رأيه, وفي حالة صدور الحكم بالإعدام بعد ذلك من محكمة الجنايات, ترفع الأوراق إلي محكمة النقض لتصدر حكمها البات بالإعدام, فنحن شعب متحضر, فكنت أتصور من شعب بورسعيد الباسل صاحب التاريخ بعد صدور هذا الحكم أن يتعين عليه ولوج سبيل التقاضي بالطعن أمام محكمة النقض علي قرار محكمة الجنايات وليس المذابح والاعتصام أمام السجن, ومحاولته اقتحامه وإخراج المساجين. ننتقل بالحديث إلي الدستور الجديد.. هناك دعوة بإسقاطه دعا إليها بعض الحركات السياسية والأحزاب والجبهات المعارضة؟ الدعوة إلي إسقاط الدستور تفتقد إلي المشروعية الدستورية, لأن الدستور الذي أمامنا دستور ديسمبر2012هو نتيجة إفراز عملية الاستفتاء التي أفضت إلي أن وافق الشعب بجموع الناخبين المقيدين في الجداول بأغلبية نسبتها 63,8%, وهي أغلبية تقترب من الثلثين علي نصوص الدستور, فالأقلية التي تتمثل في الثلث التي اعترضت عليه لاتملك إلا أن تحترم إرادة الأغلبية, فيجب أن يحترم الدستور, مادام هو إفراز الصندوق وإرادة الأغلبية, فآلية التعبير تختلف عن آلية التغيير. يقول البعض إن قانون التظاهر استحدثه الإخوان المسلمين بعد خروج الشعب عليه, ولمواجهة ظاهرة البلاك بلوك؟ لا أقول قانون التظاهر استحدثه الإخوان المسلمون, ولكن أستطيع القول: استحدثه السلطة التشريعية التي تتمثل في مجلس الشوري إلي أن يتم انتخاب مجلس النواب, فهو قانون صدر عن ممثلي الشعب, وهذا القانون مهم جدا وخطير, يتعين تفعليه وإنقاذ نصوصه, كل من يخرب ويدمر أو يغطي وجهه كفئة ال بلاك بلوك, كل هذا يجب تأثيمه وتجريمه, لأن هذه مسألة خطيرة تتعلق بأمن وسلامة البلاد, وأود القول إن فئة البلاك بلوك هي ليست ظاهرة في الشارع المصري, ولكنها كانت موجودة في ألمانيا منذ عام1980, وقد ظهرت لمواجهة التسلح النووي وكانت ضده, وظهرت من أجل تجريم الإجهاض في بعض الدول الذي تجرمه الكنيسة الكاثوليكية, فهي ظاهرة مجتمعية أفرزها المجتمع الأوروبي في عام 1980, وانتقلت إلي أمريكا, وأشهر ظهور لها إبان زيارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان في برلين في يونيو 1987 كانت البلاك بلوك تعترض علي الحرب الباردة. ما رأيك في المادة التي توجب علي المتظاهرين إخطار وزارة الداخلية قبل المظاهرة ب5 أيام؟ أتصور أن يأتي قانون التظاهر السلمي بنصوص ضابطة ومنظمة لعملية التظاهر السلمي, وتحدد أطره من حيث مثله مثل حق الإضراب في أوروبا الذي جعلته التشريعات الأوروبية حقا دستوريا, ولكنه الإضراب المنظم الذي لا يتحول إلي فوضي ولا إلي عنف أو تخريب أو تدمير, وفيه يتم إخطار الجهة المعنية قبلها بأيام, ومؤقت أي بمدة مؤقتة لا يتجاوزها, فيجب أن يكون هناك إخطار مسبق لوزارة الداخلية, وأن يكون في منطقة جغرافية محددة, هذا التظاهر, ولذلك فهو ليس حقا مطلقا في أي وقت وفي أي مكان, لأنه يعيق المرافق العامة وأداء خدمات للمواطن, ويعيق الأمن أحيانا والمرور أيضا, فيجب أن يكون هناك ضوابط للتظاهر, وهو معمول به في جميع دول العالم, ولا يتجاوز التظاهر حق النقد المباح من حيث الكلام واللافتات, فلا يتضمن سبابا ولا أفعالا تخريبية أو تدميرية أو إجرامية, أو أفعال عنف بأي صورة يؤثمها قانون العقوبات. هل نحن الآن في وضع أن الفوضي تتحدي العدالة؟ ليس من شك أن الفوضي تتحدي العدالة الآن, هذا واقع يفرضه الشعب المصري, والدليل علي ذلك أنك لا تستطيع وقف نزيف القتل والجرح والضرب والتدمير والتخريب للمنشآت ومرافق الدولة الحيوية, والممتلكات الخاصة التي يمتلكها أبرياء, لا ذنب لهم, وعلي العدالة من خلال المشروعية الدستورية أن تثبت أنها الأقوي. ما الإجراءات المطلوبة من وجهة نظرك لإنهاء حالة الفوضي التي يعيشها الشعب المصري؟ أولا قيام مجلس الشوري بمهمة إصدار تشريع سريع بتشديد العقوبات في جرائم البلطجة وتهريب المساجين والاعتداء علي المؤسسات العامة وقطع الطرق, وأيضا يجب علي مجلس الشوري سرعة إقرار قانون حق التظاهر ووضع ضوابط مشددة له أيضا, ويجب فتح ملفات التمويل الأجنبي ورفع الغطاء السياسي عن المخربين والمحرضين, واعتبار الحوار الديمقراطي الواعي والبناء بين القوي السياسية حالة دائمة, فمن يخربون في البلد الآن لا يستندون إلي المشروعية الثورية ولا إلي المشروعية الدستورية. أخيرا.. ما رأيك في الجدل المثار حاليا بشأن وضع القضاء العسكري في الدستور الجديد؟ القضاء العسكري في الدستور هو جهة قضائية مستقلة, يختص دون غيره بالفصل في جميع الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة من ضباطها وأفرادها, وأري أن وضع القضاء العسكري في الدستور لا يمثل مشكلة, وأن ما يثار من جدل وحوار مجتمعي ودستوري حول ذلك, ومن تشكيك أيضا أن القضاء العسكري سيبسط سلطته ليحكم في المدنيين, هذا أمر غير سليم.